د. عادل محمد عايش الأسطل / ليس مفاجئاً أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” أثناء مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي (دافوس- سويسرا)، بانتقاد السياسة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي حيال إسرائيل، كما لم يكن غريباً، أن يُطالب مسؤولته للسياسة الخارجية “فيدريكا موغيريني” بوجوب تبنىّ السياسية التي تنتهجها الدول العربية (المعتدلة) تجاه إسرائيل، على اعتبار أن لدى إسرائيل علاقات ديبلوماسية قويّة مع تلك الدول، وهو بالضرورة لا يقصد كل من مصر والأردن باعتبارهما تقيمان علاقات ثنائية بناءً على اتفاقيتي سلام، (كامب ديفيد 1979، ووادي عربة 1994).
“فيدريكا” أيضاً أدلت بردود غير مفاجئة أيضاً، وسواء من حيث تأكيدها بأن الاتحاد هو أكثر اهتماماً بإسرائيل من أي وقتٍ مضى، باعتباره يشعر بمخاوفها إزاء (التحريض الفلسطيني)، أو بشأن خطواته التي قام بتمريرها، وسواء الخاصة بوسم منتوجات المستوطنات المتواجدة في السوق الأوروبية، أو بإنشاء تقسيمات بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية في أيّة اتفاقيات مقبلة، باعتبارها تجيء تحت بنود تقنيّة، وخاصة بحماية المستهلك الأوروبي، ولا يُقصد بها مقاطعة إسرائيل أو إرهاقها.
لكن الذي كان مُفاجئاً هو، قيام أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين د.”صائب عريقات” بإعلان تحدّيهِ لـ”نتانياهو” فيما إذا كان قوله صحيحاً، والخاص بأن لإسرائيل علاقات دبلوماسية قويّة مع الدول العربية، باعتباره محض أكاذيب، حيث قال: أتحدّى “نتانياهو” بالكشف عن أي تحسن في علاقة إسرائيل مع أي دولة عربية.
لقد بدا “عريقات” جادّاً في تحدّيه، وبأنه على ثقة تامّة، من اقتحامه لـ “نتانياهو” والفوز عليه، بسبب تأكّده من أن علاقات دبلوماسية كهذه ليست متواجدة، وهي مستبعدة جداً، وأن ادّعائه بشأنها، هو مجرّد هلوسات فقط، باعتباره لديه أن لو كان هناك شيء منه صحيحاً، لكان سارع بتبيان تلك العلاقات والافصاح عنها.
وفي ضوء انتهاء المدة المقررة الممنوحة أمام الخصم – نتانياهو- وبعد استماعه إلى إعلان التحدّي، وتأخّره عن إعطاء جواب قانوني أو أخلاقي، فإن من المتبع إعلانه كخصمٍ (خاسر)، ما يعني أنه كاذب في كل ما قاله وما بدر منه، وأن ادّعائه باطلاً ولا أساس له، ويلزمه تحمّل المسؤولية.
قد يكون هذا الحكم مستساغاً للوهلة الأولى، لكن إذا ما تم فحص كل ما نشأ عليه، وسواء كان بصورة رياضية أو ميتافيزيقية، فستبرز شواهد واقعة وحقائق دامغة، لا يمكن تغطيتها أو القفز عنها بسهولة، والتي من شأنها أن تقلب الفوز الكبير، إلى خسارة مفعمة بالاكتئاب والحسرة.
سيما وأنه في علم الكل، بأن “نتانياهو” ليس مُلزماً بقبول التحدّي ولا حتى بالمدافعة عن ادعائه، بسبب مبررات كثيرة، وأهمها: أن سعيه إلى تحقيق انتصار في هذا الوقت وهذه الظروف، لا يهمّه كثيراً ولا يبحث عنه، حتى برغم ضمانه له، خاصةً وأن المكاسب التي يجنيها من عدم قبوله التحدّي، هي بالنسبة له أكبر بكثير من التي سيتلقاها عندما ينزل إلى الميدان، وفي ضوء أن براهينه (الفالجة) مقيّدة باشتراطات، تغلب عليها طوابع السرّية، وهو مُرغم بالتزامها.
بغض النظر عن علاقات إسرائيل الكبيرة، بكل من مصر والمملكة الأردنية، والتي لا تنتهي لحظة، دون أن يتفاخر بها “نتانياهو” والإسرائيليين بشكل عام باعتبارها عصيّة على الإطاحة بها أو الانتقاص من أحجامها، فإنه يجب الانتباه جيّداً إلى الاقترابات الإسرائيلية – العربية الكبيرة، والتي لا تحتاج إلى توضيح أكثر، حيث أنها بلغت بوضوحها، أن مهّدت لدولة السودان الشقيقة، والتي تُعتبر من الدول الأواخر، التي تفكر في إنشاء علاقات مع إسرائيل، بأن تعلن عن استعدادها للنظر في الإقدام على تلك الخطوة وتعزيزها، وإن بحجة رفع الحصار المفروض عليها.
وإن كان من بواعث الضرورة، التماس العذر المناسب للسيد “عريقات” باعتبار تحدّيه يهدف إلى تبرئة الدول العربية المعنيّة، من مسألة إقدامها على إنشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل الاحتلالية، وخاصة قبل إعلان موافقتها على المبادرة العربية، القائمة منذ 2002، والتي تنص في حال قبولها، على الاعتراف العربي بكيانها، وبإنشاء علاقات تطبيعية معها، وبالمقابل تجريم “نتانياهو” ومن ثمّ تدفيعه الثمن المناسب، جراء ادعائه المفترى، أو لمنعه من الثرثرة على حساب الغير على الأقل.
لكن كان الأجدر به، وقبل وقوعه في غير المُفيد، أن لو قام بتمرير ذلك الادعاء الغاشم، وأن لو أمسك عن ذلك التحدّي، باعتباره تحدياً غير صائباً، وفي ضوء أن لا دولة عربية، قامت باتجاه تفنيده والقدح به هو بمفرده، أو أيّة ادّعاءات إسرائيلية سابقة، على الأقل لاعتبارات خاصة بمجريات الصراع، إذ كان الأوْلى له، أن يقيم جهده على الفحص، لأجوبة تلك الدول، بعد سؤالها أولاً، فيما إذا كانت لا تقيم علاقات مع إسرائيل، أو أنها لا ترتبط معها بأيّة اتصالات تعاونية، وخاصة تلك التي تؤثّر سلباً على مجريات القضية الفلسطينية.