%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%B1 %D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%AA أوكرانيا

عرفات الذي لا يُقهر

يقول نيلسون مانديلا في مقدمته للكتاب أنه من غياهب سجنه كان يتابع نشاطات الرئيس عرفات، وأنه أثار اهتمامه بثباته ومثابرته وإيمانه بشعبه والسير معه خطوة خطوة في السراء والضراء. وما أثار إعجاب مانديلا أن الصعوبات والعقبات التي كان يصطدم بها لم تهزّ قناعاته قط، بل على الع** كان عزمه عرفات أوكرانيايشتد صلابة. وأكد مانديلا في نهاية مقدمته أن ياسر عرفات سيبقى الى الابد رمزا للبطولة بالنيابة لكل شعوب العالم التي تكافح من اجل العدالة والحرية

ويؤكد المؤلف في توطئته للكتاب أن ياسر عرفات كان كان في مركز كل القرارات وكل الأحداث المتعلقة بشعبه، ساعيا بلا هوادة لتحقيق هدف وحيد: إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

منحته مجلة تايم الأمريكية لقب ‘رجل العام’ مرتين : المرة الأولى في 1968، وهو عام معركة الكرامة(21/3) المعركة الاولى لاسرائيل التي تترك وراءها آليات لها في ارض المعركة، المعركة التي شكلت رافعة للمعنويات العربية، والثانية في 1993، وهو عام التوقيع على اتفاقيات أوسلو، التي صادقت على الإعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. في العام التالي، منح مع شريكيه الإسرائيليين اسحق رابين وشيمون بيريز، جائزة نوبل للسلام.

وفي تمهيده للكتاب، يعلل أمنون كابليوك اختيارَه العنوان ‘عرفات الذي لا يُقهر’ لانه نجا من عدّة محاولات إغتيال منذ 1967، لدرجة أنه لُقّب ب’الفينيق ذي الكوفية’ او ‘الرجل ذو الارواح السبعة’. ويمهد الكاتب لدراسة شخصية ياسر عرفات بالاشارة الى تقشفه وورعه وبراغماتيته، وهو فوق هذا وذاك ذو ‘كارزمة’ عالية، وشخصية فذة.

كان عرفات قناص التعابير التي فرضها على الساحة السياسية مثل ‘يا جبل ما يهزك ريح’ ولكن اهم واخطر هذه التعابير ‘كادوك’ التي قالها في فرنسا:

في 2 أيار 1989 وصل عرفات الى باريس. كانت هذه هي زيارته الرسمية الاولى لدولة غربية عضو دائم لمجلس الامن. وفي محادثاته مع الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران اظهر الاخير انزعاجه من التناقض الحاد بين الميثاق وبين قرارات المجلس الوطني الاخير الذي عُقد في الجزائر، ولكن عرفات تعهد للاليزية بحسم هذا التناقض لصالح قرارات المجلس الوطني. وفي لقاء عرفات مع وزير الخارجية الفرنسية رولان دوما طلب عرفات منه ان يبحث له عن تعبير رنان بالفرنسية يقنع السامع ان الميثاق اصبح لاغياً لم يعد ذا بال في هذا المجال، فاقترح الوزير الفرنسي على عرفات ان يقول في لقاء تلفزيوني عن الميثاق c-est caduc .

وفعلاً صرح عرفات للقناة الفرنسية الاولى أن الميثاق تم التخلي عنه، ولم تعد له اية قيمة قانونية، ثم قال بالفرنسية بارتياح واضح: c-est caduc

وسأله الصحفي ماذا تعني بـ’كادوك’ ؟ اجاب عرفات باستهزاء وباللهجة المصرية: ‘الله صحفي فرنسي وعايزني انا اشرح لك كلمة كادوك؟!

ضحك الصحفي، وخرجت الصحف الفرنسية في اليوم التالي تتوج صفحاتها الاولى كلمة كادوك. وهكذا دخلت هذه الكلمة قاموس المفردات الفلسطينية على اللغة العربية واللغات الاخرى (ص 236).

ووبالمناسبة نذكّر هنا بأن الضجة التي احدثها تعبير ‘كادوك’ أوحت لياسر عرفات بحكاية ‘الجنيهات الذهبية الثلاث’ التي قالها في اليابان:

في اوائل عام 1990 وصل عرفات طوكيو في زيارة رسمية. وفي لقاء مع البروفيسور ‘ايتا جاكي’ اشهر اساتذة التاريخ المعاصر في اليابان سأله عرفات عن شئ في التراث الياباني حول حل النزاعات والخلافات. فقال الاستاذ الياباني هنالك قصة شعبية في اليابان يعرفها كل اليابانيين تقريباً، وهي قصة ‘الجنيهات الذهبية الثلاث’، ورواها له.

وفي المؤتمر الصحفي في اليوم التالي قال ياسر عرفات رداً على سؤال حول الحل المعقول للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، قال: نحن في فلسطين نهتم كثيراً بالحكمة اليابانية، واعتقد ان الحل المعقول هو ذات الحل الذي اتخذه الحكيم الياباني في مسألة الجنيهات الذهبية الثلاث فضحك الصحفيون اليابانيون وصفقوا.

وبعد ان هدأ التصفيق استأنف ياسر عرفات القول فقال: وبما ان هنالك صحفيين غير يابانيين سأشرح القصة:

تقول القصة ان رجلاً اضاع محفظته، وكان بها ثلاث جنيهات ذهبية، وعاد صاحب المحفظة يبحث عنها فوجدها مع رجل كان قد التقطها. رفض حامل المحفظة إعادتها لصاحبها، فتطور النزاع بينهما، واستل كل منهما سيفه وتقاتلا. وتوسط احد الشهود واقترح عليهما الاحتكام للحكيم. وفعلا مَثَلا امام الحكيم.

قال الاول: هذه محفظتي وبها جنيهاتي الذهبية الثلاث سقطت مني في بئر عندما كنت اشرب منه فوجدتها مع هذا الرجل فعليه ان يعيدها الي، فالحق يجب ان يعود لصاحبه.

قال الثاني: هذه المحفظة اخرجتها من البئر بجهود مضنية فهي لي بجنيهاتها الثلاث .

قال الحكيم: تقديراً لثقتكما بي ادفع لكما جنيها ذهبية تضاف الى الثلاث في المحفظة فتصبح الجنيهات اربعاً. واقسمها بينكما، فيكون لكل منكما جنيهان. ورضي الطرفان، وتصالحا، وشكرا الحكيم.

 

قال الوسيط: الحكم لم يخسر الا جنيهاً، والاول لم يخسر من حقه الا جنيها واحدًا، والثاني لم يخسر مما يعتقد انه حقه الا جنيها واحداً، وانتهى النزاع

واردف عرفات قائلاً: فنحن ارتضينا ان نخسر جنيها، بل ارتضينا ان نخسر جنيهين ونستعيد جنيهاً واحداً من جنيهاتنا الثلاث.

وهنا صفق الصحفيون جميعاً. ثم عقب عرفات:

والفرق يا اخواني اننا في قصتنا لم نُضِع محفظتنا، ولم تَسقط منا في البئر ونحن نشرب منه، بل سرقوها منا!!. وهنا على التصفيق والصفير من قبل الصحفيين جميعاً. وفي اليوم التالي صدرت الصحف اليابانية، وبعضُها تتوج صحفاتها الاولى باللون الاحمر: ‘عرفات يفوض الحكيم الياباني بحل النزاع في الشرق الاوسط’، وبعضها الاخر جعل العنوان ‘الجنيهات الثلاث هي الحل الامثل لمشكلة الشرق الاوسط’.

يستعرض المؤلف مسيرة ياسر عرفات منذ الولادة وحتى الاستشهاد، فالمؤلف يعتقد ان ‘فرضية التسمم تفرض نفسها'(ص425). اي أن عرفات عاش ما بين انتفاضتين مقدسيتين: فقد ولد في آب إبان الانتفاضة الاولى ذات الطابع الوطني والديني ‘انتفاضة البراق’ عام 1929 واستشهد في الانتفاضة الاخيرة ‘انتفاضة الاقصى’ في تشرين ثاني 2004، ولذلك كان من الطبيعي ان يوارى الثرى في حرم المسجد الاقصى (وهذا ما كان يتمناه) ولكن شارون و**انيته رفضوا ذلك، فارتأت القيادة الفلسطينية دفنه في ضريح مؤقت في ساحة المقاطعة في رام الله – المكان الذي امضى سنواته الاخيرة محاصرا فيه (ص433)، وقد اجاد احمد دحبور التعبير عندما سماه ‘مثواه ما قبل الاخير’.

 

ويقسم المؤلف الكتاب الى تسعة عشر فصلا وخاتمة، ويلحق به مجموعة من الصور الفوتوغرافية المختارة:

يناقش في الفصل الاول طفولته بين القدس حيث ولد وعاش قسما من طفولته مع اخيه فتحي في كنف خاله والقاهرة حيث عاش معظم طفولته وشبابه في كنف والده. ويشير الكاتب في هذا الفصل الى مواهب عرفات القيادية وميله لممارسة السلطة منذ الطفولة حيث اغتنم ظروف الحرب العالمية الثانية فنظم ‘جيشا’ من اطفال الحي (ص31). اما في مقتبل شبابه فقد ذهب مع بعض زملائه الفلسطينيين الى صحراء العلمين عام 1948 لشراء اسلحة من بقايا الحرب العالمية من البدو المصريين لارسالها الى قوات ‘الجهاد المقدس’ بقيادة عبد القادر الحسيني في فلسطين (ص34).

 

وفي الفصل الثاني يستعرض الكاتب مسيرته منذ النكبة حتى حط الرحال في الكويت عام 1957(ص49) وفي هذه الفترة اسس فتح مع رفاقه

 

. ويشهد الفصل الثالث تطور فتح من صحيفة ‘فلسطيننا – نداء الحياة’ وصندوق بريدها رقم1684عام 1959 في بيروت وحتى الاجتماع الثالث (السري) للمجلس العسكري لفتح في عمان في تشرين الثاني عام 1964 الذي اتخذ القرار ببدء العمل المسلح والذي القى به ابو عمار كلمة ختمها باعبارة الرنانة ‘ثورة حتى النصر’، والتي صارت خاتمة رسمية لكل خطابات الحركة الشعبية منها والرسمية(ص66).

ويخصص الكاتبُ الفصلَ الرابع لما بين انطلاقة فتح والن**ة والاحتضان البعثي السوري لفتح رغم اعتقال قيادتها بمن فيهم ياسر عرفات على اثر محاولة سورية لانقلاب على قيادة فتح في شباط 1966 (ص73).

 

وفي الفصل الخامس يتعرض المؤلف لنزول ياسر عرفات الى الضفة الغربية بعد قرار فتح بالانطلاقة الثانية في آب 1967 حتى انتخابه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية في 4شباط 1969، فاتخذ عرفات اول خطوة ديموقراطية إذ الغى النظام المعمول به سابقا وهو انتخاب الرئيس من المجلس الوطني، والرئيس بدوره يختار اعضاء اللجنة التنفيذية كمساعدين له (اي على الطريقة الامريكية)، واقر عرفات النظام المعمول به حتى الان وهو انتخاب اعضاء اللجنة التنفيذية من قبل المجلس الوطني، وهؤلاء الاعضاء يجتمعون ويوزعون الحقائب بينهم بما في ذلك حقيبة الرئاسة (ص 94).

وفي سادس الفصول يصحب القارئ الى دول الطوق وخاصة الاردن مرورا بمجازر ايلول عام 1970 وصولا الى مجازر الاحراش في شمال الاردن عام 1971 التي نقلت الحركة الوطنية الفلسطينية عموما وحركة فتح خصوصا الى مرحلة جديدة، فيقول الكاتب (ص118) انه’بعد مجازر الشمال، أعلنت الحكومة الأردنية بطلان اتفاقيات القاهرة وعمان. أما أبو عمار، وأبو جهاد، وأبو إياد وغيرهم من القادة، فقد تمكنوا من الوصول إلى سوريا أو لبنان. وبعد هذه المجازر، كلمة واحدة صارت تتردد على ألسن كل الفلسطينيين الذين أثخنتهم الجراح وهي : الثأر’.

وفي الفصل السابع تصبح لبنان هي الساحة الرئيسة، ويحقق ياسر عرفات انجازات دبلوماسية وسياسية غاية في الاهمية، وقممها الثلاث كانت الاعتراف بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني في مؤتمر القمة في اكتوبر1974، وخطاب ياسر عرفات في الامم المتحدة كرئيس خارقا بذلك العرف في المنظمة الدولية في تشرين ثاني1974، وقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة ومنظمة اليونسكو باعتبار الحركة الصهيونية حركة عنصرية في تشرين ثاني 1975 (ص137).

وكان الفصل الثامن اطارا للمتناقضات في اوضاع منظمة التحرير الفلسطينية وحياة ياسر عرفات: الحرب الاهلية اللبنانية وتورط الفلسطينيين بها والصراع مع سوريا، وخروج مصر بقيادة السادات من جبهة المواجهة والتحاقها بالمعسكر الامريكي الاسرائيلي في كامب ديفد. ولكن قبل شهر من توقيع تلك الاتفاقية اي في شباط 1979 خرجت ايران من المعسكر الامريكي الاسرائيلي ودخلت جبهة المواجهة بقيادة الخميني، و. كان عرفات هو أول زعيم توجه إلى طهران، في منتصف شباط، وعاد منها وهو يهنئ نفسه بهذا الحليف ذي الشأن العظيم. ‘لقد خسرنا مصر مؤقتا، ولكننا **بنا إيران، التي كانت حليفا مخلصا لإسرائيل وتابعا للولايات المتحدة’هذا ما أعلنه، فيما علق الإيرانيون بتهكم : ‘بينما يهبط الشاه في مصر لاجئا، يُستقبل عرفات استقبال المنتصرين في طهران.'(ص158). وبعد اربع سنوات من إضاءة النافذة الايرانية اشتعلت الحرب بين حليفي ياسر عرفات : العراق وايران، واصطفّ احد اركان جبهة الصمود(سوريا) الى جانب ايران ضد العراق.

وتتواصل التناقضات في الفصل التاسع: فرغم ان العرب ومنظمة التحرير خَطَوا خطوتهم الاولى نحو التسوية حيث لم يرفضوا مشروع فهد في قمة فاس (25/11/1981) الا ان عرفات قال وهو يغادر المغرب: : ‘ سوف ندفع من دمنا ثمنا لهذا اللاقرار،و سوف تكون فاس هي الفـأس التي ستهوي على رؤوسنا'(ص169). وفعلا في يوم الجمعة الموافق 5 حزيران 1982 بدأت حرب لبنان التي اطلق عليها بيغن ‘سلامة الجليل’. وابدى عرفات شجاعة نادرة ‘ . ففي مقر قيادته رقم 35، في برج أبي حيدر، أعلن أمام قادة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية المحيطين به : ‘ لن نستسلم!! لقد دعوت الله أن يستجيب لطلبي، أن أموت شهيدا، لقد هبّت رياح الجنة'(ص175)، وذلك ما سيقوله يوم الثلاثاء 7/4/1992 عندما سقطت طائرته في الصحراء الليبية(ص260)، وسيقوله ايضا في حصاره الاخير في المقاطعة في رام الله. ولكن عرفات وقع على مقترحات فيليب حبيب ‘كي ينقذ حياة الآلاف من المدنيين والمقاتلين الذين سيكون بوسعهم معاودة النضال، وستكون الحرب قد أفادتنا على الأقل في إرغام العالم على النظر إلى الفلسطينيين’ (ص182).

 

ويخصص الكاتبُ الفصلَ العاشر لحقبة تونس و’لعماتها’ (ص193)، اما الفصل الحادي عشر فيناقش ازمة شرعية القايادة الفلسطينية ومعضلة المجلس الوطني وتغير موقف الدول الاشتراكية التي تعاطفت مع سوريا وحركة الانشقاق وحرب المخيمات. ويأتي الكاتب في آخر الفصل على الانتفاضة التي انطلقت في كانون اول 1987، وكادت الامور تفلت من يد القيادة في تونس لولا ‘أن المناضلين الذين كانت تطردهم إسرائيل من الأراضي المحتلة قد ساهموا مساهمة نفيسة في تعزيز قدرة عرفات على السيطرة على الوضع. فمعرفتهم بالواقع الميداني وبنقاط ضعف الجيش الإسرائيلي، قد أتاحت لأبي جهاد، الصديق الذي يعتمد عليه عرفات والمسؤول العسكري عن الإنتفاضة، إمكانية تنسيق الأحداث من تونس على نحو أفضل’ (ص221). ورغم استشهاد خليل الوزير الا ان الملك حسين فك الارتباط من طرف واحد مع الضفة الغربية وغزة.

وسمّى المؤلفُ الفصلَ الثاني عشر بزمن التنازلات، حيث لعبت الانتفاضة الدور الذي لعبته حرب رمضان في مصر، إذ تمكن ياسر عرفات في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني (12/11/1988) ‘من الحصول على إقرار بتغيير استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية'(ص229). ورغم ان المؤتمر العام الخامس لحركة فتح الذي عقد في تونس(آب 1989) دعا الى مواصلة الكفاح المسلح الا انه صادق على قرارات المجلس الوطني وتنازلاته (ص240).

 

وفي الفصل الثالث عشر يذكر المؤلف أنه مع ان ياسر عرفات لم يكن مع احتلال الكويت الا انه ‘لم يقلب ظهر المجن لصدام حسين'(ص254). وكان عام 1991 هو عام الحزن، ففي يوم14/1 استشهد كل من ابي اياد وابي الهول، وفي اليوم التالي شنت امريكا حربها على العراق مدعومة بدول حفر الباطن العربية ومنها سوريا ومصر والمغرب، فقال ابوعمار ‘لقد غدوت يتيما حقيقيا'(ص252). وما بين التباهي بالانتفاضة والحسرة على الهزيمة العربية كان مؤتمر مدريد(20/10/1991) (ص258).

ويخصص الكاتبُ الفصلَ الرابع عشر للاوهام المفرحة ‘ففي يوم 13 أيلول 1993، وعلى المرجة الخضراء لحديقة البيت الأبيض، وقعت م ت ف وإسرائيل إعلان المبادئ وملحقاته (اتفاقيات أوسلو) حول الحكم الذاتي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد جاء ذلك بعد الإعتراف المتبادل بين الطرفين في التاسع من الشهر نفسه'(ص273).

 

والفصل الخامس عشر يعود الى الوطن ويبدأ بالأمل حيث يعود ابو عمار الى قطاع غزة واريحا اولا يوم 1/7/1994 وسط هتاف الجميع ونشيج الفرح من قبل اكثر من مئة الف من المواطنين الفلسطينيين (ص295). وكان ياسر عرفات اول مسؤول فلسطيني يحضر قداس منتصف الليل في بيت لحم بمناسبة عيد الميلاد، وكان ياسر عرفات اول رئيس فلسطيني، بل اول رئيس عربي يُنتخب انتخابا حرا وحصوله على88,1% فقط (ص317).وثمنا لهذا الامل ، صوت المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة في دورته الطارئة الواحدة والعشرين، في 24 نيسان 1996، وبالأغلبية الساحقة – 504 مؤيد، 54 معارض، 14 ممتنع – لصالح إلغاء البنود موضوع الدورة. وهكذا، في لمحة بصر تاريخية، جرى التصويت، وبدون ترتيب مسبق، في اليوم المصادف لذكرى إنشاء دولة إسرائيل (بحسب الرزنامة اليهودية المعمول بها للأعياد في إسرائيل). لم يعلق ياسر عرفات على المعارضة التي وصفت هذا القرار بأنه : ‘ إهانة للتاريخ الفلسطيني’، إلا بـ ‘ أنهم يعيشون في الماضي. ‘(ص320). وينتهي هذا الفصل بفوز ينيامين نتنياهو يوم 29/5/1996 العدو اللدود لاتفاقيات اوسلو، والمؤيد المتحمس للاستيطان (ص323).

وفي الفصل السادس عشر تبدأ الانفجارات الفعلية والمعنوية، السياسية والعسكرية، ‘وتغيرت لهجة الحكومة الاسرائيلية على نحو واضح'(ص328). وفتح النفق الرئيسي تحت المسجد الاقصى ليلة 23/24 ايلول 1996, وكانت اتفاقية الخليل التي قسمت المدينة الى قسمين. ويختم الفصل هذا بالاشارة الى انه ‘قُدم القليل للفلسطينيين مقابل اقامة مستوطنات كثيرة’ (ص343).

وطبيعي ان يبدأ الفصل السابع عشر بمسلسل الاملاءات الاسرائيلية لدرجة ان باراك الرئيس الاسرائيلي ‘ابلغ الصحفيين انه لن يقابل عرفات ‘ما لم يوافق على الافكار التي اقترحها الرئيس الامريكي'(ص354). ويختتم هذا الفصل بانتفاضة الاقصى التي انطلقت إثر زيارة شارون (رئيس المعارضة آنذاك) لساحة الحرم، تلك الزيارة التي سماها عرفات ‘ام كل الاستفزازات'(ص359). ويؤكد الكاتب ان عرفات ‘لم يبدأ الانتفاضة، ولكنه قادها'(ص362).

ويأتي الفصل الثامن عشر على ‘عسكرة’ الانتفاضة، ويأتي شارون لرئاسة اسرائيل العدو الالد لعرفات والذي رفض بشكل متواصل السلام على عرفات حتى عندما كان وزيرا في حكومة نتنياهو. وانحازت امريكا كليا وعلنا الى شارون، وازداد هذا الانحياز حدة بعد احداث 11 ايلول،ورغم انعدام العلاقة ما بين بن لادن وعرفات، ورغم تبرع عرفات بالدم لصالح جرحى تلك العملية الا ان امريكا اعتبرت الانتفاضة ‘إرهابا مخططا له’، واعتبرت اسرائيل حاملة طائرات صديقة ضد ارهاب معاد (ص381). واطلقت امريكا يد اسرائيل بالاغتيالات الفردية. والرد عليها زاد الامر سوءا، وكانت محنة المقاطعة وحصار عرفات ومن معه بها بشكل كامل،وكانت اول قمة عربية لم يحضرها عرفات. ورُفع الحصار بطلب امريكي ولكن مؤقتا – ففي ايلول2002،وللمرة الثالثة في تلك السنة، احتل الجيش الاسرائيلي المقاطعة(ص402) . واعلن شارون انه لم يندم على شيء الا انه لم يتمكن من تصفية ياسر عرفات لافي بيروت ولا في غيرها، حتى هنا وهو على مرمى حجر(ص385).

ورغم كل ذلك، فقد أمكن للزعيم الفلسطيني السيطرة على الأوضاع طوال الوقت بفضل هاتفه المحمول وبضعة مساعدين أوفياء.

سوف يشاهد الأطفال الفلسطينيون في يوم من الأيام، ولا شك، صور المقاطعة في كتاب يحكي تاريخ بلادهم : أكياس رمل مرصوصة على نوافذ مكتب عرفات وفي الدهاليز، هياكل سيارات وسط أكوام الركام، المطبخ البائس الذي كان يعد فيه الطعام للرئيس… تلك الظروف التي بلغت من القسوة حدا لم يكن بمقدور عرفات معه التقيد بتعليمات طبيبه، الذي وصف له الخروج تحت الشمس مرة على الأقل في اليوم.

لم تكن تلك الظروف بلا عواقب على صحة الزعيم الفلسطيني. ففي تشرين أول أصيب بالتهاب في المعدة. شفى منه بسرعة، ولكن التكهنات بقرب نهايته تواترت. في تشرين ثاني 2002، تكهن رئيس الموساد المستقيل إفرايم هاليفي باختفائه عن المسرح خلال عام 2003، ‘ بطريقة أو بأخرى’ (ص408).

ويختم المؤلفُ قولَه بالقول ان الاسرائيليين ‘واهمون إذ يعتقدون أن اهدافهم سوف تتحقق بعد عرفات- على حد قول رئيس الوزراء ابي علاء- الذي اضاف: سوف يأتي يوم يندمون فيه على عرفات’ (ص433).

المؤلف: أمنون كابليوك

المترجم عن الفرنسية: عصام البطران

الناشر: الهيئة العامة الفلسطينية للكتاب في وزارة الثقافة

شاهد أيضاً

اوك

العالم يخسر التراث الثقافي لأوكرانيا بسبب العدوان الروسي

مكسيم دورهان / تواصل روسيا سياستها المتعمدة في تدمير ليس فقط المنشآت العسكرية، بل وأيضًا …

اترك تعليقاً