عذابات السفر علي معبر رفح
بقلم: د.كامل خالد الشامي
أستاذ جامعي وكاتب
جامعة غزة
غزة أرض الحصار ومعبر رفح المكان الذي تنهار فيه الأحلام وتشطب فيه الاقامات وتنتهي التأشيرات, مكان يجتمع فيه المسافرون للطم وشد الشعر والانهيار, في معبر رفح تنسد الأفق وتنتهي الرحلات وتبدأ حياة العذابات. هنا أنت في يوم قيامة لا يهمك من حولك, كل ما يهمك أن تخرج من جحيم غزة ولا بأس لو أن من حولك لا يسافرون أو يغمي عليهم أو حتى يفارقون الحياة, المهم أن تخرج من هنا حتى ولو انك تحصل علي نصيبك من الاهانات والتدافع.في معبر رفح أنت حي ميت, يطلق عليك لقب مسافر ولكنك لا تسافر.
اليوم كنت في معبر رفح في ضيافة جهنم سكانها من المعذبون في الأرض وحراسها من أهل الأرض الذين لا يسافرون
في صباح هذا اليوم ذهبت مبكرا إلي معبر رفح, وعندما وصلت لم أجد موطئ قدم, اعتقدت للوهلة الأولي أن غزة بأكملها ستسافر,ملامح الخوف والترقب بدأت واضحة في وجوه المرشحين للسفر, ولا أحد يعرف أن كان حقا سيسافر أم لا.
بعد الساعة الثامنة والنصف صباحا بدأ العمل في الصالة للتسجيل وبدأ معه التدافع
وفجأة بدأ الطلاب يهتفون(طلبة ,طلبة) للفت الانتباه إلي مشكلتهم, فالجامعات المصرية وغيرها سوف تبدأ الدراسة بعد أيام قليلة, ولا خيط أبيض أو أسود يلوح في الأفق لسفرهم. ولكن كان هناك مئات الأسر والأفراد الذين توشك أقاماتهم علي الانتهاء أو بدأت مدارسهم حقا في العمل ولا أحد سو ينتظر عودة الغزيين.
بدأ الحافلات تتحرك من الصالة الخارجية إلي داخل المعبر وبدأ توافد الناس إلي المعبر يزداد ولكن في النهاية بدون نتيجة.
التف المسافرون حول مدير الصالة ولم يكن في جعبته شيء وفجأة وصلت سيارات الإسعاف إلي المكان لنقل بعض المغمي عليهم, وعاد الطلبة إلي التظاهر مرة أخري
في الهواء الطلق خارج الصالة التي يصعب العمل فيها للغاية من شدة الاكتظاظ.
تم تسجيل أسماء الطلاب في كشوفات وتعهدت إدارة المعبر بتسفير 100 طالب كل يوم من اجمالي 2000 طالب يدرسون في مصر وفي بقية دول العالم.
عند حوالي الساعة الثانية بعد الظهر بدأ المتواجدون في موقع المعبر ويزيد عددهم عن خمسة آلاف يجرون حقائبهم وخيبتهم عائدين نحو بيوتهم, ومنهم من لم تفارقه دموعه طيلة الوقت.انسحبوا إلي المجهول.
بدأت الرسائل القصيرة ومكالمات الجوال تصل من الجانب المصري بأن عدد من غادروا لا يزيد عن 330 مسافرا, أما من لم يسافر فلا أحد يعرف ماذا سيكون مصيره.
اليوم كنت في معبر رفح , كنت في زيارة لجهنم.
واليوم أسأل من يهمة الأمر إذا كنتم لا تشفعوا لنا في مثل هذا اليوم العصيب قمتي ستقفون إلي جانب المعذبون في الأرض.