ماجد عزام / تحمل عملية عاصفة الحزم التي اضطرت القيادة السعودية للقيام بها، بتحالف مع تسع دول عربية وإسلامية، ودعم قوي وواضح من تركيا في طياتها دلالات كبيرة ستترك تداعيات هائلة، ليس فقط في السياق اليمني الداخلي، وإنما في السياقين العربي والاقليمي، وستعيد ترتيب التحالفات والأولويات على الصعيد القومي، كما على الصعيد المحلي أو القطري في اليمن، كما في الدول المشاركة أو الداعمة للتحالف بدون تلعثم أو تردد.
بداية اضطرت السعودية للقيام بالعملية وتبنّي سياسة حازمة تجاه التطورات في اليمن والمنطقة لإصلاح الكارثة، بل الكوارث التي أنزلها نهج التويجري – بندر بالمصالح السعودية والعربية بشكل عام، والثنائي المعزول هو من دعم وسهّل بحماس اماراتى كبير تحالف الحوثيين مع على الرئيس السابق عبدالله صالح لهزيمة الثورة، وشيطنتها وإزالة ما تركته من تداعيات وآثار، كما توجيه ضربة قاصمة إلى حزب الإصلاح والإخوان المسلمين وإخراجهم من المشهد السياسي في اليمن. كما جرى في مصر، وكما جرى ويجري في ليبيا وسورية، وبدرجة أقل فلسطين.
هذه السياسة البائسة أدت إلى انهيار الدولة وهيبتها في اليمن، وإلى تشجيع الرئيس السابق وحلفائه الحوثيين للاستيلاء الكامل على السلطة، وتجاوز ليس فقط الرئيس الشرعي المنتخب، وإنما حتى المبادرة التي رعتها الدول الخليجية نفسها وأثمرت وثائق نوعية ومهمة مثل مقررات الحوار الوطني والسلم والشراكة.
بعد التغيير القيادي في السعودية، وعزل ثنائي تويجري – بندر لم يستوعب علي صالح وتابعيه من الحوثيين المتغيرات، ومع لجوء الرئيس الشرعي إلى عدن، باتت التربة مهيأة مرة جديدة لحوار وطني شامل وجدي برعاية الرياض الجديدة للعودة إلى سكة التفاهم والتوافق وهيبة الدولة وسطوتها، غير أن الرئيس السابق الذي يهيمن وفلوله على معظم القوى الأمنية والعسكرية سارع للاندفاع مع قناعه – الحوثي – نحو عدن مستعيداً خطاب حرب عام 1994 ومتصرفاً وكأنه الرئيس الشرعي، وليس الفاسد المفسد المخلوع الذي نهب ودمّر البلد، وحوّله إلى دولة شبه فاشلة، حتى ما قبل الثورة التي مثّلت فرصة ذهبية وتاريخية لإصلاح ما أفسده الفلول والدهر.
إضافة إلى ما سبق يمكن الحديث عن خطاب التبجح والغطرسة الإيراني عن الامبراطورية الفارسية والهيمنة على أربع دول أو عواصم عربية وجنوحبعض الإعلاميين العرب لدرجة اعتبار تقدم الرئيس السابق وفلوله ردّاً استراتيجىاً، ليس فقط على عملية القنيطرة، وإنما حتى على الهزيمة أو هزائم النظام الطائفي ومرتزقته في درعا إدلب وتكريت.
إلى ذلك كان اجتياح عدن ومع استخدام صالح اللئيم والبارد للحوثيين ليشكل خطراً استراتيجياً على باب المندب ويسمح لإيران بموطىء قدم في باب المندب، واستخدام ذلك ليس فقط لابتزاز دول الخليج، وإنما للمساومة مع أمريكا على مزيد من الهيمنة والتوسع في الدول العربية والعراق وسورية تحديداً.
يجب الانتباه كذلك إلى مقاربة القيادة السعودية الجديدة للتطورات في المنطقة، والتخلي عن نهج بندر التويجري باعتبار الإخوان المسلمين الخطر المركزي والاستراتيجي على امنها واستقرارها، وخوض الحروب الكبرى والإقصائية ضدهم، والتحالف مع الفلول أينما كان والانفتاح والتنسيق حتى مع الحوثيين أنفسهم على قاعدة التخلص من الإخوان والإسلاميين بشكل عام.
المعطيات السابقة شكلت مجتمعة الخلفية لقيام السعودية بالمبادرة والتحرك للجم صالح والحوثيين مع العلم أن الرياض حتى اللحظة الأخيرة حاولت تحاشي التحرّك العسكري وطلبت من ولى العهد اليمنى السابق أحمد ابن على صالح الذي يقود غزوة عدن، بالتوقف وإلا مواجهة التبعات وأمام عجرفة وعنجهية على صالح وفلوله وجنون وغطرسة الحوثيين وحلفائهم اضطرت الرياض للتحرك، وبعدما فهمت أن لا مفر من الكي.
لم يكن من الغريب طبعاً أن يستند التحالف على قوى مجلس التعاون الخمس بعدما بات الخطر يهدد الجميع، ومع استنكاف تقليدي وتاريخي من قابوس عمان ومشاركة متوقعة من الأردن ,ومفرحة ومبشرة من السودان ، ودعم أيضاً تاريخي وغير مفاجىء من باكستان، كان اللافت مشاركة مصر السيسي والدعم الكبير والعلني من تركيا للتحالف والعملية والاستعداد لتقديم أي دعم مطلوب أو ضروري للنجاح.
مصر السيسي لم تستوعب وتذوت المتغيرات ولم تفهم أن زمن الإخوان كخطر رئيسي واستراتيجي قد ولّى، وهي لم تتورع عن استقبال ومدّ الخيوط السرية والعلنية مع الحوثيين وداعميهم بكبارهم وصغارهم غير أنها وضعت على المحك ولم يكن بإمكانها التلكؤ أو التمنّع، علماً أن مشاركتها جاءت من المقعد الخلفي وهي مطالبة بالتخلي عن العناد والمكابرة، وتبنّي سياسة مغايرة داخلياً وخارجياً في غزة فلسطين وليبيا، والاقتناع أن الخطر الأساس يأتي من التغوّل بل التوحش الإيراني، خاصّة مع الانكفاء الأمريكي البارد واللامبالي بمصر المنطقة وشعوبها.
أما تركيا وبعد استئناف العلاقات مع السعودية ووضع نواة لتحالف استتراتيجي يرتكز على نقاط التوافق، وهي كثيرة ويؤخر نقاط التباعد، وهي قليلة وبعد توقيع اتفاقية للتعاون والتبادل العسكري مع قطر تتضمن حتى نشر قوات عسكرية، وبعد تحذيرها العلني من السياسات الطائفية لطهران وانتقادها العلنى للسياسة الأمريكية وتغليب واشنطن للتفاهم مع طهران على حساب المصالح العربية والتركية، بما ذلك غض النظر عن جرائم نظام الأسد وحكومة نوري المالكي التي أوصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه في العراق وسورية وادت فى السياق صعود داعش طبعاً وانتشارها في البلدين ومع التلاقي التركي السعودي الخليجي في اليمن ودعم المبادرة الخليجية وكل ما انبثق عنها ورفض الانقلاب الحوثي بخلفياته وتجلياته، فلم يكن غريباً أن تدعم أنقرة عاصفة الحزم وتعلن استعدادها لتقديم كل ما يطلب منها في سياق الدعم اللوجستي دون أن يصل الأمر طبعاً إلى المشاركة الفعلية في القتال، وللعلم فإن هذا هو نفسه موقفها من التطورات الأخيرة في العراق.
فيما يتعلق بتداعيات أو آثار العملية في السياق اليمني فتتمثّل بإزالة آثار انقلاب الحوثيين والفلول من المشهد السياسي والعسكري مع بقاء حزب المؤتمر حاضر طبعاً، ووضع الحوثيين في حجمهم الطبيعي وإعادتهم إلى صعدة بنفس الطريقة، ولكن بالاتجاه المعاكس أي الضغط على القبائل التى سهلت دخولهم الى صنعاء من عمران لإجبارهم على العودة من حيث أتوا.
يمنياً أيضاً سنشهد شكل من أشكال إعادة الاعتبار للاصلاح والإخوان بشكل عام كحزب أو تيار مركزي لا يمكن إقصاؤه أو تجاهله مع العودة إلى روح المبادرة الخليجية ومقررات الحوار أي إلى السكة السياسية الدستورية بعيداً عن القهر أو غلبة السلاح وذهنية الانقلابات، وهي سكة أو سيرورة ستستغرق وقتاً طويلاً وقد لا تؤدي إلى تعافي اليمن بشكل فوري، ولكنها حتماً ستمنع انهياره أو إغلاق دائرة تحوله إلى دولة فاشلة.
إقليمياً أو عربياً ستتولى السعودية قيادة التحالف بل والعرب بشكل عام وفق أسس أو قواعد وخطوط عامة واضحة تتمثل في مواجهة الامبراطورية الفارسية وتوسعها، كما دولة داعش وجرائمها وعدم ممانعة واشنطن تسليم المنطقة المدمّرة لإيران مقابل التخلي عن مشروعها النووي، وبالتالي دخول الساذج والحالم أوباما التاريخ من أوسع أبوابه – أو هكذا يظن – والقطع طبعا مع فكرة الإخوان كخطر رئيس إقليمي، وحتى دولي بل التعاطي معهم كحزب أو تيار أصيل لا يمكن إقصاؤه أو تحجيمه كما لا يمكن تحكمه أو هيمنته على السلطة بشكل عام في دولة أو أكثر.
التحالف العربي الجديد سيجد كل دعم ومساندة من تركيا وباكستان وسيجبر نظام السيسي مع الوقت على تغيير سياساته الخاطئة ما سيترك بالتأكيد أثراً مباشراً على الوضع في ساحات متعددة من فلسطين، حيث تسريع أو تشجيع المصالحة وتخفيف الحصار ضد غزة إلى ليبيا حيث تشجيع التسوية والإقلاع عن فكرة الحلّ العسكري غير أن العمل الأهمّ أو التأثير المباشر والفوري للتحالف المستجد سيكون بالتأكيد في العراق وسورية.
في العراق سيدعم التحالف العربي عملية تحرير الموصل من داعش، وربما من تكريت أيضاً بجهد أساسي من العشائر العربية وقوات البشمركة ووجود رمزي لجيش المنطقة االخضراء مع إخراج شبيحة الحشد الشعبي من المشهد أو المعركة، وسيكون تفاهم تام مع أنقرة التي بدأت فعلاً تدريب القوات العراقية وتجهيزهم بالعتاد اللازم، ولن يقتصر الأمر على الموصل أو الحرب ضد داعش، وإنما سيطال المساعدة في العملية السياسية وتشجيع مختلف الفرقاء على التوصل إلى تفاهمات بعيداً عن ذهنية الإقصاء الطائفي التي اتبعها نوري المالكي، وما زال بعض منها سائد حتى الآن.
في سورية سيكون تفاهم سعودي خليجي تركي واضح على دعم المعارضة المعتدلة بما في ذلك الإسلاميين طبعاً وتدريب عناصرهم لمنع الأسد من الاستفادة من الحرب الكونية ضد داعش وستبذل الرياض جهوداً إضافية لإقناع واشنطن وعواصم غربية أخرى بفكرة المنطقة الآمنة والحظر الجوي شمال سورية على الحدود مع تركيا، والتي يعني قيامها تسريع وتيرة سقوط نظام الأسد التي بدأت فعلياً يوم 15 آذار 2011 عندما ثار الشعب السوري محطماً جدار الخوف وكاسراً حاجز الصمت الذي عاش في ظلهما بل في رعبهما لسنوات بل لعقود.
في الأخير وباختصار نحن أمام محاولة لملء الفراغ الذي تركه برود ولؤم أوباما، وعدم ممانعته لسيطرة وهيمنة طهران على المنطقة شرط الالتزام بشروط واشنطن او خطوطها العريضة – حماية إسرائيل وحرية الملاحة – وستدافع دول المنطقة عن وجودها ومصالحها ووجود تركيا عامل مهم جداً لإقناع إيران أن ليس من عداء ضدها كدولة، وانما حسن جوار علاقات تاريخية ومصالح مشتركة ليس منها بالقطع فكرة تاسيس الامبراطورية الفارسية أو الهيمنة على أربع دول أو عواصم عربية في تناقض مع التاريخ والجغرافيا والوقائع المستجدة على الأرض في اليمن العراق وحتى سورية ولبنان أيضاً.
كاتب فلسطيني