أوكرانيا اليوم / كييف / تتميز مدينة صيدا بالمواقع الأثرية والتاريخية العريقة للحضارات القديمة التي مرت على المدينة الجنوبية ،فالمدينة التي تعاني من التهميش وعدم الاهتمام من قبل الدولة ، تبقى اسيرت المبادرات الفردية التي تعتبر الأمل الوحيد للمحافظة على ما تبقى من معالمها التاريخية والحضارية ..
يكتب المؤرخ الفرنسي جاك نانتي: «إنّ أول مدينة أسسها الفينيقيون هي مدينة صيدا نحو سنة 2800 ق.م ثم بُنيت مدينة جبيل فأرواد فطرابلس، أما صاحب مطبعة العرفان ومؤلف كتاب تأريخ صيدا يقول:” إنّ صيدا من أقدم مدن العالم واسمها مأخوذ من بكر كنعان حفيد نوح وكان ذلك سنة 2218 ق.م أو قبل ذلك، وكانت في أيام يشوع بن نون ام المدن الفينيقية “.
ولذلك فإن صيدا و بحكم تاريخها فقد مرت عليها حضارات متعددة أثرت في بنيانها و تنظيمها المدني، و كذلك كثرة في المساجد و الكنائس، و الثقافات التي أغنت المدينة بالكثير من أثارات الشعوب التي مرت عليها، كالفينيقية ،الفرعونية، الكلدانية، الأشورية، عهد بيزنطي و فتح إسلامي و كذلك حكم عثماني، و حربان عالميتان، و حرب أهلية كل هذا أعطى للمدينة غنى و تنوع، قيمة تاريخية و أهمية إقتصادية_سياحية.
و لكن أين صيدا الأن على الخارطة العالمية للتراث؟ و ما دور الحكومات و البلديات المتعاقبة في إكتشافات جديدة، و المحافظة على تراث المدينة؟ ألا تستحق مدينة مثل صيدا متحفا جامعا؟ و ما أهمية دور سكان المدينة في المحافظة على أثارها و مقدراتها ؟ و ما صحة أن صيدا تتعرض لتغييب ذاكراتها ؟ و هل حراك المبادرات الفردية يكفي لتطور المدينة على الصعيد السياحي؟
لبنان والمدينة تذخران بالعديد من المواقع المهمة كالقلعة البحرية و البرية، خان الإفرنج، المقامات، المقابر الإثرية و العديد من الكنائس و الجوامع.
لذلك تنشط بعثات التنقيب و الحفريات التي بدأت تنشط في لبنان منذ العام 1998، فترى في المواقع الأثرية شمالا البعثات الفرنسية، بينما في البقاع الألمان، و لكن الوضع يختلف في صور، إذ أن اليابان و الإسبان هم من يتلون مهمة التنقيب عن الأثار، أما في صيدا فإن المتحف البريطاني بالإتفاق مع مديرية الأثار يدير هذه الأعمال بعقد يتجدد كل سنة، و خاصة موقع الفرير و الصندقلي.
إيناس صالح خريجة الجامعة اللبنانية، و المسوؤلة عن التنقيب في موقع الفرير قسم 4000 ق.م. ، تقول بان ” ضعف التمويل في الميزانية العامة للتنقيب عن الأثار و كذلك عدم وجود خبرات كافية، يعود على المدينة بتأخير إكتشافات مهمة متوقعة، إذ أنه لا يوجد طريقة عمل منظمة و خطة واضحة ، و تستطرد قائلة الحفرية التي وصلنا إليها في موقع الفرير تعود إلى الفترة الكلكوتية و الوحيدة من نوعها التي تحمل تسلسل طبقات يجمع بين الإسلامي و المملوكي و الصليبي”، و تؤكد أنه في الإمكان أن يكون لصيدا متحفا أهم من متحف بيروت، مع التأكيد أن البلدية عند حسن الظن بها فهي تؤمن لنا الدعم الكامل، ثم تختم قائلة أن متحف جنيف يعرض خمس قطع أثرية من صيدا بملايين الدولارات.
بلدية صيدا من جهتها كانت قد وضعت في مشروعها الإنتخابي سبع و أربعون مشروعا لإنماء المدينة، من بينها إحد ى عشر مشروعا تصب في خانة المحافظة على الأثار: تشمل ترميم و تأهيل العديد من المواقع المهمة كالقلعة البرية ، خان الرز، خان القشلة، و كذلك الحيز العام للمدينة الفديمة من مسارات تجارية و سياحية، ضف إلى ذلك الكنائس، و لكن اهم المشاريع فهو إنشاء متحف تاريخ صيدا.
-زياد حكواتي رئيس الدائرة الهندسية في بلدية صيدا، رأى أن البلديات المتعاقبة شعرت ضرورة ترميم مدينة صيدا لسبب بسيط بأنها ” كلها أثار”، و أكد أن المتحف سيكون في أيلول، لكن ضعف التمويل و عدم قدرة البلدية على صيانة جميع المواقع الأثرية إلا بالإتفاق مع الدولة فالقلعة البحرية و البرية و القشلة و غيرها تعود مسؤوليتها إلى الدولة، كما تصطدم مشاريع التنمية في المدينة بنظرية الإنماء المتوازن، مما يصب مهمة مرور المشاريع في مجلس الوزراء، و لذلك سعت البلدية إلى التوأمة مع مدن أخرى في محيط المتوسط، و الجدير بالذكر أن البنك الدولي لا يرمم إلا الملكية العامة، و لكننا نعجز أن نرد حين نٌسأل منه عن كيفية المحافظة على الترميم و التأهيل ؟ غياب الوعي عند القاطنين، و إختفاء سلطة الدولة ساهمت بشكل كبير بإلحاق الضرر الكبير بمشاريع تفعيل الحياة في صيدا القديمة، و آستطرد قائلا ” أتمنى أن أرى دركي يحرر محضر ضبط للمحافظة على النظافة.
المبادرات الفردية من الأهمية بمكان في دعم أي مجتمع، فإنها تكمل دور الدولة في بناء المجتمع و المحافظة عليه، و تعوض في بعض الأوقات غياب الحكومات في التنمية، فمصبنة عودة التي كانت بيت و معمل لآل عودة تحولت إلى أهم المواقع الأثرية بصيدا، فهو موقع تثقيفي عن صناعة الصابون و كافيتريا ضف إلى ذلك العديد من المنتوجات الصناعية، و لم يكن الهدف من وراءه أي هدف مادي .
كما تؤكد ميرنا علاء الدين المرشدة السياحية في المكان، بل هو تمويل خاص و ذاتي و ضف على ذلك ترميم مباني في صيدا القديمة، بدون دعم من الدولة ، علما أن الموقع يزوره العديد من السواح الأجانب و العرب.
-أما صلاح المهتار صاحب أحد محترفات الأرتيزانا في ساحة باب السراي، الذي ينشط في تجديد التراث من خلال الأعمال الحرفية، يرى أن الأعمال الحرفية و التراثية إلى زوال في ظل غياب دعم الدولة، و لا بنسى كيف أنه دعا الصحافة في يوم من الأيام و كسر متحفه أمام أعينهم، للدلالة على ما ينتظر الحرف، و كيف أن وزارة السياحة صورت أعماله كنوع من المساعدة حين نشر أعماله و لكنه يفاجأ بعد ستة أشهر أن صور أعماله قد وضعت على بروشورات وزارة الإعلام بدون إسم صانعها.
على صعيد آخر تعاني المدينة من تغييب لذاكرة طرقاتها و ابنيتها، زواريبها و عاداتها، و بالتالي تاريخها، هذا ما يؤكده الدكتور المؤرخ طالب محمود قره احمد، فحي الشارع سمي بشارع عودة لوجود مصبنة عودة فيه، هذا الحي الذي يقع يمتد من القلعة البرية نزولا إلى الحمام الجديد، ثم أن موقع الفرير لا شيء يدل فيه على أن مدرسة الأميركان كانت موجودة أو مدرسة الفرير، و ضف على ذلك الكثير، كما يتساءل الأستاذ المساعد في الجامعة اللبنانية عن مدى معرفة أبناء صيدا لتراثهم و عاداتهم، و لذلك يرى أننا يجب أن نكتب التاريخ من جديد، بأصالة الماضي و بعدة لغات كالإنكليزية و الفرنسية حتى يقرأ تاريخ صيدا من يقرأه كما كان من دون تحريف، كما يدعو الطلاب الجامعيين للتوجه إلى التخصصات الأدبية فلتاريخ دور مهم في نهضة المستقبل.
صيدا مدينة تراثية عظيمة بقيمها و تاريخها، و المحافظة عليه يكون بخطة إسترتيجية تستثمر حرفة مواطنيها و إبداعهم، تستثمر في التاريخ و المواقع و الأحياء، و كل هذا يجب أن يدّعم بإرتقاء الحس الوطني و قيم المواطنة لدى الصيداويين كافة صغيرهم و كبيرهم، و على إختلاف مذاهبهم، مما يعود بالنفع على المدينة ككل.
تحقيق: علي أرقه دان.
طالب كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدولي.