صورة العولمة ..

د.فؤاد خشيش  / دكتوراه  في تاريخ العلاقات الدولية 

تشويه صورة العولمة:

ان ما ادى الى تشويه صورة العولمة والخوف منها هو ارتباطها السوق بالرأسمالية المتوحشة التي يهيمن عليها الفكر الآنغلو – سكسوني بحيث اضحى التطرف ثقافة على صعيد استخدام الوسائل التكنولوجية والاتصالات الحديثة والتقنيات الادارية. كل ذلك ساعدها على بسط وفرض ثقافتها واقتصادها على الشعوب الاخرى بعيداً عن الاخلاق والإنسانية كما ان اجندتها مليئة بالإعمال والممارسات الوحشية والإبادة تحت عناوين المطالبة بحقوق الانسان والحريات والديمقراطية وتعمل على دعم انظمة ديكتاتورية في مناطق متعددة من العالم.

والعولمة على حد تعبير روبرتسون هي مجرد مجال سياسي واقتصادي واجتماعي جديد يجمع بين المحلي والعالمي والفردي والإنساني*1

العولمة السياسية:

على الصعيد السياسي، تسعى العولمة الى تأسيس نظام عالمي متجانس ومنضبط من حيث طبيعة التفاعلات السياسية، مع تقديم مفهوم الديمقراطية( Democracy) التي تعني الدعوة العامة للجميع الى المشاركة في اللعبة الاجتماعية والسياسية.

تعد السياسة من ابرز اختصاصات الدولة القومية التي تحرص على عدم التفريط بها  ضمن نطاقها الجغرافي ومجالها الوطنية. وهذا الحرص ضمن المجال المحلي، وبعيد التدخلات الخارجية ترتبط اشد الارتباط بمفهوم السيادة  وممارسة الدولة لصلاحياتها وسلطاتها على شعبها وأرضها  وثرواتها الطبيعية . ولأن كانت الدولة  القومية هي نقيض العولمة . كما ان السياسة ونتيجة لطبيعتها ، ستكون من اكثر الابعاد الحياتية مقاومة للعولمة التي تتضمن انكماش العالم وإلغاء الحدود الجغرافية وربط الاقتصادات والثقافات والمجتمعات والأفراد بروابط تتخطى الدول وتتجاوز سيطرتها التقليدية على مجالها الوطني والمحلي.*2

ان الدولة التي كانت دائما  الوحدة الارتكازية لكل النشاطات والقرارات والتشريعات  اصبحت الآن  وكما يوضح  ريتشارد فويك : مجرد وحدة ضمن شبكة من العلاقات والوحدات الكثيرة في عالم يزداد انكماشاً وترابطاً* فالقرارات التي تتخذ في  عاصمة من العواصم سرعان ما تنتشر انتشاراً سريعاً  في كل انحاء المعمورة .

لقد ارتبطت العولمة السياسية ببروز مجموعة من القوى المحلية الاقليمية والعالمية  خلال عقود التسعينيات، والتي اخذت تتنافس في المجال السياسي ومن ابرزها: التكتلات الاقليمية كالسوق الاوروبية المشتركة لتشكل وحدة اقتصادية نقدية تعمل من خلال المصرف المركزي الاوروبي الذي انشئ في العام 1999  مهمته الاشراف على منطقة اليورو. ان النموذج الاندماجي الاوروبي يقوم اساساً على تخلي اوروبا الطوعي ( او ربما استفتاء)  عن بعض مظاهر السيادة لصالح كيان اقليمي يتجه نحو الوحدة الاقتصادية، وربما لاحقا الوحدة السياسية من خلال بروز الولايات المتحدة الاوروبية التي تتمتع بسياسة خارجية ودفاعية واحدة لتصبح قوة منافسة للولايات المتحدة الاميركية خلال القرن القادم.*3

دأب اميركيون كثيرون تاريخياً، على رؤية انفسهم شعباً مختاراً تم ايجاده على الارض ليمنح البشر في كل مكان الامل وليقوم بإعمال الخير في كل انحاء الارض. لا يعني ذلك ان كل الاميركيين يفكرون بنفس المنطق وأنهم من الامم العدوانية.صحيح ان الاميركيين من الامم النشيطة والطموحة ومقتنعون بأنهم من اصحاب القيم الخاصة المتفوقة ، ومن هنا يجب ألا نكون من المستخفين  بذلك الدافع السياسي في الثقافة الاميركية. عند نهاية قرن كامل من الصعود الاميركي في السياسة العالمية بعد تعرض الفاشية للهزيمة في الحرب العالمية الثانية ، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ، ربما عادت الثقة بالنفس والإيمان بالمسؤولة الدولية عن  نشر القيم الغربية حول العالم، من الامور التي تتقاسمها حكومات الغرب وجماهير مواطني  الدول الغربية على نطاق واسع .* 4

العولمة الاقتصادية:

تسعى الدولة من خلال آليات عديدة أبرزها المؤسسات الاقتصادية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتفاقيات الدولية كإعلان أورغواي واتفاقيات الغات ومنتدى ديفوس إضافة الى إتفاقيات أو إجتماعات أخرى) الى فتح الأبواب أمام تدفق التكنولوجيا ورؤوس الأموال والسلع عبر العالم دون حواجز أو قيود .

على الصُّعد الاجتماعية ترى العولمة الى تأسيس بُنى اجتماعية جديدة على غرار تلك القائمة في المجتمعات المتقدمة المهيمنة على النظام العالمي. وهناك وجهة نظر ترى ان انتشار اقتصاد السوق والمنافسة والتجارة الحرة والديمقراطية الغربية اي كما تمارس اليوم هي اتجاهات تقدمية مهمة . وتعتبر الرأسمالية خيراً اخلاقياً يعزز الفعالية والنمو الاقتصادي ويؤدي الى مكاسب الرفاه العالمي .

هذا الرأي هو الذي يرتبط بصندوق النقد الدولي ومؤسساته الحقيقية، البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.عموماً اغلب الحكومات القومية لها نفس الفكر بخاصة الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وهذه الدول تعد من اقوى الاقتصاديات في العالم.

غالباً ما يفهم مؤيد العولمة انها هي استمرار لمنطق التحديث والتقدم وانها شيء لا مفر منه في التطور البشري ، غالباً ما تكمن وراء  هذا الراي فكرة ان التكنولوجيا هي القوة الدافعة للتقدم.*5

ان العولمة نظرية اقتصادية مركبة . مركبة كونها متعددة القياسات. مركبة كون اختلافات احجامها تعمل معاً في آن واحد وفي علاقات تبادلية . كما انها مركبة كون تكاملها لا يستبعد اي حجم  واحد يمكن ان يحتل او يشغل موقعاً سيادياً مؤثر، واخيراً هي مركبة كونها مرتبة الاحجام وليست مستقرة. وهي تحتضن احجام لتبادل المنافع والخدمات كما احجام الاستدلال على الاستثمارات المباشرة في الخارج وحجم تدفق رؤوس الاموال، ولا يمكن اعتبار العولمة قابلة للمبادلة ، فهي متكاملة.*6

المراجع:

1-*العولمة : النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية،رونالد روبرتسون/ مصدر سابق

·         عبد الخالق عبدالله، العولمة: جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها. مجلة عالم الفكر،  كانون الاول 1999 ،الكويت  ،العدد 27  ص42

2-*مصدر سابق ، عبد الخالق عبدالله ص82

·         3-عبد الخالق عبدالله ،المصدر نفسه ص83

4-*ميثاق العولمة ، وربرت جاكسون، ت. فاضل جتكر، دار ومكتبة العبيكان ، الرياض 2003 ،ص658

5-*اثر العولمة في المواطنة / مسعود موسى الريفي/ مجلة المستقبل العربي، بيروت ، صيف2008 العدد 19

6-*اثر  العولمة في المواطنة/ مسعود موسى الربض/ المستقبل العربي، بيروت صيف 2008 ، العدد 19 ص 111