صحيفة الحياة: حظر المواقع الروسية في أوكرانيا هل هو بداية لمرحلة “الطلاق النهائي” بين الشعبين
2 يونيو, 2017
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
رائد جبر/ حمل قرار السلطات الأوكرانية أخيراً، فرض قيود على استخدام منصات التواصل الاجتماعي الروسية في أوكرانيا، مؤشرات جديدة الى وصول العلاقات بين البلدين الجارين الى مرحلة «الطلاق النهائي». إذ لم يعد الصراع الذي أطلقته أزمة ضم القرم، والحرب الانفصالية المشتعلة في شرق البلاد بدعم روسي، يقتصر على عقوبات متبادلة او تبني إجراءات تعزز قدرات كل طرف في معركته الدائرة مع الطرف الآخر. بل تجاوز ذلك الى بروز مساع لتدمير كل جسور التواصل بين شعبين عاشا معاً لقرون عدة، وخاضا تحديات مشتركة في أكثر من مرحلة عاصفة.
يرى خبراء اجتماع من الفريقين أن تطورات الأزمة الروسية – الأوكرانية بدأت تلقي ظلالاً قاتمة على مجالات التعايش المستقبلي المحتوم، ومهما كان شكل التسوية النهائية للأزمة الحالية بين البلدين، فإن «خريطة أوكرانيا لن تعود أبداً كما كانت سابقاً، كما أن خريطة العلاقات السياسية والمجتمعية والثقافية تعرضت لزلزال مدمر». قد تكون التجربة الأوكرانية في هذا المجال أكثر حدة ووضوحاً من المثل الجورجي. على رغم أن النتائج تبدو متشابهة جزئياً. وفي عام 2008 وبعد التدخل العسكري الروسي في جورجيا واقتطاع جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين، بدا أن صفحة تاريخية جديدة فتحت في العلاقات، غابت عنها مقومات الروابط التي تراكمت على مدى قرون من «الماضي المشترك»، وحلّت مكانها علاقة حذرة تقوم على «ضرورات الجوار» وإن كانت أقرب الى العدائية من أن تكون علاقات حسن جوار
كيف تطور الموقف هكذا؟ وكيف برزت بهذه البساطة هشاشة الروابط التي جمعت الشعوب التي عاشت معاً لقرون؟ لدرجة وصلت الى مناقشة وقف تسيير القطارات بين البلدين وبدء الحديث عن فرض تأشيرات على مواطني البلدين.
سؤال يطرحه باحثون حالياً، بينما ضجيج المعارك ونتائجها على الأرض يبدوان أعلى من أصواتهم. لكن الأكيد أن العبارة الصارخة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذات يوم في شأن أن «انهيار الاتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة إنسانية في القرن العشرين»، لم تحمل رسائل سياسية الى الغرب، بقدر ما عكست واقعاً ما زالت شعوب المنطقة تحاول أن تتعايش معه بعد مرور ربع قرن على انهيار الدولة التي وحدتهم يوماً.
عادت أهمية هذا الموضوع الى الواجهة، مع تطورات الوضع على جبهة المواجهة الروسية – الأوكرانية.
حرب إلكترونية
حمل قرار فرض لائحة عقوبات أوكرانية جديدة على الشركات الروسية تطوراً مفاجئاً، تمثل في بدء كييف بقطع أواصر التواصل الاجتماعي مع الروس، بعدما اشتملت العقوبات السابقة على البعدين السياسي والاقتصادي فقط. واشتملت لائحة العقوبات على 468 شركة ومؤسسة روسية، أبرزها مؤسسات إلكترونية كبرى مثل محرك البحث «يانديكس» وشبكة «ميل رو» ومنصات التواصل الاجتماعي الرئيسة في روسيا مثل «فكونتاكتي» و«ادوناكلاسنيكي»، وهما يمثلان النسخة الروسية لعملاق التواصل عالمياً «فايسبوك».
وتستخدم هذه الشبكات في شكل أساسي في أوكرانيا مع غياب البديل الوطني، وتعد وسيلة تواصل أساسية في ظروف الحرب والحملات الإعلامية والتعبئة العدائية المتواصلة. والملاحظ، أن استخدامات الشبكات الروسية لم تقتصر سابقاً على الناطقين باللغة الروسية في مناطق شرق أوكرانيا، بل كانت واسعة الانتشار حتى في المناطق المعروفة بسيطرة مشاعر العداء للروس فيها، مثل مدن أقصى الغرب الأوكراني.
وفي إطار ما وصف بأنه «حرب إلكترونية» دخلت على خط المواجهة بين الطرفين، أطلقت الشركات الروسية برامج مجانية واسعة النطاق لتسهيل «تجاوز الحظر» المفروض في أوكرانيا. بينما تعهدت كييف بمواجهة الخروقات. وكان سبقها مباشرة إعلان كييف أن موسكو «تستخدم وسائل إلكترونية لزعزعة الأوضاع الداخلية»، إضافة الى اتهامات لا تختلف في جوهرها عن الاتهامات الغربية لروسيا بممارسة «قرصنة» إلكترونية هدفها التجسس أحياناً، أو ممارسة نفوذ وتأثير في التطورات الداخلية في البلاد. وكان ديمتري شيميكف، نائب رئيس الإدارة الرئاسية في أوكرانيا، أعلن أن الموقع الرسمي لرئيس الدولة تعرض لهجمة DDOS، منظمة انطلقت من مخدمات «ياندكس» و«فكونتاكتي» الروسيين.
و»الحرب الإلكترونية» التي تستهدف التواصل المباشر بين مواطني البلدين، جاءت بعد «الحرب الاقتصادية» التي تمثلت في سلسلة من لوائح العقوبات والعقوبات المقابلة التي اتخذها البلدان. وكان أحدثها فرض قيود جديدة على استيراد الشوكولا الروسية، وهو الرد الأوكراني على منع استيراد حلويات أوكرانية الى روسيا في وقت سابق.
وقبل ذلك، كانت كييف فرضت رسوماً جمركية على الأسمدة القادمة من روسيا. لتتسع قائمة «المحظورات» بين البلدين الى مستويات غير مسبوقة في علاقات بلدين جارين، لديهما تداخل واسع في كثير من القطاعات.
واعتبر الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن كل التطورات الأخيرة تدل على أن سياسة كييف «باتت مصبوغة بطابع معاداة روسيا».
اللافت، أن العبارة تشكل تكراراً حرفياً للموقف الذي أعلنته كييف منذ بداية الأزمة في 2014، وكرره الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أخيراً، عندما قال أن «كل القيود المفروضة من الجانب الأوكراني يمكن رفعها فقط في حال تراجعت روسيا عن عدوانها السافر على بلادنا».
وحرب على التاريخ المشترك!
لم تعد المواجهة التي اتخذت أبعاداً أوسع في الفترة الأخيرة، تقتصر على القطاعات الاقتصادية والعناصر التي تفعل التواصل بين الشعبين، بل امتدت الى رموز التاريخ في فترات جمعت الأوكرانيين مع الروس. وفي إطار ما وصف بأنه «الطلاق النهائي» أعلنت كييف أخيراً، هدم آخر تمثال لمؤسس الدولة السوفياتية فلاديمير لينين. ومعلوم أن تماثيل لينين كانت منتشرة في الساحات في كل مدن الاتحاد المنهار تقريبا. وعلى رغم أن السنوات الماضية شهدت «ترحيلاً» لها عن الساحات الرئيسة في المدن الكبرى، لكنها ظلت منتشرة في مناطق كثيرة. وجاء الإعلان عن التخلص من آخر تمثال كان يقف في منطقة هولوسيفسكي في كييف، ليؤكد تصميم الأوكرانيين على إنجاز برنامج «إزالة آثار الشيوعية» في البلاد، الذي تم إطلاقه عام 2015، أي بعد مرور عام واحد على بدء المواجهة مع روسيا. ونص البرنامج الذي أقر كقانون ملزم على وضع الشيوعية والنازية في كفة واحدة من خلال تأكيد «إدانة الشيوعية والوطنية الاشتراكية (النازية) والأنظمة الشمولية وحظر الدعاية لرموزها». ودمرت سلطات أوكرانيا خلال عامين بعد تبني القانون، نحو 1500 نصب تذكاري مرتبط بالعهد السوفياتي.
ستالين في قصف الاتهام
وفي سياق يربط ملف مكافحة الشيوعية وإزالة اثارها مع موضوع ضم القرم الى روسيا، استعادت أوكرانيا في غمار مواجهتها مع الروس تاريخ الترحيل الجماعي القسري لتتار القرم في عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، الذي «دخل قفص الاتهام» في قضية منظورة حالياً أمام القضاء الأوكراني.
ورفعت النيابة العامة الأوكرانية قضية جنائية ضد ستالين بعدما جمعت خلال العام الماضي، رزماً من الوثائق التي تشير الى تطورات الوضع في عام 1944، عندما أصدر ستالين قراراً مفاجئاً بترحيل كل تتار القرم الى مناطق في آسيا الوسطى وسيبيريا. وقالت النيابة العامة أن لديها نحو ألف شاهد ممن عايشوا المأساة وما زالوا على قيد الحياة، وهم من 250 عائلة تتارية في القرم. وأفادت بأن القضية تهدف الى تسليط الضوء على الكارثة التي حلت بهذا الشعب في ذلك الوقت، و»تحقيق العدالة التاريخية من خلال إنصافه».
وكان ستالين أمر بترحيل التتار بعد اتهامهم بالتواطؤ مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وتم نقل مئات الألوف في قطارات لم تتوقف إلا بعد مسيرة استمرت نحو أسبوعين في ظروف قاسية. وأطلق كتاب في وقت لاحق على الرحلة «قطارات الموت»، إذ كان الجنود السوفيات يلقون جثث من يموت في الطريق من دون أن تتوقف القطارات.
وعلى رغم أن المراجعة التي أجراها القادة السوفيات بعد رحيل ستالين لسياساته اشتملت على قرار بإعادة التتار الى موطنهم، لكن قادة التتار اعتبروا أن القرار ظل ناقصاً لأنه لم يشتمل على رد الاعتبار إليهم وإنصافهم من تهمة العمالة.
وفي كل الأحوال، فإن كثيرين في روسيا حالياً، يعتبرون أن استعادة ملف ترحيل التتار لا تحمل نزوعاً نحو الإنصاف بقدر ما تؤشر الى استثمار هذه القضية في المواجهة الواسعة مع روسيا.
المصدر