كاظم فنجان الحمامي / لا ندري حتى الآن من ذا الذي أعطى السادة المسؤولين حق الاستيلاء على أرصفة مدننا، ومن ذا الذي أعطاهم صلاحية غلق منافذ شوارعنا الفرعية، وخنق مداخل أزقتنا الداخلية؟، ولا ندري حتى الآن كيف ارتضوا لأنفسهم تثبيت كرافانات الحماية وكابينات الحراسة فوق أرصفة أحيائنا السكنية من دون أن يبدوا أي اهتمام لتحركاتنا أثناء خروجنا ودخولنا من وإلى منازلنا؟
ظاهرة دخيلة علينا فرضتها الفوضى الأمنية فوق أرض العراق من شماله إلى جنوبه، حتى صار من المتعذر علينا العودة إلى بيوتنا، أو الوصول إلى مواقع أعمالنا عبر الطرق السالكة، بسبب كثرة الحواجز الكونكريتية، وبسبب تقاطعات الأسلاك الشائكة، والعوارض الأنبوبية، والمعرقلات البلاستيكية، والكتل الخراسانية والمطبات الحجرية، وبسبب كثرة مراكز الرصد والمراقبة، ونقاط التفتيش التي أقامها جارنا (المسؤول) منذ نجاحه بالانتخابات، ومنذ اليوم الذي فاز فيه بصولجان المنصب العالي.
لقد أصبح جارنا القريب بين ليلة وضحاها من علية القوم ووجهائهم، وربما سيرتقي في يوم من الأيام إلى درجة أمير أو سلطان أو حتى مهراجا، فهل بات من حقه غلق الشوارع والفروع والأرصفة؟، وهل بات من حقه تطويق منزله بمجموعة من العناصر المدججة بالأسلحة النارية الفتاكة المحشوة بالذخيرة الحية، وتوزيع الكشافات الضوئية المخصصة لملاعب كرة القدم على أركان داره؟،
صرنا لا نستطيع الخروج من بيوتنا، ولا التجوال في الطرق التي كنا نسلكها قبيل فوز سيادته في الانتخابات، فتعثرت خطواتنا، وتغيرت خارطة مدينتنا، وتقطعت أوصالها، وانقلبت معالمها الجغرافية رأسا على عقب، وتحولت ضواحينا، التي كانت تنعم بالهدوء والاستقرار، إلى ثكنات حربية، ومعسكرات قتالية تحتشد فيها الهمرات، وتصول فيها المصفحات والمدرعات، وتصطف على أرصفتها العجلات الحديثة ذات الدفع الرباعي، التي تنطلق صباح كل يوم بسرعات صاروخية، وبحركات جنونية لتمهد الطريق لحضرة جناب جارنا السلطان، فيغادر منزله الحصين في موكب استفزازي مهيب، تحف به سيارات فارهة بصفاراتها وزعيقها وصخبها.
فجارنا قبل أن يصبح سلطانا كان في يشبهنا تماما بساطته وتواضعه وتفانيه، كان متميزا بنبله ودماثة أخلاقه، لكنه بان علي حقيقته بعد تسلقه سلم الأبواب العاليه، فتخلى عن معاني التفاني التي كان يتظاهر بها، ولم يعد يحمل أي صفة من صفات التواضع، ليس لأنه ترقى في منصبه، ولا لأنه أصبح سلطانا، بل لأن الشيطان غرس في قلبه فيروسات جنون العظمة، وانتزع من روحه خصلة التواضع، فعزل نفسه عنا، وتنكر لنا، وتقوقع في دوائر التكبر والتجبر. وصار سلطانا صغيرا، وهو الآن يتمتع في قريتنا بصلاحيات استثنائية، بينما راح الناس يتندرون ويتهكمون على أمثال هذه الدفعات الجديدة من السلاطين والأباطرة، الذين اقفلوا الشوارع، وأغلقوا الطرق، وخنقوا الأزقة، واستحوذوا على محرمات الأرصفة.
انتشرت هذه الظاهرة في عموم المحافظات العراقية، وصارت موضة من الموضات السلطانية البرمكية المزعجة. تفننت بها شرائح ومجاميع سلطوية كبيرة، بل أنها صارت من المظاهر الشائعة المنتشرة حول بيوت المسئولين ومكاتبهم، واللافت للنظر أنها ظلت تمارس من قبل المسئولين السابقين، والذين سبقوهم، والمحالين منهم إلى التقاعد، وصار بعض رجال الدين يمارسونها أيضا، ولكن على نطاق ضيق، فمتى تزال هذه التجاوزات المنغصة من مدننا وقرانا وأحيائنا السكنية؟ انه مجرد سؤال نطرحه على مجالس المحافظات كافة، بانتظار قيامهم بإخلاء ما حول بيوتهم من مظاهر عسكرية، ورفع كابيناتهم وثكناتهم ومراصدهم، وإزالتها تماما من الأرصفة.