%D8%B9%D8%AF%D9%84%D9%8A %D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82 أوكرانيا

شعلة غزة وفجرها الجديد

عدلي صادق / بلغ العام 2012 مداه مساء أمس، وطوى خاتمة أيامه. لكن قافلة الأمنيات، عادت أدراجها، لتواكب عاماً جديداً، على أمل الوصول الى مرافئ الحقيقة والعز، والثبات على المقاصد النبيلة!

عدلي صادق أوكرانياما حدث في غزة أمس، وأثناء كتابة هذه السطور، هو أن الجموع الغفيرة، بدل أن تضيء الشعلة في ذكرى انطلاقة الثورة، تحولت هي الى شعلة والى خيوط من نور ساطع، حاضر، معلوم الهوية، والوجهة والرأي. كانت الناس في غزة، ليلة أمس، تقول لكل من خدعتهم أحاديث الظلام والتخوين والتلطي بالدين، أن لا بديل لشعب فلسطين عن حركته الوطنية، وأن لكل نهر نبعا.. ومجرى وحياة، مثلما كتب محمود درويش في قصيدته «عن الأمنيات». فهذه، هي الثورة التي وضعت على شفاه أبنائها وفي قلوبهم، أجمل الأحلام والمُنى، والتي غنت أجيالها لفلسطين بعلائمها ومدركات قضيتها وأسماء شهدائها. إنها «فتح» الرائدة التي نتوخى لها في مقبل الأيام، قيادة أفضل وأجدر وأعز شأناً وتليق بها. إنها «فتح» الماكثة في الضمائر، ثورة الفعل الذي واكبته السياسة، واغتنت معانيه بالآداب التي انتجت فكرة التحدي و«الربيع» قبل أن يعرفه الربيعيون وكل من التحق بهم، في مستهل العشرية الثانية من الألفية الثالثة.

* * *

قبل عقود من الزمن، كان واحدنا ينشد، في قصيدة الأمنيات الدرويشية تلك: ليتني بائع خبز في الجزائر، لأغني مع ثائر. لا تقل لي: ليتني راعي مواشٍ في اليمن، لأغني لانتفاضات الزمن. لا تقل لي: ليتني عامل مقهى في هافانا، لأغني لانتفاضات الحَزانى. لا تقل لي ليتني أعمل في إسوان، حمالاً صغيراً لأغني للصخور. يا صديقي: لن يصب النيل في الفولغا. ولا الكونغو ولا الأردن في الفرات. كل نهر وله نَبعٌ.. ومجرى.. وحياة. يا صديقي: أرضنا ليست بعاقر. كل أرض ولها ميلادها. كل فجر وله موعد ثائر!

* * *

بعد غروب يوم أمس، حان موعد إضاءة الشعلة في كل المدن الفلسطينية. لكن الموعد في غزة جاء مختلفاً في دلالاته. فقد تدفقت الجموع الى مكان الإضاءة والى كل حيّز متاح في جواره. تدفق النهر من نبعه وجدد حياته وهو يعرف وجهته بالسليقة. فالناس تعلم أن الفتحاويين لم يخادعوا، ولم يتخلوا عن الثوابت، ولم يعتصروا مجتمعاً، ولم يتغالظوا مع أهلهم وشعبهم، ولم يطلقوا النار من النقطة صفر على مفصل إنسان، ولم يضربوا بيتاً بالقذائف المضادة للدروع، وأنهم لم يخونوا حين أتاحوا للسياسة أن تأخذ مداها.

الجموع التي احتشدت بهذه الكثافة، عند إضاءة الشعلة، وقبل المهرجان بأربعة أيام، سوف تتضاعف في يوم المهرجان. ولحركة «فتح» التي لم يتح لجماهيرها، طوال سنوات، أن تحتفل بذكرى الانطلاقة؛ شرف أنها عادت الى الميادين، محمولة على الأعناق، أما غيابها فكان بمفاعيل انقلاب مسلح وآثم. عادت «فتح» الى الساحات، بعد أن أوصلت الدروب والتجارب والحقائق، كل ذي عقل عقيم، الى القناعة بأن الاستمرار في تغطية الشمس، بات من سابع المستحيلات، لا سيما في زمن أصبحت فيه الكلمة للجماهير. فلا يزاودن أحد على الوطنيين في مأثرة المقاومة وهم الذين اخترعوها ومضوا فيها سنين وراء سنين، فيما الآخرون نيام!

بالأمس، سجلت «فتح» رسالة اليوم الأول من العام الجديد. قافلة الأمنيات التي ظلت معلقة، وتجاوزها العام الماضي؛ عادت أدراجها لكي تبدأ في مواكبة أوقاتنا في العام الجديد. نبع الجماهير يتدفق في مجراه. وفي يوم المهرجان سيتلقّى الناس الرسالة الأبلغ. أما نهر الجماهير الفلسطينية، فإنه لن يصب في «المقطم» مثلما لن يصب نهر النيل في الفولغا!

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …