%D8%B4%D9%84%D9%8A%D9%86 أوكرانيا

شام وأمومة و…..فلسطين

قصة قصيرة

مشلين بطرس / دق جرس المنبه يعلن موعد بدء الدرس، أتفقد كتبي وأعيد ترتيب أقلامي، أفتح أوراقي، فتبحر بي ميم لها ذيل كالسمكة إلى أعماق لغة منسية، تجذبها دودة تسمى ألفاً أوكرانيابالسريانية، وأخذت أصغي إلى تموجات حرف الواو الذي كان يختلف بين كلمة وكلمة ويهادن تلاطمه بين سكون وحركة.

وعندما جاء دور ياسمين في الصف كي تقرأ الجملة لوحدها بصوت عالي قرأت: ܒܘܒܘ ܪܘܚܝܡ ܠܚܠܒܘ “الطفل يحب الحليب” ܒܘܒܘܪܘܚܝܡ ܠܚܒܘ، ܒܘܒܘ ܪܘܚܝܡ ܠܚܠܒܘ، وكالمسجلة التي أصابها عطل ما توقفت ياسمين تكرر باستمرار لايتوقف تلك الجملة، شربتْ زجاجة حليب باردة أنعشت جنينها المنتظر الذي أخذ يداعب والدته مشكلاً بركلاته الخفيفة هضبات صغيرة على سطح بطنها، فاعتمرها فرح أمومتها المنتظر.

ذرفتُ دمعتين رسمتا لوحةَ طفلة تطير فرحاً بأرجوحتها، اقتربت منها قائلة: -هلمي إلى حضن ماما ياحبيبتي.

أجابتني باستغراب: أنت لست ماما ياسيدة!!

مسّدت شعرها بحنان واصطحبتها معي إلى سوق الهدايا والألعاب، وعندما أفلتت مني في محطة الباص ركضت خلفها مسرعة، وكالبرق اختفت من أمامي، لكني أمسكت بخيط رائحتها وتبعته حتى أوصلني إلى مغارة أورشليم، فوجدت المهد ينتظر ميلاد طفل أخبرتني والدته أنه لن يأتي هذه المرة لأنه ولو أتى فسوف يجرعونه الكأس الذي شربه قبلاً، لكن الباص أتى قبل أن تكمل الوالدة أحزانها، وأراني عبر نافذته أحزان أهل غزة والضفتين، وباقي المدن الصامدة فقد كان الناس فيها يعومون في بحر مدقع من الفقر والجوع، وعندما رأيت تل أبيب وكريات شمونة وكل المدن المستعمرة، شعرت أنني خرجت من الموت إلى الجنة، آخ…..آخ، رأسي يؤلمني، يبدو أن الباص قد اصطدم بصخرة أودت بي إلى المغارة …..، ولكن لا …… هذه ليست مغارة المهد، إنها مظلمة وفيها قبر وكفن كُتب عليهما هنا دُفن المسيح.

هُرعت إلى الخارج أتنشق عطر النور، فرأيت سيزيف يحاول مرة أخرى رفع تلك الصخرة إلى قمة الجبل، رحت أسير باتجاهه عائدة إلى الأرجوحة الفارغة إلا من طفولتي، فحملتني إلى أرصفة الحياة البعيدة التي تسكنني، وعلى الجهة المقابلة لرصيفي رأيت امرأة شعرها أبيض يضيئ حلكة الليل هناك،كانت بقربها سلة مليئة بأزهار الياسمين، تصنع منها أطواقاً تقلّدها لكل من يلقي عليها السلام من المارة، اقتربت منها أسألها: ماأسمك ياجدة؟ رفعت ناظريها نحوي ، ففاجأتني ببشرتها الندية بشرة طفل يفوح من خديه احمرار الورد الجوري، وردت بابتسامة شفافة قائلة:

-اسمي سوريا يا ابنتي…..، ثمّ قلدتني كل أطواق الياسمين التي بحوزتها، ومسحت على جبيني قبلة طبعت على وجنتيّ شام أحن إليك يابلدي…..

ركضتُ نحوها ولم أستطع الوصول، مددت يدي كي ألمسها لكن يدي بعيدة لاتصل إليها، فآلام المخاض تكبل جسدي.

أخاطبها بيأس: لماذا تغمضين عينيك عن الحياة وعني ياصغريتي؟؟

وعندما أتت الممرضة سبقتها صرخة هلع جمعت أطباء وممرضات كانوا في الغرفة الثانية، فقد صُدمت الممرضة برؤيتي أقف بالقرب من طفلتي أحاول جاهدة ضمها إلى صدري، أعادوني إلى السرير وسحبوني خارج فضاء الولادة، وعندما استيقظت وجدت أمي بابتسامتها المشرقة تمسّد شعري قائلة: الحمدلله على سلامتك.

ياسمين…. يا ياسمين…..ياسمين، ينتهرني أصدقائي وقد دق جرس المنبه يعلن انتهاء الدرس منذ وقت.

شاهد أيضاً

أطفال

الترحيل القسري للأطفال الأوكرانيين الى روسيا

منيب الوادي / إن أحد أكثر الأحداث المأساوية في الحرب الروسية الأوكرانية هو الترحيل القسري …

اترك تعليقاً