أحمد عز العرب / نشرت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية بتاريخ 11/12/2011 تحليلا لما تتوقع أن تكون عليه سياسة مصر الخارجية بعد سقوط الرئيس المخلوع وإجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر، ونعرض هنا هذا التحليل لنري ان كان تطور الأحداث التي تجري في مصر يؤيد ما ذهبت إليه المجلة الأمريكية.
يقول التحليل ان هناك الكثير من فرص الكسب هذا الشهر من خلال الانتخابات البرلمانية المصرية وظهور شكل الديمقراطية العربية. وسلطة العسكر ودور الدين. ولكن هناك شيئا مازال غير واضح وهو سياسة مصر الخارجية. تعتقد واشنطن ان نصرا للقوي المدنية يمثل شيئا طيبا لمصالحها وأن انتصار التيار الإسلامي سيمثل مشكلة. ولكن أيا كان الحب الذي سيفوز بأكثر مقاعد البرلمان فإن مصر الجديدة ستكون أقل استجابة لمطالب أمريكا وستنشئ علاقات أكثر دفئا مع إيران. كانت ثورة الربيع المصري موجهة أساسا ضد السياسات الداخلية الفاشلة لمبارك. ولكن المصريين كانوا نافرين أيضا من سياسته الخارجية. فلكي يحتفظ مبارك بعلاقات طيبة مع أمريكا وإسرائيل كانت سياسته انكاسا لسياستهما لدرجة أنه خلال سنة 2010 أعلن أن النفوذ الإيراني يستشري كالسرطان في الخليج إلي المغرب وكذلك أعطي مبارك الضوء الأخضر لإسرائيل لهجومها علي غزة 2008. لذلك كان حلف مصر مع أمريكا مستفزا للرأي العام المصري. فقد شعر المصريون أن وضع مصر في العالم العربي ينهار وأن سياسة مبارك هي السبب. ومع هذا بقي ذلك الشعور خافيا إلي حد كبير خلال مظاهرات ميدان التحرير. فلم يحرق المتظاهرون أعلاما أجنبية. ولم يهتفوا بشعارات مضادة لأمريكا وإسرائيل. كان همهم الأساسي إسقاط مبارك. كذلك كان التركيز علي سياساته الداخلية مثل انتشار البطالة وانهيار النظام التعليمي وسوء الخدمات الحكومية. أما الآن والانتخابات البرلمانية تقترب فإن المناقشات السياسية علي الساحة السياسية عن دور مصر الجديد في العالم قد وصلت إلي مراحل ساخنة جدا. فمن خلال لقاءات مندوبي المجلة عند زيارتهم الأخيرة لمصر مع الناشطين والخبراء السياسيين والمرشحين لمجلس الشعب وجد مندوبو المجلة أن هناك اجماعا بين كل التيارات السياسية بمصر علي أن يجب علي مصر أن تصل إلي علاقات أكثر دفئاً مع إيران وحلفائها حتي تبني لها نفوذا في المنطقة. وعلي الحكومة الجديدة في مصر في رأي الكثير من السياسيين الحفاظ علي علاقات طيبة مع السعودية وبدرجة أقل مع أمريكا. علي ألا يكون ذلك علي حساب العلاقات المصرية الإيرانية. وقد صرح مصطفي اللياد مدير مركز الدراسات الإقليمية والاستراتيجية بأن مصر ليس لديها سبب يدعوها للعداء مع إيران رغم وجود اختلافات كبيرة بين مصر وإيران. وحتي المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يباشر السلطة الآن في مصر والذي يعتبر أكثر اللاعبين علي الساحة السياسية التصاقا بالمصالح الأمريكية في مصر لا يري سببا يدعوه للعداء مع إيران. فإذا كان المصريون يريدون علاقات أحسن مع كل من إيران وحزب الله وحماس وسوريا فإن المجلس العسكري يكون واقعا تحت ضغط شديد يضطره للاستجابة للرأي العام المصري. وبطبيعة الحال فإن العلاقة الطيبة مع هذه الأطراف تصب في مصلحة المجلس العسكري نفسه. فالاحتفاظ بعلاقات طيبة معهم يزيد من نفوذ المجلس العسكري الذي يقوم حاليا بدور الحكومة في مصر ويوسع نفوذه الإقليمي. وقد بدأت علامات توجه المجلس العسكري نحو إيران تتضح منذ الأيام الأولي للثورة. وكان أول عمل يقوم به المجلس العسكري في هذا الاتجاه هو السماح لإيران بمرور سفنها الحربية بقناة السويس. وهو الأمر الذي كانت مصر تحرمه منذ الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979. وقد ردت إيران علي هذا بخطوة من جانبها بتأييدها العلني للثورة المصرية. وبعد سقوط مبارك مباشرة أعلنت إيران أنها قد عينت سفيرا لها بمصر لأول مرة منذ قطع العلاقات بين الدولتين سنة 1978. وفي شهر مايو بعد اجتماعات مع رسميين إيرانيين علي مستوي عال أعلن وزير خارجية مصر أن بلده قد فتح صفحة جديدة مع إيران. وفي أغسطس أرسلت إيران وفدا دبلوماسيا آخرا عالي المستوي لمصري لتدعيم العلاقات الشخصية معها. خلاصة القول أن المصريين يريدون مرة أخري ان يعود وطنهم مركزا للعالم العربي فهم يرون هذا حقهم فهم أكبر بلد عربي سكانا. ومركز الأزهر أهم مسجد وجامعة للفكر السني. وقلب السينما العربية وروحها. ورغم ذلك يشعر المصريون أنه عندما يستقر النظام السياسي الجديد في الشرق الأوسط ربما يضطرون للتعايش مع عدة مراكز قوي به. وكلما كانوا علي علاقة طيبة بهذه المراكز تمكنوا من تحقيق أهدافهم. وبالنسبة للعلاقة مع أمريكا وإسرائيل فإن الكراهية لإسرائيل تعم المنطقة بنخبها وعامتها. وكان الهجوم علي سفارة إسرائيل بالقاهرة في سبتمر الماضي تتويجا لعقود من الغضب المعتمل في صدور المصريين والرغبة في القيام بعمل درامي يعبر عن كراهيتهم لإسرائيل. فخلال حكم مبارك عبر المصريون عن هذه الكراهية في مظاهرات بين الحين والآخر. وثارت موجات احتجاج عامة ضد المثقفين والفنانين الذين جرأوا علي السفر لإسرائيل. وخلال التسعينيات رفض المصريون مرة شراء منظف شعر إسرائيلي لاعتقادهم انه يسقط شعرهم. لقد وعد الإخوان المسلمون بالمحافظة علي العلاقة مع إسرائيل. ولكن من الصعب تصور أنهم أو أي فصيل سياسي آخر يستطيع فعل ذلك في الوقت الذي يحافظ فيه علي علاقة مع إيران. ونفس الشيء ينطبق بدرجة أقل علي العلاقة بين مصر وأمريكا. صحيح انه ليس هناك مرشح مصري يدعو لقطع العلاقة مع أمريكا. لأن معني ذلك ضياع ملياري دولار معونة أمريكا السنوية لمصر. ولكن ينادي المصريون بخفض حجم تأثير أمريكا علي مصر عما كان عليه أيام حكم مبارك. وفي مصر حاليا هناك شعور عميق بالخوف من تدخل أمريكي خفي في الانتخابات وقد صرح قائد حملة انتخابية للإخوان المسلمين عقب استقالته مؤخرا من الجماعة أن المعهد الديمقراطي الأمريكي في واشنطن الذي يموله الكونجرس والذي له مكتب في القاهرة يقوم بتمويل حملات بعض المرشحين. وقال أيضا في تصريحه إن المعهد الأمريكي يعمل لإنجاح بعض المرشحين الموالين لأمريكا. وصرح مرشح آخر بأنه تلقي دعاوي لحفلة في السفارة الأمريكية ولكنه لا يجرؤ علي حضورها حتي لا يسىء لموقفه السياسي أن يشاهده الناخبون في صحبة أمريكيين. وقد حذر المجلس العسكري الحاكم مجموعات مراقبة الانتخاب الأمريكية أن عليهم فقط مشاهدة العملية الانتخابية وليس مراقبتها. ومعني ذلك انهم سيمنعون من دخول مقار لجان التصويت. فبسقوط مبارك فقدت الطبقة السياسية صبرها علي التدخل الأجنبي الأمريكي أو غيره عن طريق المنظمات غير الحكومية. عندما يذهب المصريون للتصويت تشير التنبؤات إلي أن حزب الإخوان المسلمين سيفوز بأكبر عدد من المقاعد مقارنة بباقي الأحزاب. وطبقا لعماد حمدي كبير مستشاري حملة عبدالمنعم أبوالفتوح المرشح ذي الشعبية لرئاسة الجمهورية فإن التوقعات تشير لحصول الإخوان وحلفائهم المستقلين علي 65٪ من المقاعد. ومهما كانت نتيجة الانتخابات في مصر فإن المصريين يريدون التخلص من بقايا حكم مبارك. ومعني هذا أنه أيا كان الفائز فستتجه مصر نحو قيام قوة إقليمية لها في العالم العربي. وسيعني ذلك علاقات طيبة مع القوي الإقليمية الأخري التي ابتعد مبارك عنها. وإلي هنا ينتهي تحليل المجلة الأمريكية الذي أثبتت الأيام صحته بالنسبة لنتائج الانتخابات. وسنري مدي دقة التحليل بالنسبة لصعود مصر كقوة إقليمية قريبا.