د. خالد ممدوح العزي / علاقات الروسية الجزائرية : تعتبر الجزائر شريكا أساسيا لروسيا في شمال إفريقيا، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، على اعتبار إنهما الأكثر تصديرا للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تم عقد الكثير من الاتفاقيات السياسية، والاقتصادية، والثقافية بينهما،
1- فوز شركة السكك الحديدية الروسية بعقد إنشاء خطوط حديدية في الجزائر،
2- قيام شركة ” روس نفط” بالتعاون مع شركة ” ستروي ترانس غاز” اكتشاف حقلين للنفط وحقلين للغاز في الجزائر بمحتوى 3.5 مليون طن سنويا،
3- نية البلدين لإعداد منظمة تكامل روسي- جزائري لصناعة الغاز ” أوبك غاز” على غرار أوبك العالمية، بعد زيارة الرئيس بوتين للجزائر ، حيث لاقى هذا الطرح ترحيباً من فنزويلا وإيران على اعتبار إن روسيا والجزائر أهم مصدرين للغاز إلى أوروبا.
4-عقد اتفاقية التنقيب عن احتياطات الهيدوليك في جوف الأرض الجزائرية.
5-إعلان مصنع السفن العالمية في سانت بطرسبورغ، “بان روسيا ستنفذ التزاماتها والعمل على تصنيع غواصتين وتحديث سفينتين صاروخيتين صغيرتين تابعتين للقوات البحرية الجزائرية قريبا.
6- صفقة الطائرات الحربية الروسية التي تمع عقدها مع الجزائر كانت مصدر قلق حقيقي لفرنسا ، والتي أثارت مشكلة جزائرية – فرنسية مما إعادة قسم من طائرات الميغ 29 الى روسيا و استبدالها بطائرات ميراج فرنسية لإرضاء باريس .
روسيا التي قامت بشطب الديون المستحقة لها وتحويلها إلى استثمارات جزائرية روسية، وان التعاون العسكري التقني بين البلدين يساهم بالقسط الأكبر في نمو التبادل التجاري، فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى مليار دولار في العام 2008، وتم توقيع عدة اتفاقيات في التعاون الفضائي، و التعاون في الطاقة النووية السلمية، واطلق” القمر الصناعي الجزائري” السات – 1 “.
يترافق كل هذا الاتفاقات التجارية والتقنية، التوقيع على صفقات السلاح المبرمة بين الدولتين بقيمة 4.7 مليار دولار، وبالمناسبة تحتل الجزائر المرتبة الثانية بين بلدان العالم المستوردة للأسلحة الروسية،
العلاقات القديمة الجديدة
تعتبر العلاقة العربية – الروسية، والإسلامية في المنطقة ليست جديدة،وإنما قديمة منذ وقتا بعيد،وليس كما يقال اليوم بان روسيا بدأت تدخل إلى العالم العربي وأمريكا،بدأت بالخروج من هذه المنطقة ،ولكن الأصح القول هنا بان التغير هو في السياسات الإستراتجية لهذه الدول من خلال مصالحها الخاصة التي تحاول كل قوة عظمة الحفاظ عليها ،فإن وجود روسيا في المنطقة قديم جدا ،منذ بطرس الأكبر الحالم بالدخول إلى المياه الدافئة،ومن ثم وقوع الدول العربية في خط المواجهة أثناء الحرب الباردة الذي خاضها القطبان ،والتي انتهت بانهيار اقتصادي وأخلاقي وامني وعسكري وسياسي وإيديولوجي لروسيا ،و دخولها في غيبوبة لمدة عقد من الزمن، إلى حين قدوم الرئيس السابق” فلاديمير بوتين” قيصر روسيا الجديد ، منقذها من ذلك الثبات في العام 2000، عندها استطاع “بوتين”، العمل على عودة روسيا للساحة الدولية كلاعب قوي، ولكن ليس أساسي، ومع بداية الولاية الثانية له ،عندها استعاد زمام المبادرة في العودة إلى احتضان الأصدقاء القدماء التي تخلت روسيا “يلتسين” عنهم، لقد عمد الرئيس السابق ” بوتين “من خلال الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدتها صقور الكريملين بالتوسع مجددا نحو العالميين العربي والإسلامي، مبتعدين عن الإيديولوجيات التي كانت تحكم وتضعف العلاقات العامة لان التوجه الجديد الذي تم اعتماده في التعاطي من خلال مصلحة روسيا وشعبها.
علاقات جديدة لمفهوم جديد مع الخليج العربي :
العلاقات الاقتصادية والسياسية الروسية مع العديد العربية، لاتزال في طور نموها الأول ، ولكن الملفت للنظر هو زيارة بوتين إلى منطقة الخليج العربي ” السعودية – قطر – الأردن” في 25 شباط 2001 والعودة بعد ذلك بعقود اقتصادية ضخمة واتفاقات عسكرية وسياسية وهذه زيارة أولى كانت لرئيس روسي ” سوفياتي ” إلى هذه الدول الإسلامية العربية وهذا يعني:
– 1 على الصعيد الإسلامي :” فتح طريق في الدول الإسلامية من بوابات أخرى وعدم الاعتماد على احد في بناء جسور الصداقة الاقتصادية والسياسية”.
روسيا التي تعتبر نفسها صلة الوصل بين الغرب والشرق الإسلامي ،و ضمان اساسي لعدم صراع الحضارات من خلال وجودها على طاولة المفاوضات مع هذه الدول .
– 2 على الصعيد العربي:” الدخول إلى منطقة الخليج العربي بالذات، يعني نقلة نوعية في السياسة الروسية لكون المنطقة ،كانت ومازالت ولفترة طويلة تقع ضمن النفوذ الغربي، وتحديدا الأمريكي إبان الحرب الباردة”،فهذا تغير جذري من قبل الدولة الروسية الجديدة التي أصبحت تبني علاقاتها وفقا للمصالحة الاقتصادية وليس الأيديولوجية، وهذا يتوقف على العرب نفسهم في بناء علاقات جديدة تخص المنطقة العربية، ضمن مشروع استقلالي من خلال التحالفات الدولية ضمن النظام الدولي العام .
-3 على روسيا ان تكون لاعبا قويا في هذه التركيبة الدولية الجديدة، وهذا ما له من الأثر الكبير، من خلال العرض الروسي على العربية السعودية في بناء مفاعل نووية للإغراض السلمية. ومحولة روسيا الجدية في العمل مع الدول العربية لبناء منظمة جديدة للغاز “أوبك للغاز” لتكون روسيا هي عمادها.
4:على روسيا الدخول إلى المنطقة العربية من خلال البوابة الواسعة للدول العربية وليس من خلال إحدى البوابات وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي للرئيس السوري بشار الأسد في زيارته الأخيرة إلى موسكو في كانون الثاني عام 2007 “سورية صديقة ونسعى إلى أقامت دور جيد معها ونساعدها، بكل القدرات الممكنة من تزويد بالسلاح والعتاد الضرورية لجيشها ودفاعاتها ، لكن سورية مخطئة إذا كانت تحاول أن تجرنا إلى حرب جديدة مع أمريكا ،لذا نرى إن العلاقة مع الدول الأخرى أيضا أساسية ولا نريد أن نكون طرف ضد احد “.
-5: إن تجديد العلاقة مع الجزائر والدخول إلى المغرب العربي مجددا ودعمها وتسليحها بسلاح متطور وصواريخ جديدة وبناء عقود اقتصادية هامة ، إثناء زيارة بوتين إليها بالإضافة إلى إعفاء الجزائر من الدين المترتب عليها أيام الاتحاد السوفياتي بمبلغ 7 مليار دولار فور البدء بالدفع في وتسديد فوثير العقود الجديدة .
-6: روسيا تسعى دائما إلى العمل مع كل الإطراف للحلول الثابتة للمنطقة، فكانت زيارة بوتين إلى رام الله وتل أبيب معا والزيارة الخاصة إلى مصر لبناء جسور اقتصادية وعسكرية سابقة إلى قلب المنطقة العربية والإفريقية والذهاب أيضا إلى الجزائر.
الموقف الروسي الغامض :
روسيا التي التبس موقفها السياسي في التعاطي مع ثورات الربيع العربي ،مما جعلها تحتضن وتدافع عن الحكام الدكتاتوريين في ليبيا واليمن وسورية جعل مصالحها تتعرض لخطر حقيقي، وهذا الالتباس سيسب لها خروج حقيقي من القارة السابعة، نتيجة فقدانها المصداقية الكاملة مع شعوب هذه المنطقة التي حاولت روسيا التواجد في قلب هذه المنطقة الحيوية ذات البعد الجغرافي والاقتصادي ،لقد خرجت روسيا من ليبيا بسبب موقفها الداعمة لنظام ألقذافي التي دافعت عنه وزودته بالعتاد والسلاح ،لكن غضب المحتج الليبي تحول إلى انتقام شخصي ذهب ضحيته العقيد، وخسرت موسكو الرهان على سياسة العقيد القمعية التي لم تتمنكن من مساعدته من ازمته.
المكابرة الروسية مع الثورة العربية ثمنه غالي:
روسيا لم تستفيد من تجربتها السوداء في التعامل مع الملف الليبي ، فإنها لاتزال تصر على أنقاض نظام الأسد بكافة الوسائل، وتشرع حربه الذي يخوضها ضد شعبه وتبرر مجازره اليومية ،فالمشكلة الروسية الدائمة في تعاملها مع الملفات القائمة والازمات الناشئة يجعلها أسيرة الخوف والارتباك والرهانات الخاطئة على حكام قمعين ودكتاتوريين فاشلين، جعلوها تخرج من مناطق حيوية في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفياتي السابق والعراق وليبيا ويوغسلافيا وصربيا ،واليمن سورية واليمن ،فالخوف الذي ترتكبه روسيا مع المنطقة يجعلها في موقع صدام مع شعوب المنطقة العربية التي باتت ترى في موسكو عدو حقيقي يهدد مصيرها ، فالشعوب العربية وتحديدا في سورية أضحت تنظر للساسة الروس بأنهم داعموا الطغاة والدكتاتوريين ومزودينهم بالعتاد والأجهزة والسلاح الذي يفتك بالشعب السوري .لأول مرة تحترق الإعلام الروسية في الساحات العربية،لأول مرة تجفل هذه الشعوب من السلاح الروسي الذي أصبح سبب بقتلها وقتل أولادها،فروسيا التي تغامر في سورية للحفاظ على مصالحها سينتهي الأمر بها للخروج من سورية والدول العربية الأخرى لعقود.
مستقبل روسيا ومصالحها في الوطن العربي في خطر:
روسيا التي اضحت على معرفة جيدة بانها تخرج من المنطقة العربية بسبب اخطاء ارتكبتها نتيجة الاعتماد على انظمة قمعية ودكتاتورية ،تحاول اليوم الدفاع على مواقعها الاخيرة في سورية والجزائر، بقوة السلاح والتهديد بالقوة ليس دفاعا عن هذه الانظمة ،وانما عن مصالحها الخاصة التي تفقدها بين الضحك واللعب ،فالغباء السياسي في روسيا والخوف من هذا الربيع والوقف ضد ثواره والسكوت عن قتل الابرياء، ستدفع موسكو ثمنه غاليا ،اذا لم تتدارك حجم المصيبة الفعلية، الا اذا كانت موسكو تنظر للقارة السابعة بانها خسارة موقع في التاريخ وليس بالجغرافيا. فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بظل عودة الرئيس بوتين الى الكرملين من جديد، وبعد ان انتهت المزاودة الداخلية بالملف السوري، وبظل التعنت والتزمت الروسي في التعامل معه، فهل سينتهج بوتين سياسة جديدة في التعامل مع هذا الملف الذي اضحى مشكلة داخلية روسية خليفيه، وخاصة بعد ان اضحت العلاقة العربية- الروسية في خطر وعودتها الى مربع دون الصفر بل تعدت الخلافات الحكومية لتصل الى عدم ثقة بين الشعوب التي تخرج لتحرق العلم الروسي في الساحات ،فهل تذهب روسيا بعيدا بهذا الملف وتعريض مصالحها كلها في المنطقة لخطر حقيقي وخاصة بعد الفيتو الخليج ضد الفيتو الروسي ،فهل تخسر كل الاسس التي بنتها روسيا في ظل حكم صقور الكرملين من اجل ملف خاسر ونظام فاشل .
*باحث إعلامي وخبير بالشؤون الروسية ودول الكومنولث
[email protected]