خالد
د.خالد ممدوح العزي

سورية والتهديد الحقيقي بظل الغموض الروسي

د. خالد ممدوح العزي / الإحداث تتسارع في سورية بعد تفاقم الوضع وتحول الصراع إلى مناطقي وعرقي خالد أوكرانيابسبب شدة الضغط الذي يمارسه النظام ،وغياب سيطرة الدولة التي تحولت بحد ذاتها إلى مليشيا مسلحة ،تحتمي بالعباءتين الروسية والإيرانية ،ومن خلال الإصرار الدائم بإشعال المنطقة كلها. منذ انطلاق الثورة السورية والنظام يتحدى العالم في ممارسته الوحشية والااخلاقية مع شعبه محاولا استغلال النفوذ الدولي في حمايته لتنفيذ جرائمه،فالشهية لدى النظام مفتوحة باستمرار،وروسيا تعيق أي قرار أممي قد يتخذ بحقه.

مجلس الأمن معطل بفضل الفيتو”الروسي-الصيني”،وبسبب تقاعس الغرب في إنهاء الصراع وحماية المدنيين السوريين،لقد استفاد النظام من ذلك في قمع الشعب السوري بواسطة إطلاق غازات سامة عدة مرات متحديا الإدارة الدولية العاجزة عن تنفيذ أي شيء.

فكانت مجزرته الأخيرة بالغازات السامة في غوطة الشام في 21 أب 2013 والذي ذهب ضحيتها أكثر من 1700ضحية مدنية.  لقد أحرج العالم الحر بهذا العمل، ووضعت الهيبة الدولية على المحك مما دفع بالفرنسيين والبريطانيين والأمريكان بالتهديد بتنفيذ عمليات عسكرية محدودة ضد بنك أهداف للنظام تبغ حوالي 400 هدف كي تحد من قدراته العسكرية وليس إنهاء نظام الأسد. فالتلويح  بهذه العملية العسكرية التي تطبخ على نار هادئة بين الغرب وروسيا بالرغم من تصريحات روسيا المختلفة والغير واضحة  ،والتي تبقى غامضة ،فالهدف من الضربة التي يسميها المحللين والخبراء بالشأن السوري بأنها تأديبية من اجل:

1-إنقاذ هيبة المجتمع الدولي الذي أحرجه الأسد بإعماله غير المسؤولة.

2-تأديب النظام وكسر الهوة العسكرية من اجل أحداث توازن بينه وبين المعارضة.

3-اخذ النظام إلى المفاوضات السياسية الذي يجمع عليها السوريون.

-4-وإرسال رسالة لكل الدول التي تحاول أن تمارس ممارسة الاسد.

ولكن السؤال الذي يجول في عقول الجميع ؟؟؟ أين يكمن موقف روسيا غير المفهوم بالنسبة للعملية العسكرية القادمة على سورية ،الا من خلال التصريحات التي تحاول أن تكون دبلوماسية لعدم خرق القانون الدولي وتوسيع دائرة الصراع  في المنطقة لكون روسيا تشدد على الحوار السياسي . فالوزير لافرف يقول ” روسيا لن تخوض أي حرب ضد أي طرف إذا هاجم الغرب  النظام السوري وإذا كنا نعتقد بان استخدام القوة ضد النظام خطأ وخرق فاضح لميثاق الأم المتحدة”.روسيا تقوم بإجلاء رعاياها من الساحل السوري ،وتصرح بسحب سفنها العائم في البحر بعد وصول القاذفات الأمريكية ت51،ت52.

فالرئيس الروسي بوتين مع نظيره الإيراني يدينون استخدام الكيماوي ويطالب الحكومة السورية التعاون مع لجنة التفتيش الدولية.   لكن الأهم بأنه لم يصدر أي موقف رسمي عنه بخصوص ضربة سورية القادمة بل توجه في رحلة نحو الشرق الروسي التي تلملم جراها من الفيضانات التي حلت عليها طوال الشهر الماضي، وبقى صمت رجل روسيا القوي  سيد الموقف.

روسيا تصر على الحل من خلال إبقاء الملف السوري داخل مجلس الأمن التي تعطله باستخدام حق الفيتو،وهذا ما طالب به الرئيس بوتين  في قمة دول أل 8 التي انعقدت في روسيا عام 2013في المدينة السيبيرية  “فلاديفستوك”  في قوله  للحضور :”بأنه عليكم الضغط على حلفاءكم كما ضغطنا على النظام السوري من اجل الذهاب الى مؤتمر جنيف “2””. والتحاور السياسي  في المفاوضات من خلال الشروط  التي تطرحها روسيا وبسرعة قبل أن تتغير المعادلة العسكرية على الأرض لصالح المعارضة. فاليوم روسيا بدأت تستشعر بسقوط النظام وبنهايته السريعة، لذا تحاول أن تبقي موقفها السياسي رماديا تجنبا للإحراج في الوسط الروسي وفي الخارج والإبقاء على مواصلة الجسور مع السوريين وعدم حرق الأوراق.

فمنذ اليوم الأول  للثورة السورية لم تكن موسكو مقتنعة بصمود النظام بالرغم من الدعم للامحدود الذي تقدم للأسد .ولكن كان الأسد كلما يشعر بالسقوط يحاول استخدام الغازات السامة وكانت الماكينة الإعلامية الروسية تساعد على التغطية ،ولكن اليوم أضحت روسيا في موقف حرج يمنعها من الاستمرار بهذه اللعبة التي قد تدفع ثمنها غاليا.والجدير بالذكر بان زيارة الأمير بندر بن سلطان لم تكن عادية بل أكثر من عادية وجاءت بناءا على طلب الرئيس بوتين شخصيا الذي طلب من الملك عبدالله التواصل ،فكان الموفد “بندر”والذي قدم عروضا كثيرة لموسكو  كانت تطلبها من الخرب ولكن بعد الخلاف الأمريكي –الروسي،والذي أعلنه الرئيس اوباما عن عدم لقاءه بوتين في أيلول القادم بسبب قضية العميل سندون والتي كانت موسكو تأمل بعقد قمة بين البلدين تسفر عن حل المشاكل العالقة بينهما وبما فيها الملف السوري المأسور لدى روسيا.

لكن زيارة بندر في أوائل أب الماضي إلى موسكو والذي لاتزال العديد من وسائل الإعلام العالمية والروسية منها تحاول تفسير مقررتها وتفك شفرتها حتى اليوم .ربما بدأت تأخذ مفعولها التدريجي في سياسة موسكو وإستراتيجيتها الغائبة نحو المنطقة العربية والتي وضعتها عدوا لها نتيجة الخوف من نمو التيارات الدينية السياسية في روسيا ومنطقة أسيا الوسطى ،وخوفها من تكرار سيناريو الشيشان بطريقة حديثة تضع روسيا في مأزق.

ولكن “الإسلام  فوبيا”  الذي وضعته روسيا عدوا لها فشل في “مصر وتونس وليبيا”،وسوريا لن تكون أفضل وبالتالي بندر فتح أمامها الدخول إلى المنطقة العربية مجددا من البوابة المصرية التي تعاني خلافا مع الغرب والأمريكان بسبب دعمهم للإخوان .وليس البوابة السورية التي تغضب العرب وتضعهم بنفس الخانة الأمريكية . فالزيارة السعودية إلى موسكو أتت من خلال حركة دبلوماسية تقوم بها المملكة في إطار تفعيل الدور العربي وطرح معادلة جديدة إمام الروس.مصر بوابة العالم العربي والشرق أوسطي،مصر العمود الفقري للدول العربية ولمشروعها العربي،يمكن لروسيا إن تلعب دور كانت قد فقدته منذ أيام السادات وبالتالي كانت دعوة بوتين لزيارة مصر وعقد صفقة سلاح كبيرة مع روسيا تقارب 15 مليار دولار، والعمل معا على محاربة التطرف الذي يغزو روسيا ومناطق نفوذها وعدم دعمه عربيا،إضافة إلى عدم الإضرار بسياسة روسيا الاقتصادية وتحديدا تصدير الغاز والنفط إلى أوروبا. والمطلوب من روسيا عدم الاستمرار بدعم نظام الأسد والاستمرار في رفع الفيتو في مجلس الأمن وعدم الاستمرار بسياسة الانتحار بدعم مشروع ساقط.  

 السعوديين نفذوا المقولة القائلة:”الهم إني قد بلغت” ،وربما الروس قد تلقفوا الرسالة وأعطوا إشارات عدة من خلال استقبال وفد الائتلاف الوطني السوري في الخارجية الروسية في 26 تموز الماضي قبل وصول الأمير بندر ، في 25 أب سمحوا لأول مظاهرة في العاصمة الروسية من قبل أحزاب روسية والعارضة السورية تطلق شعارات ضد الأسد وعدم تسليم صواريخ أس 300.

ولكن يمكن الجزم بان الخبراء الروس هم من ساهموا في تركيب الخلطة للغازات السامة التي أعدة في مطار المزه العسكري  والتي ينتهي أثارها بعد 12 ساعة من استخدامها، لعل موسكو كانت تهدف إلى:

-1- ربما لجس نبض الولايات المتحدة على ضرب الغازات في إطار رفع مستوى الحرب الباردة بينهما.

ربما للتخلص من نظام الأسد الغبي الذي أصبح عب ء على روسيا.

لكن هذا كله لا يعني بان روسيا غيرت مواقفها من نظام الأسد، الروس لا يزالون يدرسون كل الأفكار، لان روسيا دولة كبرى لا يمكنها التغير سريعا، ولها مصالحها.

بالرغم من انسحب المبعوثين الروسي والصين من جلسة مجلس الأمن المنعقدة في أب، ومن جلسة 29 أب 2013تلافيا لرفع الفيتو مجددا ،دون أي عمل استعراضي أو تصريحات مثيرة، بالوقت التي  تقول  أمريكا بأنها لا تأمل أي قرار أو موافقة من مجلس الأمن بشان الضربة القادمة .

لكن الموقف الروسي سوف أكثر وضوحا بعد الضربة ،وسنرى السيناريو المرسوم  لسورية القادمة بموافقة روسيا أو بعدم راضها ، و  ما هو الثمن الذي قدم  لموسكو لضمان سكوتها .  فالقيصر الروسي وحده من يكسر الصمت  بعد خروجه عن الصمت.

المقالات التي تنشر تعبر عن رأي اصحابها

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …