سوريا وأوكرانيا.. جبهتان روسيتان
17 سبتمبر, 2015
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
الكاتب/ جاكسون ديل
واصلت القوات الروسية في شرق أوكرانيا هجماتها على الجيش الأوكراني على مدار الصيف، مما تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا، دون رد من الحكومات الغربية، وفي الأول من سبتمبر الجاري، بعد وقف جديد لإطلاق النار، صمتت المدافع فجأة، وتكهن المتفائلون بأن الرئيس فلاديمير بوتين يتقهقر، ثم جاءت تقارير من سوريا تفيد بأن الطائرات الحربية الروسية تحلق فوق محافظة أدلب الخاضعة لسيطرة المتمردين، وبأن روسيا بصدد إقامة ثكنات عسكرية جديدة لها هناك، كما شوهدت سفن روسية تفرغ مركبات مصفحة جديدة.
لقد اتضح أن بوتين لا يتقهقر، لكنه يغير الجبهة ويقوم بمناورات جريئة أخرى تعجز إدارة أوباما عن الرد عليها
ولم تتضح تماماً بعد نوايا روسيا في سوريا، ولا في أوكرانيا التي مازالت تنشر فيها نحو تسعة آلاف جندي نظامي و240 دبابة، بالإضافة إلى أكثر من 30 ألف جندي غير نظامي.
وزعم بعض المحللين أن بوتين يتدخل في الشرق الأوسط مدفوعاً بسبب فشل مسعاه في أوكرانيا، لكن هناك من يرى أن استخدام بوتين للقوة نجح في استدراج الغرب لقبول مطالبه في أوكرانيا، وهو يحاول تكراره في ساحة أخرى. ومن المؤكد أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري هو أكثر الأشخاص الذين شعروا بأنهم خُدعوا من أحدث حيل الكرملين، ففي مايو الماضي، توجه كيري إلى سوتشي، منتجع بوتين المفضل، ليتناقش معه بشأن إيران وأوكرانيا وسوريا. وعندما انتهى الاجتماع جدد كيري التزامه بفكرة أن الحربين في أوكرانيا وسوريا يمكن حلهما عبر التعاون الروسي الأميركي، وأُقيمت قناة دبلوماسية خاصة بين موسكو وواشنطن للتعاون بشأن أوكرانيا بهدف إنهاء الصراع بحلول نهاية العام.
وعلى مدار الصيف، وبينما كانت واشنطن منشغلة بالصفقة النووية الإيرانية، ضغط دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون على حكومة بيترو بوروشينكو الأوكرانية المؤيدة للغرب والمنتخبة ديمقراطياً. وفي سوتشي، قدم كيري تأييداً أميركياً كاملا لتطبيق اتفاق «مينسك2»، وهو صفقة توسطت فيها ألمانيا وفرنسا في فبراير الماضي حين كانت القوات الروسية النظامية تفتك بالجيش الأوكراني. والصفقة مجحفة لكييف لأنها اشترطت تبني إصلاح دستوري يمنح سلطات استثنائية للمناطق التي تحتلها روسيا. وهذا منح بوتين حق الاعتراض الفعلي على الهيكل الأوكراني الحاكم.
ورغم أن روسيا لم تراع البند الأساسي في اتفاق مينسك2، وهو وقف إطلاق النار، فقد ضغطت إدارة أوباما بشدة على بوروشينكو كي يقدم التعديل الدستوري للبرلمان الأوكراني، وقدم الرئيس الأوكراني التعديل وحصل على موافقة البرلمان بتحذيره المشرعين بأن إدارته الهشة معرضة لخطر فقدان الدعم الأميركي. وجاءت الكلفة كبيرة، فقد وقعت احتجاجات عنيفة خارج البرلمان تمخضت عن مقتل بضعة أشخاص، لكن المسألة ظهرت كما لو أن الولايات المتحدة أوفت بعهد كيري لبوتين. إلا أن بوتين رفض التنازل وشكا علناً من أن التعديل الدستوري لم يتم الاتفاق عليه مع وكلائه في أوكرانيا ولم «يغير جوهر بناء السلطة في أوكرانيا»، ولا صراحة أكثر من هذا للإعلان عن مطلبه في فرض النظام السياسي الذي يروقه في أوكرانيا، لكن بدلا من أن يرفض زعماء الغرب هذا وعدوا بمزيد من الترضية.
كيف يترجم هذا في سوريا؟ لبوتين قائمة أولويات في سوريا واضحة. فهو يريد عرقلة أي محاولة من الغرب وحلفائه للتوصل إلى حل يتخلص من بشار الأسد ويجبر نظامه على قبول شريك في «ائتلاف» يتصدى لـ«داعش».
وعرض بوتين هذه الفكرة فيما يبدو على أوباما في مكالمة هاتفية في يونيو. وانخدع أوباما أيضاً وفَهِم أن بوتين مستعد للتعاون، لكن القوات الروسية أصبحت الآن على الأرض في اللاذقية، المعقل الرئيسي للعلويين الذين ينتمي إليهم الأسد. ويؤكد بعض المحللين أن الطائرات الروسية يمكنها تنفيذ هجمات نيابة عن نظام الأسد.
وربما يكون بوتين يرتجل فعلا أو يراوغ، لكنه ربما يحسب أن إدارة أوباما سترد على أعماله الحربية في سوريا بنفس الطريقة التي اتبعتها في أوكرانيا بقبول مطالبه ومحاولة فرض قبولها على حلفائها العرب والسوريين، ولم يبلغ يوتين مراده كاملا بالطبع في أوكرانيا ولا يرجح أن ينجح في إبقاء الأسد في السلطة، لكن إذا كان أحد أهدافه هو إظهار أن بوسعه ابتزاز الولايات المتحدة، فهو يبلي بلاءً حسناً.
-*محلل سياسي أميركي
نقلا عن صحيفة الاتحاد