بقلم : معز محي الدين ابو الجدايل
عندما مرت الذكرى الاولى لانطلاقة الثورة السورية ، وشرحنا في مقالتنا عن الاسباب لاعتبارها انتصارات …. والتي حققتها الثورة تحت عنوان “سنة من انتصارات الثورة السورية”
والان بعد مرور عامين نكرر نفس العنوان نضيف لها كلمة سنة ثانية ، لان مسار الثورة لا يعتمد على تلك الكلمات المختصرة أو المبعثرة من هنا وهناك “طاسة باردة وطاسة سخنة” ، حسب العواطف وردة الفعل الناتجة عنها ، وليس هناك شيء ياتي من العبث كما يقال، لذا الثورة السورية هي محقة وقدر تاريخي يسطره ابناء الشعب السوري، لا يمكن ان ينسب لفرد “شخصية ما” في الداخل او لعامل خارجي كما يريد البعض، انما هي كردة فعل جماعية على مرحلة صعبة مرت بها البلاد ، قرأنا الكثير من التفسيرات للثورة السورية ونجد انها اقرب الى النظرة السطحية والغير معمقة ، ومحاولة لتفسير الظاهرة ليس حسب النظريات الانسانية والواقع الراهن في سوريا وانما مقارنة لتجارب دول عاشت ظروف مختلفة ، بدلا من دراسة الظروف الموضوعية لبلدنا، وانشاء نظرية سورية “تفسيرالوضع الراهن وامكانية الحل ” لحالة اجتماعية جديدة وان كان تشابه في الظاهر ام الجوهر فهو مختلف تماما ، لم تمر بنفس الحيثيات في التاريخ البشري، لذا نعتبرها فاقدة للدراسة العلمية، لاهداف قد تكون معينة “نطلق عليها اهداف سياسية لهذا او ذاك الطرف”.
ان انتصارات السنة الاولى كان في كسر حاجز الخوف وانتشار رقعته بين ابناء الشعب السوري ، اما السنة الثانية يمكن تحديدها بهدم البنية التحتية للنظام القائم وقد حذرنا من ذلك كثيرا بمقالات سابقة وخاصة لاصحاب القرار السياسي في البلد ،عبر مراقبة وتوثيق صحفي مثال : ان استخدام العنف في مثل هذه الحالة هو خطأ قاتل، وبمثابة انتحار والنتيجة هي تدمير كامل لمؤسسات الدولة السورية بدل من اصلاحها، وان كنت انا من انصار الهدم الكامل لهيكل النظام القائم واعادة البناء باسس جديدة ، لان عبر العقود الماضية لم يتم بناء مؤسسات الدولة الا على صفحات الكتب والاوراق، اما في الواقع فكان عملها بيروقراطي وطفيلي ومن جهة ثانية فان غالبية الدول التي مرت بنفس التجربة الديكتاتورية ولم يحصل الهدم الكامل للمنظومة القائمة في البلد ، وبعد مرور عقود فشلوا بعملية الاصلاح والتغيير لادنى حدود يطمح لها ابناء وشعوب هذه الدول.
نحن الان في مرحلة نستطيع ان نطلق على تطور الثورة انتصار عظيما، لكن ايضا لايمكن ان نتجاهل بان تلك العملية مرفقة بعوامل خطرة. “الاخفاق مثلا: نتيجة عدم التخطيط الاستراتيجي والبناء العلمي لهيكل الدولة الجديد ” لذا نحن الان امام سؤال هام وخطير ويجب ان يكون حاضرا في اذهاننا ، ماهو مستقبل البلاد ؟. مثال “القضاء على هذا الديكتاتور او النظام او الغاشم او اي مصطلح يمكن ان نقرأه او نسمع عنه …..” هي جميعها تصب في اطار واحد ، لا يمكن العودة الى الوراء وبما كان عليه النظام القائم ، لذا لكي نتجنب الوقوع في خطاء الفعل وردة الفعل الناتجة عن هدمه ، نضع هذا السؤال الثاني، ما السبيل او الطريق الافضل لنا بحيث يمكن ان نحقق لاجيالنا القادمة مستقبلا افضل وكيف؟. من هنا نجد ان الانتصار الثاني يجب ان يرفق معه دون تاخير الخطوة التالية في البناء لتجنب المخاطر المحدقة باهداف السامية للثورة السورية بشكل اكبر او بتعبير اخر مخاوف اتباع اطول الطرق من اجل بناء سوريا “القرن الواحد والعشرين” قد تدفع ثمنها اجيال اخرى.
هنا لا بد من التركيز في مقالتنا على بعض النقاط … لاجل العمل معا … لبناء مستقبل افضل لاجيالنا ، ودولة لها مؤسسات تحمي ابناءها بعد هذا الانهيار الكامل لابد من الدراسات العلمية ، تتمثل في التحيليلات الدقيقة للوضع الراهن ، البحث عن حلول واجتهادات سورية للخروج بحل المعضلات التي تقف امامنا ومن ثم الاستعانة بالنظريات الحديثة للبناء الدولة اذا كانت تتطابق مع الوضع الراهن لسوريا.
مثال : يمكن لنا جميعا ان نلاحظ ونوثق هنا واقع الامر المحيط بنا، بغض النظر عن التخالف او التضاد في الاهداف ولكن لا بد من الابتعاد عن ثقافة العنف بنفي الاخر ، نجد هنا انتصارا عظيما يمكن ان نحققه وبداية لنتيجة هامة ، ألا وهي ان ينشأ لدينا جميعا الهدف الثاني “البحث عن توافق لهذا التخالف” ، وبناء مؤسسات توافقية وبالتالي نقوم بتجنب تطور الاحداث وانزلاقاتها الخطرة وتفسيرها ضمن هذه القواعد الاساسية للعلوم الانسانية ، وايضا نجيب عن سؤال كيف تم بناء الدول الحديثة والعصرية؟ وكيف يمكن فهم التقاطع مع تجارب مرت بها دول متطورة والتي يامل بهما كل مواطن سوري ، والاستفادة من تجارب تلك الدول المتطورة والتي حققت تقدما على كوكبنا لشعوبها ، والقضاء على ثقافة العنف السابقة ، مثل “العداء للولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي” قد تكون مصالحها الوطنية تتحقق على حساب مصالحنا الوطنية ، ولكن هذا امر طبيعي ان تتناقض تلك المصالح ، وهذا التناقض يجب ان لا يستخدم من اجل رفض التجارب الناجحة لهذه الدول كما كان معتادا، على الاقل في بناء الدولة العصرية وثقافة لدى الفرد يعرف بها حقوقه كانسان متطور يعيش على اسس هذا القرن ، والابتعاد عن تلك الدول مثل ” روسيا الصين وايران وامثالها” والتي تبني الحضارة في مسلسلات رومانسية او روايات يستمتع بها القراء ، وعلى اسس وثقافات اصبحت بالية واثبتت فشلها فكل تلك الدول تعتمد على مبدأ “الهجوم اقوى من الدفاع” لذا ارتأت لان تهاجم الدول المتقدمة في اخطائها السابقة “الاستعمار مثلا” وتحت راية العداء كانت قد حققت المزيدا من انتهاك حقوق مواطنيها عبر الخداع بمصطلحات من هنا وهناك، وسبقت الاعداء في افعالها ضد مصالحها الوطنية.
نحن بحاجة للخروج من المرحلة السابقة “النعيق السياسي” وبوتقة ترديد الشعارات التي لاتضر ولا تنفع كما فعل السياسيين الاشاوس، فبالرغم ان ما تشهده البلاد من تدمير وماساة يسجلها التاريخ وشاهدها العالم على مرآة فاضحة ويلمسها ابناء شعبنا في حياتهم اليومية، وكلمات قد نعجز عن وصفها ، يمكن ان نطلق عليها الشكل الظاهري للحالة و يمكن للجميع ان يلاحظها اي كان منا موقعه ، ويدرك ان هناك نتائج ستظهر عن ردود فعل عكسية نؤكد ان لاحد يمكن التنبؤ بها لكنها محددة بأطر وقوانين اجتماعية الراهنة لكن نستطيع معا ، من خلالها الدراسات العلمية ، اختيار الطرق الاقل خسارة للسير باتجاه الصحيح ولتحقيق الامال المنشودة لتعود بالخير علينا جميعا، وذلك من خلال قراءة جوهرهذه العملية وتفسير الحيثيات الظاهرية الناتجة عن انهيار النظام القائم، سنحاول ان نحددها بالشكل التالي:
اولا : في الظاهر للثورة السورية نجدا ان هناك نظام يقتل ابناء شعبه ، ولكن في جوهر العملية يمكن ان نحددها بذلك : نبدأ بالحديث عن انهيار القاعدة الاساسية لهرم النظام الامني والعسكري وهو الانتصار الاهم في السنة الثانية من عمر الثورة ، كان قد تم الاعتماد على هذا الهرم لفترات زمنية طويلة امتدت لعقود ، المؤسسة الامنية اولا ومن ثم المؤسسة العسكرية” ، فقدت هيبتها وجبروتها اما ابناء البلد ، في الامس القريب ، كان دخول عنصر من احدى الاجهزة الامنية وعلى خصره مسدسا ، يرعب سكان هذا او ذاك الحي، اما الان نجد ان كتائب كاملة من النظام القائم وطائرات واطلاق صواريخ لا تجد لها صدى بين ابناء الشعب السوري، على العكس ارتفاع متزايد في اعداد المقاومة الشعبية
ثانيا : لكل متابع لاحداث الثورة السورية يجد ان قدرالشعب السوري وعظمة ثورته لم يكن فقط في اسقاط النظام وايضا الخلاص من الوصاية الدولية وكشف الحقائق وتعرية مرحلة من الشعارات المنمقة لعقود ممن اطلقوا على انفسهم زورا وبهتا “حركات التحرر” سواء العربية او العالمية”. نشرحها على الشكل التالي:
– على الصعيد الداخلي : في واقع الامر والنتائج التي حصدت خلال العقود الماضية في جميع تلك البلدان التي نهجت “الحزب الواحد” ، يمكن اختصارها من مراقبة جوهر هذه الحركات، كانت اسوا من نتائج التي خرجت بها بلادنا زمن اطلق عليه الاستعمار الغربي، التي تعرضت له في القرن الماضي .
“مثال : كلنا يمكن ان يشاهد انتشار مفهوم العلم ونشوء بوادر النهضة العربية لدى الاوساط الشعبية انذاك بعد الاستقلال ، اما الان نجد ماساة حقيقة بعد تجربة هذه الانظمة ، كردة الفعل – نؤكد انها طبيعية- على تجربة العقود الماضية في المثال الاتي : “كل الصيحات ضد الانظمة تقول ان العلم يتعارض مع طموحات ابناء الشعب في بناء مستقبل افضل” هنا نؤكد انه لا يجوز الوقوف ضدها وانما العمل من اجل كشف الحقائق للمواطنين ، فحل الرفض والوقوف ضد التيار يمكن ان نعتبره بحث عن عدو ، اما العمل على استيعاب الاراء وكشف حقيقة الالتباس وان كان عمل ذو جهد مثقل بالمتاعب لكن النتائج ستكون افضل واكثر دقة للحصول على الامل المنشود.
– على الصعيد الدولي: الوصاية والتي امتدت لعقود وكانت تحت شعارات خلابة تقودها تنظيمات واحزاب طفيلية : مثال “الصداقة السورية وبلدان تلك الدول التي كانت تدعي قيادة حركة التحرر العالمي” والضريبة الباهظة لذلك ، سرقة من ثروات البلاد والعباد لصالح تلك الدول، فهي صديقة وليست مستعمرة مثلها مثل الاستعمار الغربي!؟.
ثالثا : بغض النظر عن تصريحات السياسيين من هنا وهناك ، نجد ان هناك ارتباك في الموقف الدولي ، فالتصريحات السياسية مثلا : للافروف وزير الخارجية الروسية في الازمة السورية فاق عن تصريحات بما يخص قضايا بلده.؟
رابعا : اذا ان الكثير من الدول سواء ايدت على العلن الثورة ام وقفت ضدها تبحث عن مصالحها على حساب الشعب والدولة السورية ، ارتأت لحجب الحقائق عن الناس ووضع الناس في بوتقة نطلق عليها “سجن الافكار الوهمية او النعيق السياسي “. الخيار بين الدولة العلمانية او الدولة الاسلامية وتاجيج الصراع الطائفي، هو من مصلحة تلك الدول وليس من مصلحة ابناء الشعب السوري والمصلحة الوطنية السورية . ومن هنا نصر ان الشعب السوري مازال يحقق انتصارا :
1- الحفاظ على الوطنية السورية والتماسك بين ابناء الشعب السوري وهي فطرية وعريقة لدى ابناء شعبنا، رغم مرور عقود من محاولة تخريبها تحت شعارات براقة غير مفهومة المكان والزمان “القومية العربية مثلا” ، نجد ان تلك الوطنية العريقة مازالت تسيطر على حركة الشعب السوري او تشكل قوة يمكن ان تمثل مصالحها في المستقبل.
2- رغم اننا نؤكد ان الانظمة الديكتاتورية في تجارب جميع الدول كانت قد اعتمدت على الاقليلة في تاييدها، سقوط هذه الانظمة وان كنا سنواجه صعوبات جمة وقد تكون قاسية جدا ، لكن لدى التفسير العلمي لهذه الحالة نجد انها : ما هي الا عبارة نتائح وعن ارث نحمله من المرحلة السابقة ، لذا ان طريق الثورة السورية وخياراتها البدائية هي الاصعب، ولا يمكن غض النظر عن قدرها ايضا ، لكنها الاوفر حظا عن مثيلاتها من الثورات العربية الاخرى ، لان سوريا هي التاريخ وشعبها عظيم الذي نشر ثقافته في انحاء كوكبنا وعبر التاريخ، سوف يستطيع ان يعبر تلك المرحلة بعزيمة وصبر عمره الالاف السنين.
وفي النهاية لابد من نجيب على هذا السؤال ، لماذا الثورة السورية هي الاوفر حظا في بناء مستقبل مشرق لاجيالها.؟
لنقرأ التاريخ فهو ليس بالبعيد ، في مصر وتونس واليمن ، لم يتم هدم البناء الهرمي للنظام القائم ، فقط تم تغيير راس الهرم والممثل بالرئيس لتلك الدول ، وهنا نجد ان المؤسسات والية عملها والثقافة الناتجة عن عقود مرت ، في تلك الدول لم تتاثر بذلك، هي مشابهة لذلك التغيير الذي حصل لدول اوروبا الشرقية، مثال : قام اعضاء الحزب الشيوعي السوفيتي باتلاف البطاقات الحزبية للبقاء على مناصبهم ، وانتشرت شعارات المنادية بالديمقراطية وحقوق الانسان وبعد قدوم الرئيس بوتين بمشروعه الشخصي نجد ان نفس الذين طالبوا بتلك الشعارات يؤيدون ذلك المشروع بحج قد تكون مضحكة للباحث فمثلا : الديمقراطية لا تنفع لشعوبنا “اي انهم تحت القيم الانسانية” ،يقولون ايضا :لم تجلب لنا الا الويلات ، وهي اشبه بذلك المثل العربي الشهير “يقتل القتيل ويخرج في جنازته” بذلك يتم غض النظر على ان الطابور السادس في النظام القائم في تلك البلاد يقوم بتغيير مصطلحاته مع تغييرات الريح القادمة. هم من افشلوا التحول الديمقراطي في البلاد عبر نهب ثرواته لصالح فئات قليلة ، وهنا نصر على من يريد ان يلعب دورا قياديا في المرحلة الراهنة ان يضع في اعتباراته هذا التطور التاريخي ، ويبتعد ايضا عن استيراد المصطلحات المنمقة لهذا او ذاك التيار السياسي ،التي لا تنفع على العكس تماما تضر ، لسنا ضد استخدام العلوم الانسانية ولكن ضد التفسير السطحي لها ، دون مراعاة خصائص المجتمع السوري