كتب د. خالد العزي / لم تكن دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى القمة العربية الثانية والثلاثين زوبعة في فنجان، بل فجّرت صدمة كبيرة للجميع، خصوصاً الصاعقة التي تلقتها روسيا.لم يكن الحدث زيارة ودّية للعربية السعودية، بل تخطّت اهمية الحدث بانه التقى اثنين وعشرين زعيمًا عربيًا في القمة التي تجسّد منبرا واضحا للاطلاع على الأحداث الأوكرانية وجها الى وجه مع قادة العالم العربي.
رسالة للعالم
إن الذين أصروا على دعوة زيلينسكي للقمّة إنما يشيرون الى أن الجامعة العربية ترفض استخدام القوة في تسوية النزاعات، وأنها رسالة سعودية للعالم بأن المملكة تستطيع ان تساهم في الجهود الدولية الرامية لحل النزاعات، وروسيا رفضت إرسال مندوب عنها مكتفية بإرسال البرقيات. ويعكس تواجد الاسد مع زيلينسكي في نفس القاعة، وبدعوة سعودية مباشرة لهما، توجه واضح للمملكة نحو تطوير دورها في حل النزاعات وتغيير مجريات الأحداث السياسية إقليميًا وعالميًا. وتشير كل الأوساط المتابعة والمراقبة للقمة العربية الى أن حضور زيلينسكي قد خطف الأضواء من أمام الرئيس السوري العائد للقمة بعد ابعاد دام اثني عشر عامًا .انها ضربة معلم بالفعل بإرسال الدعوة للرئيس الأوكراني، الذي حلّ ضيفًا عزيزًا على المملكة في ظل قيادتها للعمل العربي لهذا العام وبالتي تلبية الرئيس الأوكراني لا تقل اهمية عن صاحب الدعوة حيث استطاع ان يسمع صوت أوكرانيا وأمام الشعب العربي وأصحاب القرار المباشر في نقل علني للكلمة عبر القنوات والإذاعات العربية التي كانت تميل نحو الدعم غير المباشر لروسيا نتيجة تأثير الدعاية الروسية المؤثرة في وجدان العالم بأن زيلنسكي أميركي يهودي يجسّد أحلام الدولة العبرية.طبعًا لمواقف القوميين واليساريين و الاسلامويين كأن البوصلة التي تعتمد عليها روسيا في تشويه سياسة أوكرانيا ودورها والاهتمام بها بعكس الخطاب الليبرالي الذي يتم تبنيه في العالم العربي الذي يتسم بالوضوح والأفعال.
الخطاب بالشكل والمضمون
لم يـأت الرئيس الأوكراني في حملة ايديولوجية إلى القمة العربية كأنه العضو الثالث والعشرين، بل أتى ليعبر عن موقف بلاده، ورفضه للاحتلال الروسي وعدم الخضوع للاستعمار الجديد الذي تطمح روسيا الى تنفيذه بشتى الوسائل وبكل الطرق غير الديمقراطية وبالدكتاتورية لمحاربة القومية الاوكرانية، ومنعها من النهوض السليم وممارسة الحرية والديمقراطية. فهو أشار الى الموقف العربي الرافض للاحتلال والذي عانى أشد الويلات من هذه الاحتلالات والتدخلات ولم يدخل في لعبة الأسماء لم يتوقف امام الاحتلال الايراني الذي يساعد روسيا في تدمير بنية بلاده ولا دور تركيا الوسيط في الازمة الاوكرانية ولم يسم بالاسم الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، لأنّه يعرف اين يقع الموقف الاسرائيلي ولا يريد فتح باب الصراعات الجانبية مع الدول الاخرى لكي يسميها بالاسم وخاصة الدخول بصراع مع الولايات المتحدة التي دعمت أوكرانيا بمليار دولار ولاتزال بحاجة لدعمها، وليس لكسب تأييد الشعب عربي. فالرسالة التي بثتها القنوات مباشرة باللغة الانكليزية كانت واضحة جدًا بأنه في المضمون دان الاحتلالات ولا يمكن لأي فريق عربي ان يقبل باحتلال أوكرانيا ويطالب بتحرير فلسطين. اذًا وجود الرئيس الأوكراني في القمة العربية له دلالات عميقة ورسالة للعرب بأنّ اوكرانيا المستقبل ستكون بالحد الادنى مدافعة عن القوى التحررية في العالم ولن تكون عائقًا امام قضايا العرب المحقة، وأنّ لكل احتلال نهاية.
أهمية النقاط التي تخللتها الكلمة
وشدّد الرئيس الاوكراني في كلمته على أن هناك كثيرين في القاعة لا يقبلون بتوجهاته التي يطرحها وهو مشيرا بالعلن الى الرئيس السوري الذي يُعتبر دمية بيد الرئيس بوتين نتيجة وجود احتلال روسيا في سوريا ونتيجة ارسال كتائب مرتزقة للقتال معه في أوكرانيا. لقد وجّه الرسالة الى مصر التي نشرت صحف اميركية عن تسرب اتفاقات بين روسيا ومصر بدعم مصر لروسيا ،بالقذائف والصواريخ مقابل القمح الروسي لمصر، لكن الولايات المتحدة اكتشفت الاتفاق واستطاعت تغير وجه الصفقة نحو اوكرانيا بدلًا من روسيا. فإذا كانت المعلومات المسربة صحيحة فإن الرسالة في محلها، وإذا كانت ادعاءات وفبركات اميركية فأوكرانيا اشارت الى أنها ستقوم بدعم الدول العربية بالحبوب والقمح ومشتقاتها من خلال اتفاقيات الغذاء ومن خلال مرافئ اخرى عبر اوروبا، لأن الدعاية الروسية موجهة للجميع بسيطرتها على الأمن الغذائي العالمي غير واقعية . الاحتلالات لا تختلف توقف زيلينسكي في كلمته على مسامع الجميع بأن بلاده تخوض حربا تحريرية ضد احتلال من قبل دولة روسيا، بالوقت الذي لم تعتد أوكرانيا على أحد، ولا تريد اقتطاع اراضٍ من أحد، بل شمل الاقتطاع والاحتلال الروسي الفئة الإسلامية التتارية في القرم وفيما يجلس إلى جانبه في القاعة ممثل عن الأقلية التتارية المسلمة في أوكرانيا، حيث تنتشر فيها جالية إسلامية كبيرة تتعرض للقتل والتهجير كما حال البقية الباقية من القوميات الأوكرانية التي تقف بوجه الغزو .هذا الخطاب كان موجها الى القمة الإسلامية، والدول العربية ذات الأغلبية المسلمة بأنّ روسيا تحتل أوكرانيا وتعاني من هذا الغزو مكونات المجتمع، والقضية ليست كما تدّعي الماكينة الاعلامية الروسية بأنّها تقوم بعملية خاصة ضد النازية او المتطرفين او ضد زيلنسكي اليهودي بل ضد الشعب الأوكراني. توقف أمام العبث الروسي في الدول العربية التي تعيش في سجن كبير من خلال التدخل العسكري الروسي في سوريا والعراق والسودان واليمن وليبيا ، هو لم يسم فلسطين لأن فلسطين عير واقعة تحت الاحتلال الروسي، وقد يكون كثير من الشخصيات التي تطالبه بالوقوف ضد إسرائيل هو لا يخوض معركة بالطريقة العربية، وغير مجبر على الصراع مع إسرائيل من بوابة الجامعة العربية فهو يتكلم مع العالم من خلال كونه رئيس أوكرانيا ويطالب الدعم من قبل كل الناس .طالب كل رؤساء الدول العربية الاطّلاع على خطّة السلام الأوكرانية، والتي تتضمن إثني عشر بندًا والمطالبة بمناقشتها، والاطلاع عليها، فيده ممدودة للسلام، والعرب يعرفون ماذا تعني عملية السلام المفترض السير بها، وهنا التأكيد على خطة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية في العام 2002 الأرض مقابل السلام بطريقة غير مباشرة ، وتطرق بالمضمون للقضية الفلسطينية وحلّها بما يتوافق مع السلام العربي والعالمي المطروح وهذه المقاربة الواضحة بين القضية الاوكرانية والقضية الفلسطينية.
دبلوماسية المملكة في أوكرانيا
إنّ أهم نقطة في الكلمة المقتضبة بأنه شكر المملكة العربية السعودية على الدعوة الموجهة لأوكرانيا والوقت الذي أتيح له في مخاطبة الرأي العام العربي، وكذلك شكر المملكة على التواصل الدائم مع بلاده، وكذلك نجاح الوساطة في إخلاء بعض الاسرى الأجانب لدى روسيا ، وهذا يمهد إلى دور قادم قد تلعبه المملكة مع المجموعة العربية في بلورة موقف واضح من القضية الاوكرانية، والتوجه نحو فرض الخليج العربي منصة حوار جديدة بين طرفي الازمة.ويمكن القول إن زيلنسكي في جدّة قد فاجأ العالم بحضوره وبكلمته، ولم يزر في رحلته إسرائيل كما يفعل باقي الزعماء. لم تكن زيارة عادية للمنطقة باعتبار أن المنطقة العربية باتت ترسم سياستها العالمية الواضحة بنفسها، من هنا فإنّ الدور العربي سوف يكون أكثر تصلبًا في لعب دور سياسي ايجابي لصالح التفاوض بين طرفي الازمة، مما يعني أن زيلنسكي سجل هدفًا ايجابيًا في الشباك العالمية من البوابة العربية. بالوقت الذي اكتفت روسيا فيه، بتوجيه البرقيات للعالم العربي من خلال التقارب وفتح الآفاق، كانت الزيارة صفعة لم تنتظرها روسيا أبدًا، وقد تلقّت صفعة أخرى في اليوم نفسه من قبل رئيس المجلس الانتقالي السوداني أثناء افتتاح القمة العربية حيث قام بعزل قائد قوات الدعم السريع في السودان، باعتباره زعيمًا مليشيويًا متمردًا، مما يعني بأن الجميع التفّ حول الشرعية بعدما كانت روسيا قد عرضت بلادها منصة للتحاور بين الافرقاء السودانيين، وحتى لا ننسى موقف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بهذا الخصوص أثناء دورة الأمم المتحدة في قيادة روسيا في 25 أبريل/ نيسان الماضي، بأنّ روسيا لا تمانع من طلب التدخل السريع في السودان بتدخل فاغنر لمساعدته.