نبيل عمرو / في زمنٍ وصفت فيه العلاقة الفلسطينية الامريكية بشهر العسل، لم تنقطع الرجل الامريكية عن المنطقة يوماً واحد، كانوا يتناوبون على زيارتنا والتحدث الينا وإسداء النصح والمشورة في كل أمر يتعلق بنا، وكنا سعداء بهذه الحظوة التي جاءت بعد هجران طويل وعداءٍ عميق، وتجاهل فظٍ لأبسط حقوقنا الانسانية والسياسية، وخلال شهر العسل هذا أمكن لياسر عرفات الذي لوحق بطائرات F16 الامريكية في اكثر من موقعة، صار بإمكانه ان يقول ” لقد حققت الرقم القياسي في زيارات الرؤساء للبيت الأبيض ووصل الامر الى ان يزورنا الرؤساء الأمريكيون حيث افتتح بيل كلينتون مطار غزة الدولي، وفردنا له العلم الامريكي على واجهة اعلى برج في مدينة غزة، وجمعنا المجلس الوطني ليستمع اليه و لنرد له التحية بإلغاء فقرات من الميثاق الوطني من اجل تحقيق السلام والذهاب الى المستقبل الزاهر بمغادرة الماضي الصعب، كانت الوفود الامريكية التي يستعصي على اي حاسوب حصر عددها وزياراتها تفضل تناول الطعام عندنا حيث المائدة الفلسطينية السخية، ويفضلون المبيت في اسرائيل حيث الامن والثرثرة السياسية التي تستمر حتى الصباح، وحين غادر بيل كلينتون البيت الأبيض يقال انه أوصى بعدم استقبال ياسر عرفات فيه وبالفعل ، قضى ابو عمار نحبه دون ان تطأ قدماه ذلك البيت.
وعلى مدى عقد من الزمان دخلت العلاقة الفلسطينية الامريكية في حالة غريبة من الصحو والغيبوبة، وأطول فترة صحو في حالتها المرضية تلك الشهور التسعة أو العشرة، التي تفرغ فيها زائرنا العزيز جون كيري لمعالجة قضيتنا ملتزما بالوصول الى حلٍ مرضٍ لنا قوامه قيام دولتنا لاستكمال ما ينقص فعليا عن حل الدولتين .
الجميع يعرف النتيجة، ولابأس من التذكير بها ، فالرئيس اوباما أعلن ندمه وتوبته وأعتبر الدخول في محاولة حل القضية الفلسطينية اشبه بإدخال اليد في عش الدبابير، اما وزير خارجيته المواظب فقد اقتصد في منح الفلسطينيين آمالاً ووعوداً كتلك التي منحت في بداية عهده كرئيس للدبلوماسية الامريكية ، وها هو يأتي بعد انقطاع طويل نسبياً قياساً لما كان في الماضي، وجدول أعماله هذه المرة لا يتضمن بنوداً يمكن ان تتحقق او يبنى عليها، فسوف يسوق تجميد اسرائيل لحكاية التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف، وهذه سلعة تقادم زمنها، وسيقدم نصحه بالتهدئة، وإجراءات بناء الثقة من كلا الجانبين، كأن نسحب دبابتنا من حول تل ابيب ليسحب الاسرائيليون هو جنودهم العزل من السلاح ومستوطنيهم العقلاء الحضاريين من الخليل ونابلس وحيث يتواجدون، ولن ينسى كيري اللعبة المفضلة عند الامريكيين والاوروبيين ، وهي حث اسرائيل على منح الفلسطينيين تسهيلات محدودة في المنطقة C ، وكأن الهبة الشعبية الفلسطينية قامت من اجل فتح مطاعم ومقاهي في تلك المنطقة .
ان ما يميز زيارة كيري الحالية عن الزيارات السابقة انها في جزء مهم منها، بلا عنوان فمع من يتحدث كيري من اجل التهدئة؟ هل نجمع له اولياء امور الشبان الذين يقومون على عاتقهم بأنشطة الهبة الراهنة ليتوصل معهم الى اتفاق لإطفاء النار؟
فيما مضى كان لكل شيء في بلادنا عنوان محدد يجري الحديث معه والتوصل الى اتفاقات بشأن اي موضوع مثار اما الان فالأمر صار مختلفا وفي جزء من الزيارة المتعلقة بالتهدئة اكرر وأقول انه فعلا بلا عنوان.