%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF أوكرانيا

روسيا وعلاقتها مع الجوار العربي

روسيا وعلاقتها مع الجوار العربي …

 د.خالد ممدوح العزي ./ تعتبر روسيا دول الشرق الاوسط وتحديدا الدول العربية في هذا المشرق هي منطقة جغرافية مهمة ومجاورة لحدودها ، وتشترك معها بذات المصالح  الحيوية العليا، ولها تأثير على امنها القومي، وعلى اقتصادها في ان واحد، وتنظر اليها باعتبارها بقعة جغرافية متواصلة مع المساحة الاوراسوية المترامية، فالاستراتيجية الروسية المبنية على المصالح الخاصة والنفوذ القومي تجبر روسيا بالنظر نحو الجنوب والغرب ،كذلك العامل الجغرافي يشكل بالنسبة لروسيا سببا هاما من الاسباب التي تدفع روسيا للبحث عن مركز دور وموقع متقدم باستمرار في الشرق الاوسط [1].

فهناك شكل من اشكال التواصل و العوامل المؤثرة في الحراك السياسي الروسي الجديد وفي ظل الصراع القائم على النفوذ والصراع الجيو-سياسي والذي تحاول روسيا اعادة دورها المفقود والمغيب  بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز القطبية الاحادية التي باتت روسية الحالية ترفضها بكافة اشكالها، وتدعو الى توجه جديد في النظام الدولي الجديد الذي بات يشكل خللا فعليا في ظل الادارة الامريكية الحالية[2] .

ووفقا لذلك ،فان روسيا تجبر على الدفاع عن مفاهيم ومرتكزات اساسية تقوي نفوذها في الشرق الاوسط من خلال العوامل الكثيرة التي تحاول الحفاظ على دورها وقوتها في الميزان العالمي من خلال  الدفاع عن الممرات المائية، والمعابر البرية، والاعتبارات الدينية ، وحماية ابار النفط ، بالإضافة الى العامل الاقتصادي الذي بات يشكل الاستراتيجية الحديثة للسياسية الروسية الجديدة التي حلت مكان الايديولوجية السابقة في العصر السوفيتي  .

فان الاعتقاد الروسي الحالي بان الاوراوسيا هي قلب الجيوبوليتيك العالمي، هذا التصور يدفع روسيا بمزيد من الاهتمام بالتوجه نحو الجنوب ذات التنوع الحضاري والديني والثقافي والاجتماعي ،كما يحتوي  هذا المكان على بيئة جغرافية مميزة من الهضاب والممرات المائية والبرية لها مدلولاتها في عالم الجيو- سياسة واحكام السيطرة والنفوذ، ويوجد فيها  عناصر كثيرة من الجذب والاهتمام لروسية[3]، وخاصة بان الجانب الشمالي الشرقي لروسيا متجمد طوال السنة.

فهذه المنطقة التي تربطها حدود سياسية وكيانات مع روسيا لا تختلف نهائيا في تركيبتها الدينية والسياسية والحضارية مع سكانها في مناطق الجنوب والتي تترابط فيما بينها بلغات شرقية، وديانة اسلامية[4] وحضارة تكاد تكون متطابقة مع الدول العربية والاسلامية القريبة من روسيا والتي تعتبرها الاستراتيجية الروسية مواقع نفوذ لها غير مباشرة وخاصة بان الديانة الاسلامية في روسية تشكل حوالي 22% من عدد سكانها.

وبحسب د. لمى مضر الامارة  ترى بان الاستراتيجية الجديدة التي باتت تعتمدها روسيا في علاقاتها الجديدة مع العالم ،تقوم على الركائز التالية[5]:

1-الشعور السلافي وترابطه مع الهواء الارثوذكسي .

2-المدى الجغرافي ، وتحديدا الموقع الاسيوي والأوروبي الأسيوي(الاوراسيا) والحرص عليه.

3- موضوع المياه الدافئة، وحرص روسيا التواجد فيها.

4- اعادة مفهوم الدور الامبراطوري الروسي بشكل جديد ونمط مختلف.

5- التخوف من الاسلام السياسي الذي يهدد روسيا وجمهورياتها في اسيا الوسطى.

6-اعتبار نفسها قوة اساسية في الطاقة .

فمن هنا يرى الروس التركيز والاهتمام على المنطقة العربية المجاورة لحدودها الاقليمية، التي هي جارة لها و تقع على اطراف اوراسيا، وهذه المنطقة (العربية الاسلامية) مع اوروبا السلافية (البلقان ) منطقتان مهمتان بالنسبة لروسيا، وقد ساهمت عوامل عديدة بالتقارب بين روسيا والعرب ولعل ابرز هذه العوامل هي كون الملايين من ابناء روسيا يدينون بالإسلام[6] . وهم اصيلون ، وفي الاغلب منهم يدين بالإسلام السني.

النقطة الثانية ، اغلبية العرب المسيحيين هم من  اتباع المذهب الأرثوذكسي مما ساهم في زيادة الاعتبار عند الروس للأراضي العربية الشرق اوسطية  على كونها امتداد لمهد الديانات السماوية .

ان سقوط الاشتراكية ، وانهيار الاتحاد السوفياتي فتح الباب للتواصل مجددا مع العديد من الدول العربية  التي كانت روسيا غائبة عن تطوير العلاقة معها وفي مقدمتها دول الخليج العربي.

ولعل قرار الرئيس فلاديمير بوتين بإعادة بناء كنيسة صيدنايا قرب دمشق، وانشاء اكبر تمثال للمسيح فيها ، اهم واكبر من تمثال الحرية في نيويورك[7]، وهذا يعبر بوضوح عن مدى الخصوصية في العلاقة بين العرب وروسيا.

وخلال بداية حكم الرئيس فلاديمير بوتين عام 2000 امتد التواصل الجيو-سياسي، والجيو-ديني و الجيو-اقتصادي والجيو-ميديا مع المنطقة العربية ـ

لكن هذا التواصل المتطور في العلاقات العربية الروسية وقع اسير الانتفاضات العربية التي وقعت في الدول العربية عام 2011 ، حيث باتت روسيا ترى بان هذه الانتفاضات  الشعبية هي موجهة ضدها وضد نفوها الجيو-سياسي والاقتصادي.

فروسيا التي تعيش ازمة المؤامرة الخارجية واعتبار كل الثورات هي محركة بدوافع خارجية تسيطر عليها اجندات خارجية يتم تحريكها من الخارج بواسطة اموال ودولارات دون الانتباه للواقع الاجتماعي ، والاسباب المؤدية لتلك الاحتجاجات الجماعية، التي تطرح شعارات اجتماعية قبل ان تأخذ توجهات سياسية .

لكن الملفت للانتباه بان قيادة الكرملين تدين بوصولها الى هذه المواقع للشعب الروسي الذي ثار على الدكتاتورية الشيوعية، واسقط النظام الحديدي الذي كانت روسيا” ودول الاتحاد السوفياتي” تعيش في ظلها ، وفقا لنظام حكم استبدادي دموي تمثل بسلطة المخابرات “ال كي جي بي ” ، فاذا كانت الطبقة الاورلغارشية الروسية الحالية تحكم روسيا فأنها تحكم بنفس التوجهات والعقلية القديمة،  ولكن بثياب ليبرالية جديدة لان معظم القابعون في الكرملين هم من جهاز المخابرات الروسية، ولا يزالون ينظرون بنفس العين لما يحدث حولهم أي النظر بالطريقة القديمة للمشاكل، لكن من خلال نظارة اجنبية جديدة[8].

لا شك بان روسيا الساعية لإعادة نفوذها في مناطق الشرق الاوسط والدول العربية تعرضت لنكسة، من خلال تغيير الانظمة الحالية، ووصول انظمة جديدة باتت تعتبرها خطرا على سياستها ونفوذها، وبدأت تتهمها بانها موالية للغرب.

فالروس الذين سعوا لمحاربة القطبية الاحادية كما هو حال الولايات المتحدة الامريكية التي تربعت على عرش العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسيطرة المملكة الأميركية على العالم، وخاصة بان امريكا كانت تحاول تقليص دور ونفوذ روسيا، والسيطرة على مصالحها دن مراعاة مصالح الدول الاخرى ، فاذا كانت الولايات المتحدة في ايام الحرب الباردة، كانت تراعي مصالح الاتحاد السوفياتي والدول الاقليمية الاخرى، فان سياسة النفوذ الجديدة التي باتت تعتمدها الادارات الامريكية الجديدة وتحديدا بعد بوش الاب كانت تنظر لحل المشاكل من خلال قواتها العسكرية، ومن خلال استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية[9] .

فروسيا البوتينية التي كانت تلملم جراحها بعد الانهيار الذي عاشته بعد سقط الإمبراطورية الشيوعية كانت ترفض دوما ان ترى العالم الجديد بزعامة الولايات المتحدة التي تصرفت على مدى السنوات السابقة على كونها القوة الاساسية في العالم متجاوزة كل القوى الصغيرة التي كانت تعيش الى جانبها على هذا الكرة الكونية التي فرضتها العولمة  [10].

فالدولة الروسية التي مسحت مشاكلها واستنهضت قواها محاولة  بذلك اعادة الاعتبار لدورها وحماية نفوذها ومناطق تواجدها، فاذا كانت روسيا في تسعينات القرن الماضي غير قادرة على الرد والتأثير في مجرى الاحداث الدولية كما ترغب ـفضلا  عن انها لم تكن تبالي للأصدقاء والمصالح  من جراء ازمتها الداخلية، حيث عاشت انهيارا اقتصاديا وماليا ودبلوماسيا واخلاقيا  .

لكن  روسيا في عام 2008  استطاعت اعطاء رسالة للعالم على اعقاب حرب جورجيا بانها لن تسمح بالمساس والاعتداء على مناطق نفوذها التاريخية ايام روسيا القيصرية والشيوعية ،

ولم يمضي طويلا من الوقت حتى اندلعت الثورات العربية والتي سميت بربيع الثورات العربية تيمنا بربيع براغ عام 1968 والذي قمعته روسيا السوفياتية بالدبابات، مما شكل ازمة لروسيا باندلاع هذه الثورات التي تعتبرها مأجورة ذات توجه خارجي[11].

فالثورات العربية لم تكن روسيا تضعها في حساباتها الاستراتيجية كما حال غيرها من الدول التي اربكتها هذه التحركات الشعبية في الوطن العربي وكيفية التعامل معها، لكن الفارق بان روسيا التي تحاول إعادة دورها المفقود دون استراتيجية مرسومة  للمنطقة ، والتعامل مع مكوناتها وشعوبها التي لم يمكنها التعامل مع هذا الحدث المميز ، كما تعاملت الدول الاخرى التي استوعبت الحدث واستطاعت احتوائه بسرعة[12].

فاذا كانت الثورة التونسية والمصرية لم تحدث اي تغيير فعلي في السياسة الروسية والتي كانت تترقب فقط، جاءت الثورة الليبية التي هزت العصا للسياسة الروسية التي وقعت في حيرة في التعامل مع المشهد الليبي، روسيا لم تؤيد الثورة الليبية منذ اندلاعها اكتفت بإعلانها انها ضد اراقة الدماء، ودعت الى عدم التدخل الخارجي. ولكنها حاولت تغيير موقفها عندما بدأت ملامح الهزيمة في ايلول \سبتمبر من عام  2011 ، حيث دعته للرحيل وارجاء المفاوضات مع المجلس الانتقالي[13].

 فروسيا وقعت على الاتفاق الدولي الذي سمح للقوات الاطلسية بالتحرك وضرب القوات الليبية، وعارضت التدخل بنفس الوقت وفقا لسياسة كانت تحاول القول من خلالها بان الغرب لم يأخذ مصالحها بعين الاعتبار، متناسية حقوق الشعب الليبي وتوقيعها على الاتفاق الدولي، مبررة موقفها بان مصالحها تعرضت للخطر من قبل الغرب ،وكأن القذافي كان يعتمد بشكل كلي على روسيا بكل الامور والوسائل الحياتية والاقتصادية،  ـمتناسية بانها متورطة عسكريا في ليبيا وبقتل الشعب الليبي من خلال دعمها لجحافل خميس ووجود مرتزقتها في عداد التشكيلات العسكرية الليبية وتحديدا في سلاح الجو .وكأنها تمارس ازدواجية في المعايير في التعاطي مع الازمة فهي موجودة في ليبيا من خلال التشكيلات العسكرية والمرتزقة السلافية، وهي موقعة على البيان الاممي رقم 1973  الصادر بتاريخ17 مارس\اذار من عام  2011، وبالتالي من سيكون المنتصر في الازمة الليبية سيكون حليفها[14] . 

لكن الاحداث السياسية كانت تشير الى عكس ذلك، فالروس الذين اقحموا نفسهم في مواجهة مع الشعوب شعروا منذ اندلاع انتفاضة ليبيا بان الخسارة واقعة، وحاولوا اجراء الوساطة بين القذافي ومعارضيه في المجلس الانتقالي لكنهم فشلوا[15].

فاذا  كان الموقف الروسي من ليبيا لم يثير غضب العرب بشكل مباشر وسريع ، لكن المشهد السوري كان اكثر قسوة وشدة في اثارة غضب  الشعب العربي، والدول العربية، بسبب التعامل الروسي مع سوريا وشعبها طوال فترة الاحداث التي تسببت بمقتل مليون شخص كما يقول المعرض السوري ميشيل كيلو وتهجير اكثر من 11 مليون سوري في الداخل و4 مليون في الخارج وتخريب البنية التحتية السورية وسيطرة الدماء على كل المشاهد الحياتية السورية[16].

ففي سوريا تحولت الثورة السلمية التي انطلقت من مدينة درعا في 15 اذار\ مارس الى قتل دموي بعد[17] سبع شهور من اندلاع الثورة الشعبية السورية بواسطة التدخل الروسي والايراني المباشر على سير الاحداث.

لقد نقلت الانتفاضة السورية من انتفاضة شعبية الى صراع دولي من الطراز الرفيع وكان لروسيا الدور الريادي في رفع مستوى ما يجري فيها الى شبه حرب عالمية ثالثة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب[18]، حيث عطلت روسيا كل القنوات والمبادرات الدولية الساعية لحل الازمة السورية سلميا[19].

فالأزمة السورية التي اخذت من البداية اطار التجاذبات السياسية بين الاطراف الدولية لتدخل في بازار المساومات الدولية بين الكبار على حساب المأساة القاسية التي يعيشها الشعب السوري ، ويدفع  المواطنون من ارواحهم ومن ارزاقهم حيث بات المشهد السوري اقسى مما كان يتوقع يسبب استمرار الحرب ومستوى عنفها ، لقد كانت روسيا تعلم جيدا بان الملف السوري الذي اطبقت عليه بمساعدة ايرانية وسورية واسرائيلية وبضوء اخضر امريكي كان مفتاحها لحل ازمات عديدة وعودتها الى الحلبة الدولية من البوابة السورية بالدرجة الاولى، وهو مفتاح لإنهاء الازمة الاقتصادية المفروضة عليها مع الغرب من جرى الازمة الاوكرانية ،منذ فرض الحصار الاقتصادي عليها عام 2014 اثناء احتلالها جزيرة القرم في اوكرانيا[20] .

وبالرغم من الاعتقاد الكلي لدى الساسة الروس بان الرئيس الاسد لم يعد له دور في سوريا القادمة لكنهم كانوا متمسكون بشخصه ريثما ينتج اتفاق دولي يؤمن البديل لهم،او يتم انتاج نسخة بديلة لشخص الاسد ونظامه يساعد روسيا في بقاء دورها الجديد في الحلبة الدولية ويبقي الملف السوري بيدهم بالتوافق مع الادارة الامريكية[21].

فالمتابع للعلاقات الروسية في سوريا كان يرى بان روسيا يمكنها في سوريا من استخدام قوتها ونفوذها في حل المأساة التي حلت بشعب طالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ،وكانت روسيا مرت بهذه التجربة وتعلم جيدا بان هذه المطالب باتت حقوق بسيطة لشعوب مضطهدة تعاني من ويلات الظلم والقهر [22].

لكن روسيا كانت تتشدد اكثر فاكثر بالتعامل مع الملف السوري، حيث باتت تبني استراتيجيتها الدولية القادمة على الساحة السورية ، وتبني الاحلاف الجديدة من خلال البوابة السورية ، حيث بات الموقف الروسي مبني على مصالح خاصة من خلال العلاقة مع الحلف الايراني(وميلشياتها) حيث باتت روسيا تحاول بناء تحالف شيعي مقابل التحالف السني الذي لا تزال ذاكرة بوتين ترى بان هذا التحالف السني العربي التركي الباكستاني هو الذي ساهم بتفتيت الاتحاد السوفيتي [23].

روسيا كانت ترى بان هذا الحلف الجديد، والذي بات يعرف الهلال (الشيعي) النفطي سوف يؤمن لروسيا مكانة استراتيجية في عالم الطاقة، وخاصة بعد الاكتشافات الاخيرة في حوض البحر المتوسط بوسطة ايران وحلفائها الذين باتوا يمتدون من ايران في بحر قزوين،  والعراق والنظام السوري وحزب الله في لبنان المسيطر على الدولة. بالإضافة الى الغاز القبرصي الحليف الأرثوذكسي لروسيا، واسرائيل  التي ستكون بحاجة لروسيا في هذا المجال لكي تلعب دورا رياديا من خلال الغطاء الروسي بالإضافة  الى وجود اكثرية يهودية من اصول روسية في هذه الدولة تسعى روسيا لكسبهم  [24]، ثروة هائلة وكبيرة ظهرت في حوض البحر المتوسط ، وعدت روسيا نفسها بها لكونها تؤمن الاستقرار الدائم بوجودها في هذه المنطقة الملتهبة التي تجعل من روسيا حامية للجميع فيها،  لكن الحصار الاقتصادي على روسيا وهبوط اسعار النفط العالمي منع تطوير هذا المخطط مما جعل توجهات روسيا تختلف تدرجيا بدخولها في الحرب السورية المباشرة بواسطة قواتها العسكرية لكي تقوم باستعراض ناري مباشر بواسطة سلاحها الذي تعرض لهزائم متتالية بظل الثورات العربية بالإضافة لعرض سلاحها المتطور في هذه المنطقة التي تعتمد تاريخيا على السلاح الروسي، وهذه منطقة كانت حقل تجارب ناجح للسلاح الروسي [25].

مما لا شك فيه بان السياسة الروسية الحالية وقعت اسيرة لتصورات خاطئة وضعتها القيادة الروسية في مقدمة سياستها والتي تقوم على ان الارهاب الاسلامي هو عدوها  الاساسي، ويهدد ارضها وحدتها متناسية بان الارهاب لم يعد يعرف حدود ولا دول ومقاتلته يجب ان يتم من خلال استراتيجيات تقضي على سبب الارهاب، ولا تستطيع القضاء عليه وعلى جذوره ومسبباته ، وليس الدخول في حرب مع العالم الاسلامي والعربي واتهام الشعب السوري بانه ارهابي ويجب القضاء على الثورة السورية[26] التي باتت تشكل ازمة فعلية  لروسية وتهدد عرش الاسد .

بالإضافة الى ان روسيا كانت تحاول من خلال دخولها في المستنقع السوري من اجل ثلاثة اهدف سريعة:

– التفاوض على الملف الاوكراني وتحديدا المقايضة بالملف السوري، ولم تستطع منذ البداية في هذا الملف الذي بقي مفصولا منذ البداية.

– تشكيل نوع من الضغط الروسي على تهجير كمية كبيرة من المواطنين السورين نحو الدول المجاورة وتحديدا نحو اوروبا الغربية للتوصل الى اتفاق معها لحل ازمة الحصار الاقتصادي .

– كانت روسيا تحاول القضاء على المعارضة السورية سريعا وتسجيل نقطة على الدور الامريكي في اطار العلاقات الدولية  من خلال حسم الملف السوري  لصالحها  وتشكيل نظام تابع لها .

لم تنجح روسيا في حسم معركة سوريا  لصالحها بالرغم من اخذها للوقت الكافي لذلك، و بمساعدة امريكية التي تتنافس معها وديا على حماية الامن الاسرائيلي .

ففشلت روسيا في تبني شعارها الذي قادته منذ البداية وعملت على ترويجه في محاربة التطرف والتكفير الاسلامي[27] .

من هنا نعود لنقول بان السياسة التجريبية التي قادتها روسيا في سوريا وخاصة بعد تدخلها المباشر في سوريا منذ 30 ايلول\سبتمبر في العام 2015 بات تظهر فشلها حيث ظهرت الخلافات العلنية  مع النظام السوري والايراني وحزب الله الذي اعلن مباشرة في اخر خطابات الامين العام السيد حسن نصرالله “بذكرى أربعين مصطفى بدرالدين” بتاريخ 24 حزيران \يونيو الحالي، بانه قاتل السوري والايراني طوال اربع سنوات ولم تكن السوخوي موجودة في سماء سورية.

فالعرب منذ بداية الازمة السورية  حيث كانت الخلافات مع الطرف الامريكي واضحة جدا في ادارة الملف السوري والذي كان لا يرغب في حسم هذا الملف وانهاء المأساة ، كانوا حريصين جدا على ابقاء العلاقة مفتوحة مع الجانب الروسي واشعاره بان لروسيا اصدقاء وحلفاء كثر وضرورة الاعتماد عليهم مما دفع بالمسؤولين العرب بالتوجه الى روسيا حيث باتت موسكو محجة القادة العرب. حاول الخليج العربي تطمين روسيا بانهم يضمنون مصالح روسيا بالشرق الاوسط والحفاظ على نفوذها ومواقعها وساهموا بإعادة العلاقات المصرية الروسية الى الواجهة بعد ان خرج منها السوفييت بالقوة عام 1973.

حاول العرب تهدئة روع الروسي وعدم تضخيم دور الاسلام السياسي باعتبار هذا الاسلام السياسي هو حركة مأجورة، وشركات استثمار عالمية واغلب العرب والسلمين هم في صراع حقيقي معه[28].

 لقد تعاون العرب مع روسيا بموضوع تهدئة اسعار الاسواق النفطية ووقعوا معها اتفاقات بهذا الخصوص، لقد حاول العرب انتزاع حالة الخوف من مسألة ضخ البترول في الاسواق العالمية  في الوقت الذي باتت روسيا تعاني فيه  من اسوء وضع اقتصادي في تاريخها السياسي.

لكن الروس ضربوا كل هذه العلاقات عرض الحائط وحاولوا السير بمعركة قومية دولية خاصة بدورهم من خلال البوابة السورية  حيث كانت كل الدلائل تشير الى كونها خاسرة .

وكما يبدوا الروس اليوم باتوا يعلمون بان سياستهم المتبعة في سورية لن تحقق اي ربح قادم والدخول في وحل سورية لن يحقق لهم سوى الخسائر القادمة وبالتالي اصبحوا يعلمون جيدا بان معارك سورية هي حرب وسخة، فالولايات المتحدة كانت تريد من روسيا تحملها لوحدها، وبالتالي بات الوقت يضيق امام روسيا ، وهي تعلم جيدا بانها لن تحقق اي هدف في سوريا ، وخاصة مع اقتراب موعد الرئاسة القادمة التي ستحسم كل الامور وبطريقتها الخاصة، وخاصة بعد ان تم استنزاف كل القوى والاطراف التي شاركت في الحرب السورية[29].

ومن هنا  فلابد من القول بان على الروس دراسة المتغيرات الدولية والعمل على وضع سياسة استراتيجية تقوم على الحفاظ على مصالحهم ونفوذهم الخاص وان لا يقعوا في فخ نصب  لهم مسبقا لإعاقة دورهم وادخالهم في حروب لا تنتهي مع شعوب الشرق الاوسط كما حصل سابقا في افغانستان ، وفي المقابل على الدول العربية والخليج العربي تحديدا الانفتاح اكثر على الروس واعطائهم تطمينات تبعد هواجسهم التي باتت روسيا تعاني منها وخاصة بظل الحصارات المحكمة التي تفرض عليهم في كل الاتجاهات ،وهذا لا يعني بان يتم التسليم لروسيا وسياستها المبهمة، ولكن المطلوب هو استيعاب روسيا وعدم الدخول  معها في مواجهةـ لان الدخول الروسي الى سوريا لم يكن لمصلحة بشار الاسد بل من اجل مصالح روسيا و الاسد كان جسرا لهذا الدخول الخطأ الذي ورط روسيا في ازمة دولية ويريد توريطها في مستنقع ينهكها ويضعها في مواجهة مع العالم العربي والاسلامي.

المراجع والمصادر:

1-د. وسيم قلعجية ، روسيا  الاوراسية زمن الرئيس  فلاديمير بوتين، الدار العربية  للعلوم ناشرون، بيروت 2016، ص، 164.

2- ناصر زيدان ، دور روسيا ،في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بطرس الاكبر حتى فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم  ناشرون، بيروت 2013، ص، 250-251.

3- ايمانويل تود ، ما بعد الامبراطورية ،دراسة في تفكيك النظام الامريكي، دار الساقية ط1، بيروت 2003، ص ،173-182.

4-د. خالد العزي، الاسلام السياسي وفق الساسة الروسية، مركز المسبار للدراسات والبحوث الامارات العربية (ابوظبي)،دراسة من كتاب الاسلام في روسيا التاريخ والافاق، الكتاب 84 ، 2013، ص ،13-41.

5-د.لمى مضر الامارة ـالاستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة وانعكاساتها على المنطقة العربية ،مركز دراسات  الوحدة العربية بيروت 2009، ص،366.

6-سميح عاطف الزين ،عالمية الايلام ومادية العولمة ،الشركة العالمية للكتاب، بيروت 2002، ص ،94.

7- دور روسيا ،في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بطرس الاكبر حتى فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم  ناشرون، بيروت 2013، ص، 257-258.

8- د. خالد ممدوح العزي ،روسيا وبوتين مصيرا واحدا لمستقبل قادم، مجلة الحقائق بيروت شهرية ديسمبر كانون الاول 2009، العدد 160، ص، 24-25.

9- يفغيني بريمكوف، الشرق الاوسط ،  المعلوم والمجهول ، ترجمة علي عرب وعبد السلام شمباز، دار اسكندرون، دمشق  2006، ص،41.

10-تراتقايز دابة ،السياسة الخارجية الروسية تجاه الوطن العربي بعد انتهاء الحرب الباردة ،رسالة ماجستير الجامعة الاردنية ،كلية الدراسات العليا، 2002، ص،87-88.

11-حنة اندت،  في الثورة، ترجمة عطا عبد الوهاب، المنظمة العربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ط 1 ، بيروت2008 ، ص، 27.

12-الكسندر دوغين، روسيا والجيو-بوليتيك، دار الجديد المتحدة بيروت، 2004،ص،447.

13-مجلس الانتقالي يرفض نشر قوة عسكرية دولية في ليبيا … وروسيا تدعو إلى البدء بالمصالحة الوطنية

14-امين قمورية، ليبيا تستجدي تدخلاً عسكرياً روسياً  ،صحيفة النهار اللبنانية ، 18كانون الأول\ ديسمبر، 2015 .

15-ناصر زيدان، دور روسيا ،في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بطرس الاكبر حتى فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم  ناشرون بيروت ،2013، ص، 288-292.

16-د.جمال وكيم ،صراع القوى الكبرى على سوريا الابعاد الجيوسياسية لازمة 2011، شركة المطبوعات  للتوزيع والنشر ،بيروت 2013 ص ،202-203.

17-روبرت اي. روتبرغ ، سيثد. كابلان، كيف تحولت سورية من دولة مارقة الى دولة فاشلة، ترجمة حازم نهار ، دار رياض الريس للكتب والنشر بيروت، 2014 ، ص، 364 -367.

18- راغدة درغام ، حبل انقاذ دمشق وطهران في يد بوتين، الحياة اللندنية، 5 اكتوبر \تشرين الاول،  2012.

19-نورهان الشيخ، صناع القرار في روسيا والعلاقات العربية الروسية، مركز دراسات الوحدة العربية ـبيروت 1998، ص،113.

20-د. خالد ممدوح العزي ،أميركا وروسيا وتبادل الأدوار من سوريا حتى القرم، صحيفة العرب اللندنية ،03 نيسان\ابريل 2014.   

21-د. خالد ممدوح العزي  ، روسيا ومصالحها الجيوسياسية في سوريا ، 12، اذار \مارس 2014.

22-حميدي العبدالله، دور روسيا في المنطقة خلفيات واثار، مجلة دراسات باحث الفصلية ربيع –صيف ،العدد 42-43 ، ص، 155-170

23-  د.زياد منصور ،خلفيّة التدخّل الروسي في سوريا… مغامرة أم مؤامرة؟! صحيفة الجمهورية اللبنانية ،29أيلول\سبتمبر 2015.

24-د. زياد منصور، يران وروسيا… توجّس من التاريخ وشراكة مصالح أكثر من خيار استراتيجي، صحيفة الجمهورية اللبنانية ، 6 أيار\مايو 2014.

25-حسان حيدر، أردوغان يتسلق القطار الأميركي –الروسي، صحيفة الحياة اللندنية ،   30 يونيو/ حزيران 2016.

26- عزمي بشارة ، في الثورة السورية ،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بيروت 2012، ص،12-13.

27- تسيفي ماغين ، روسيا في الشرق الاوسط سياسة امتحان ،ترجمة مركز باحث للدارسات، بيروت 2013، ص ،36-37. 

28-محمد السماك، السعودية بين روسيا والعالم الاسلامي، جريدة المستقبل اللبنانية ،17 نوفمبر \تشرين 2008.

29- دور روسيا ،في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بطرس الاكبر حتى فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم  ناشرون بيروت ،2013، ص، 243.

 د.خالد ممدوح العزي .

كاتب وباحث في الشؤون الدولية والسياسة الروسية واوروبا الشرقية .

 

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …