د.خالد ممدوح العزي / بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفشل الاتحاد للدول المستقلة الذي تم انشاءه فور سقط الاتحاد السوفياتي عام 1991، السبب يعود بالاساس للخلافات الحادة السياسية والاقتصادية التي برزت بين دول الاتحاد السابق،مما اجبرها عى الدخول في محاور وكتل اخرى “الاتحاد الاوروبي” علها ان تكون البديلة الفعلية لهذا الفراغ الذي احدثه اضمحلال الامبراطورية السوفياتية ، من اجل حل خلافات هذه الدول التي ترتكز عى دول محورية لضمان بقاءها.
لقد اشتد الصراع بينهما بظل تراجع احوال روسيا من جراء هذا الانهيار وحدى من دورها كقوة محورية كبيرة لها مصالحها وأصدقائها،مما اجبر روسيا مرحليا بالتخلي عن دورها وأصدقائها مما سمح للغرب وأمريكا استخدام هذه الدول كممر للوصول للأسواق الروسية .
لكن بعد تعافي روسيا اقتصاديا بسبب الطفرة النفطية وطرح نفسها قوة في مجال الطاقة ،تحاول روسيا استعادة مكانتها ودورها المفقودين على الساحة الدولية ،لذلك عمدت موسكو الى انشاء اتحادات جديدة بديلة لتحل مكان اتحاد الكومنولث معتمدة على التحالفات الاقتصادية والأمنية لتكون روسيا هي الاساس في أي تشكيل يؤمن لروسيا حرية الحركة السياسية والاقتصادية داخل حديقتها الخلفية . فتم انشاء الاتحاد الجمركي والاتحاد الامني وبناء معاهدة شنغهاي العسكرية والأمنية.
الاتحاد الجمركي : مؤلف من الدول الثلاث الأعضاء في الاتحاد الجمركي (روسيا، بيلاروسيا وكازاخستان).
الاتحاد الجمركي انشاء منذ 3 أعوام و أثبت الاتحاد من خلال عمله الاقتصادي برفع مستوى التبادل التجاري بين الاتحاد والعالم
خلال ثمانية أشهر من العام الحالي 604 مليارات دولار، وهو رقم لأبأس به على خلفية التباطؤ العام في مؤشرات نمو الاقتصاديات الكبرى في العالم
في اجتماع قمة مينسك في بيلاروسيا التي انعقدت بتاريخ 24 10 2013
والتي اتفق القادة خلال اجتماعهم في “مينسك” على تشكيل فريق همل مهمته إعداد خارطة طريق في أقصر وقت ممكن لإجراءات انضمام كل من “أرمينيا وقرغيزيا” إلى الاتحاد الجمركي.فان توسيع هذا الاتحاد و ادخال دول سوفياتية سابقة اليه تقع ضمن الاجندة الروسية الطامحة الى بناء فضاء اقتصادي خاص تتحكم به لتمكين قوتها ورسم دورها في معالم السياسة الدولية الجديدة التي تقوم على الشراكة والندية بعد ان سيطرت الاحادية على العالم .
روسيا التي تسعى لإنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي على قاعدة الاتحاد الجمركي، مشددة على اقرار وثيقة رسمية”اتفاقية رسمية بينهم وينبغي أن تعكس هذه الاتفاقية نوعية جديدة من التكامل بين الدول الأعضاء في هذه المجموعة.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلن خلال اجتماع المجلس الاقتصادي الأوراسي الأعلى في مينسك : ” أنه من المهم جدا أن تضع اتفاقية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أهدافا طويلة الأجل للتعاون، وأن تعكس نوعية جديدة من التكامل مقارنة بالصيغة الحالية المتمثلة بالاتحاد الجمركي والفضاء الاقتصادي الموحد.”
بأن الدول الأعضاء تتعهد بانتهاج سياسات موحدة في مجالات التنظيم الاقتصادي الرئيسية.
ويطمح قادة دول المجلس الاقتصادي الأوراسي الأعلى إلى توقيع اتفاقية إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في أيار/مايو في العام 2014.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على الجميع لماذا الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. تكمن مهمة مجموعة دول الاتحاد السوفياتي السابق في منطقة اسيا وأوروبا والتي تربط اسيا بأوروبا عن طريق روسيا،اسس مشتركة من التواصل والروابط بين الشرق والغرب وتعتبر هذه المنطقة من المناطق الواعدة اقتصاديا في المستقبل القريب نتيجة موقعها الجغرافي والسياسي وكذلك موادها الخام .فروسيا تعتبر بان هذه النطقة هي مناطق نفوذها التاريخية ومراكز قوتها في الخروج الى السياسة الدولية الجديدة في عالم يعتمد الاقتصاد والمصالح الخاصة اساسا في علاقته.
في جلسة القمة في مينسك تم عرض مقترح بأن الهند تود مناقشة إمكانية توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الجمركي.وربما هذه خطوة اولى في تطوير العلاقات الاسيوية الاوروبية. “
اما بالنسبة لأوكرانيا لقد كررت روسيا أكثر من مرة دعوتها لجارتها أوكرانيا إلى التخلي عن الشراكة الانتسابية مع أوروبا والانضمام الفعلي إلى “الاتحاد الجمركي”، إلا أن كييف ترفض حاليا المقترح الروسي وتعول على التعاون مع الاتحاد الجمركي في إطار مذكرة تفاهم حول تعزيز التعاون مع اللجنة الاقتصادية الأوراسية، الأمر الذي قد يساعدها في الحفاظ على حجم التبادل التجاري الحالي مع روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان .
فالرئيس الروسي الذي اشار في كلمته اثناء اجتماع القمة :” بان دخول اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي سوف يعكس على علاقتنا بأوكرانيا مما سيدفعنا الى اعادة التفكير بسياستنا وعلاقتنا بأوكرانيا من الناحية الاقتصادية لان علاقة اوكرانيا بأوروبا ستشكل خطرا فعليا على الامن القومي الروسي . بالوقت الذي عبر رئيس الحكومة الأوكرانية نيكولاي آزاروف خلال لقائه نظيره البيلاروسي ميخائيل مياسنيكوفيتش في العاصمة الكازاخسية آستانا :” نحن نعتزم المشاركة في العمل بفعالية، وفي هذا الإطار نحن مستعدون لدراسة مسألة الانضمام إلى نحو 70 اتفاقية يجري العمل بها حاليا في إطار الاتحاد الجمركي” وفق ما نقله المكتب الصحفي للحكومة الأوكرانية.
فاليوم تحاول روسيا نقل هذا الاتحاد الى اتحاد اقتصادي بني عل الشراكة الاقتصادية والتجانس السياسي ن خلال السماح بإدخال دول جديدة اليه . لكن لبد ان نتوقف امام فشل المفاوضات الاوكرانية الاوربية وتأجيل توقيع اتفاقية الشراكة بينما طالما ان اوكرانيا لم تلتزم بالشروط القاسية التي وضعتها اوروبا والتي تعتبر نوع من رفع الايادي للنظام الحالي وإسقاطه وإعادة البرتقاليين مجددا اى الحكم من خلال اطلاق سراح “يويوليا تمشونكو” والتي ستكون المنافس الفعلي القادم للنظام من خلال هزيمة شعبية وسياسية لصفقت الاطلاق المشروطة .
وهنا نرى بان اوكرانيا تحاول الهروب مجددا من هذه الشروط والمجحفة والعلاقة المشروط نحو روسيا التي هي بحاجة فعلية لأوكرانيا ومد جسور العلاقة المقطوعة مع هذه الدولة وطي سنوات الهوة والخلافات التي تتكرر دائما بسبب الاوضاع والمتغيرات الجيو-ساسية والاقتصادية التي تحاول ان تلعب في هذه الحديقة الروسية .
وبظل هذه الحالة المبهمة في سياسة اوروبا نحو اوكرانيا لبد من الاستفادة السريعة من عروض قد تقدمها روسيا لأوكرانيا، وخاصة بان وضع روسيا الاقتصادي المرتفع يسمح بمساعدة اوكرانيا والوقوف الى جانبها لكي تتخطى عروض وشروط اوروبا .
فعلى روسيا ان تبادر فعليا لطرح رزمة كبيرة من العروض الاقتصادية والأمنية والسياسية والدبلوماسية لمساعدة اوكرانيا وإخراجها من هذا الاصطفاف الذي يضغط عليها ويثقلها بشروطه التي لا تنتهي وقد لا يحمد عقباها في القريب العاجل .
ربما تكون قمة مينسك الاخيرة نقطة تحول فعلي في حياة اوكرانيا وعودتها الى مكانها المناسب وممارستها دورها الطبيعي والعمل الفعلي على حل مشاكلها الداخلية والخارجية التي تعاني منها اوكرانيا مذ العام 1991.
كاتب وباحث في الشؤون الروسية ودول الكومنولث .