روسيا في اوكرانيا الشرقية: السيناريو الجورجي وفي سوريا سيناريو الاسد…
23 مايو, 2014
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
د.خالد ممدوح العزي . / لايزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدغدغ شعور الروس بشعارات وجمل قومية تستطيع الرفع من معنوياتهم والعودة بهم الى الماضي حيث يتخيل للروسي العادي بأن سيطرته على اوكرانيا بالقوة من خلال استخدام الحركة والنار قد تعيد امجاد الحلم الامبراطوري المفقود منذ زمن انهيار الاتحاد السوفياتي السابق .
تقوم الاستراتيجية الروسية على استحضار الماضي المسلوب من خلال التصويب على مفاهيم تخطاها الزمن، فالذاكرة تم احياؤها من جديد .
والإعلام الروسي يحاول ممارسة البروباغندا السوفياتية من خلال نعت الشعب الاوكراني بالنازيين والفاشيين والبنديرين(البندرين هم جماعة اوكرانية غربية قاتلوا النظام الشيوعي وتحالفوا مع هتلر وكانوا يسيطرون على غرب أوكراني حتى العام 1958).
تحاول روسيا السيطرة على اوكرانيا بكل الوسائل المتاحة لديها من خلال قضم الاراضي الاوكرانية بالقوة العسكرية، والتي مارستها في شبه جزيرة القرم ، واليوم تمارسها ضد مناطق اوكرانيا الشرقية والتي كانت تعرف” بروسيا الصغيرة”، مرورا بإعطاء الجنسية الروسية لكل الناطقين بالروسية من الاجانب، وقد صدر هذا القرار بقرار رئاسي وتم توقيعه من قبل الرئيس فلاديمير بوتين بتاريخ 22 نيسان \ابريل الماضي . وصولا الى استخدام سلاح الغاز الذي يعتبر سلاح تجويع وخطير جدا، اذا تم استخدامه بوجه الشعب الاوكراني نظرا لأهمية هذا السلاح ولما له تأثير في حياة الشعب الاوكراني نظرا لاعتماده الكلي على الغاز في حياته اليومية، والذي يشكل الغاز الروسي نسبة 44% من واردات اوكرانيا الذي رفع سعر الالف متر مكعب الى 485 دولار قابلا للارتفاع .
يعتمد الرئيس فلاديمير بوتين في حكمه لروسيا على ثلاثة ركائز قوية هي :” البطريكية الروسية “الكنيسة الارثوذكسية ” والمخابرات” والمال ، ويستمد شرعية نظامه بجود هذه المؤسسات الكبيرة والقوية اضافة الى حزبه “روسيا الموحدة ” الذي يسيطر انصاره على مفاصل الحياة في روسيا، ويدعمه احزاب معارضة اخرى في البرلمان لا تختلف معه في تحقيق الحلم الامبراطوري وإعادة الامجاد، “كالحزب الشيوعي “.
عندما يستخدم رجل روسيا القوي الكنسية في حربه الجيو- ساسية ضد اوكرانيا ويخرج البطريرك الروسي “كيريل” ليعلن في كل وسائل الاعلام بأنه لا وجود لما يسمى أوكرانيا مختصرا التاريخي والحاضر والماضي ليرد عليه البطريرك الاوكراني “فيلاريت” من ذات الكنيسة الارثوذكسية بان العدو الاول للشعب الاوكراني هو روسيا، وبوتين يعتمد اسلوبا شرسا ضد اوكرانيا،يصبح المشهد السياسي سوريالي.
فالمشهد الاوكراني الذي نعيشه هو مشهد افلاس للسياسة الروسية في تعاملها مع قضايا شعوب عاشت معها اكثر من 80 عاما ،وكانت شريكا لها في الحرب والنصر والبناء والعادات والتقاليد والدين واللغة والثقافة والتي تعمدت بالدم والحب والزواج المشترك والعيش المشترك .
ففي احتفال خريجي جامعات روسيا والدول السوفياتية التي تقيمه الجمعيات بمناسبة يوم المرأة العالمي في 8 اذار \مارس الماضي وبحضور سفراء هذه الدول التي كانت كلمة السفير الاوكراني فاليري كوفالوف مقتصرة ولم يشارك بالحضور بل قال كلمته في النهاية وقال جملة محزنة اوكرانيا” اليوم تعاني من احتلال روسي”.
الشعب الروسي والأوكراني على مدى التاريخ لم يتقاتلا ولم يصل مستوى الحقد والكراهية بينهما الى هذا المستوى كما هو الحال عليه في هذه الحرب القذرة التي تفرض على الشعب الاوكراني في لعبة الامم والصراع الجيو-سياسي والذي يرفضها الشعب الروسي المتململ من هذه التصرفات والأعمال التي بدأت الاصوات تعلوا في روسيا بوقف هذه المهزلة والاحتكام الى الحوار والمنطق بين الاخوة .
لكن افشال اتفاق جنيف القاضي بحل ازمة اوكرانيا والذي دفع كييف باستخدام الخيار العسكري في محاولة فضل الاعتصامات التي تسيطر على المناطق الشرقية والتي ادت الى سقط قتلى وجرحى سوف يدفع بموسكو برفع السقف عاليا ضد سلطة كييف ويجبرها على الرد بنفس الطريقة تحت عنوان حماية الاقلية الناطقة بالروسية وهذا يدفعنا بالذاكرة الى الثامن من اب \اغسطس عام 2008 عندما نفذ ميخائيل سكاشيفلي نفس السيناريو بدفع الجيش الجورجي نحو اوسيتيا الشمالية والتعرض للأهالي، مما دفع روسيا الى رد سريع وموجع ادى الى اقتطاع هذا الاقليم من سلطة جورجيا والتمركز على بعد 40 كيلو متر من العاصمة الجورجية “تبليسي”.
السيناريو الجورجي هو الحل القادم لموسكو ريثما تنتهي من اعطاء الجنسيات الروسية للمناطق الشرقية والتي ستكون ردا موجعا على سلطات كيف، وحينها سوف تفاوض روسيا الغرب على اوكرانيا الغربية من خلال المصالح المتبادلة بينهما والذي يحكمها الاقتصاد والمال بعيدا عن مصالح الشعوب .
كاتب اعلامي وباحث بالشوؤن الروسية وأوروبا الشرقية.