د.خالد ممدوح العزي / سؤال جول في عقول المحللين والمتتبعين لسياسة روسيا في الشرق الأوسط ، روسيا هل تبحث عن مخرج لسوريا من أزمتها، أو تبحث روسيا عن من يخرجها من أزمتها في سورية ، الموقف السلبي الروسي من الأزمة السورية، والتي لم تستطيع روسيا الفصل بين موقفها المؤيد للنظام السوري، وبين التدخل من اجل حل للقضايا الإنسانية التي تعيشها سوري وشعبها.
جرائم ضد الإنسانية :
فالجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الأسد بحق المدنيين العزل ،تجيب القيادة الروسية بأنه تعرف ولكنها تحاول إن تقول بان الجرائم ترتكب من الطرفيين وتقارن بين بعض الانتهاكات التي تمارسها مجموعات من المعارضة والتي لا تقدر إجمالها ب”5″بالمائة من إجمال الجرائم البشعة التي تنفذه قوات النظام . فالنظرية الروسية تقوم على التسوية بين الجرائم الكبيرة و الجرائم الصغيرة .
فالمراقب السياسي يحتار بمواقف الروس المختلفة في التعاطي مع الأزمات والصراعات والسكوت والتواطؤ مع النظام السوري .
إذا نظرنا للموقف السوري الذي أيد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على أعقاب اغتيال الشهيد رفيق الحرير نتيجة الاندفاع الدولي والتصميم العالمي متابعة الموضع والحد من هذه الجرائم التي نفذها النظام السوري ،فكان على روسيا الموافقة وعدم الدخول في صراع مع المجتمع الدولي ،وافقت وعملت مباشرة على كتابة نص القرار بطريقة مميزة بان الجريمة هي ليست جريمة ضد الإنسانية ،وتم يحيد الأسد من العقاب بحال تورط المرؤوس في الجريمة لا يمكن إن يعاقب الرئيس ،ودفع الرئيس بوتين نصف مليون كمبلغ رمز تعبر عن موافقة روسيا للمحكمة لان روسيا تعرف جيدا بان المسؤول الأول والأخير هو شخص الأسد القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمين العام للحزب ورئيس الدولة .
جرائم الأسد وإحراج روسيا:
لقد حاولت موسكو منذ اندلاع الثورة السورية منع الأسد من استخدام العنف المفرط بحق المتظاهرين ، وخاصة بعدما بدأ باستخدام الطيارات، لكنها فشلت في أن تفرض موقفها على النظام وعندها تلقى حراس الكريملين الصفعة الشديدة من دكتاتورهم الحبيب الذي لم يستجيب لطلبهم ،مما وضع روسيا في موقفا لا تحسد عليه بعد ان أطلقت زئير الأسد في غابات سورية ليظهر عن ايابه ويفترس الأخضر واليابس .
الارتباك سيد الموقف الروسي :
من يراقب المواقف الروسية وتصريحات القادة الروس المختلفين بدأ من تصريح السفير الروسي في فرنسا “الكسندر اورلوف” الذي أكد في حديثة في 12 حزيران 2012 :”موافقة الأسد على التنحي “،
إلى نائب وزير الخارجية الروسية “مخائيل بغدانوف “الذي صرح بتاريخ 12 يناير “كانون الثاني من العام 2013 قناة “الس ان ان “العربية عن سقوط النظام السوري مرورا برئيس الوزراء “ديميتري ميدفيدف”الذي صرح بتاريخ 28 يناير 2013 لقناة روسيا اليوم وهو أقوى تصريح روسيا بشان سوريا والذي قال فيه:”بان الأسد ارتكب خطأ قاتلا بعدم السير بالإصلاحات والنفير الفوري”. وصولا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتاريخ 17 ديسمبر 2012 عن قناة ألبي بي سي والذي قال:”بان روسيا تدرك الحاجة إلى التغير وان عائلة الأسد في الحكم منذ 40 عام ،موقفنا ليس الاحتفاظ بالأسد ونظامه في السلطة بأي ثمن “. كانت تصريحات واضحة ولكن يتم التراجع عنها فورا بعد إعلانها .
الوزير” سرغي لافروف” هو من يكرر باستمرار بان روسيا غير متمسكة بالأسد ولكنها غير قادرة على إقناعه أو إجباره على التنحي، أو إقناع النظام بذلك، وعلى الشعب السوري أن يقرر.
تقاعس روسيا في سوريا:
لقد عجزت روسيا في طرح خطة إنقاذية إصلاحية للنظام ولسورية مما وضعه في مكان الحليف والمدافع عن النظام موقف لا أخلاقي.
-موسكو تمد النظام السوري بالسلاح والعتاد ،وتدعم استمرار يته ،وتغطي أساليب القتل والفتك والتنكيل التي يمارسها بحق شعبه،استخدمت الفيتو 3 مرات لمنع أي قرار أممي يدن نظام الأسد ،رغم كل ذلك فان نفوذ روسيا على النظام السوري وضعيف جدا وليس لها قدرات عليه.فان قدرتها الغير فاعلة على نظام الأسد تجعلها تناقض نفسها بسب فشلها في الضغط على صانع القرارات في سورية ، وبالتالي روسيا تعلم جيدا بان صاحب القرار النهائي في سورية هي إيران،لقد ذهبت روسيا بعيدا في التعاطي مع الأزمة السورية والتي لم تعد تحكم السيطرة على الأسد ولا تستطيع تعريض نفوذها للخطر،لقد باتت روسيا تساهم بالكارثة الإنسانية .
العوامل التي تجعل روسيا تتمسك بسوريا:
تدرك سوريا جيدا بأنها تغامر في سورية ،وانأ الأسد يصعد من مواقفه بسبب معرفته الكاملة لحاجة روسيا له في حربها مع المجتمع الدولي ،ولبيع الأسلحة التي تسدد فواتيرها نقدا إيران وحاليا العراق. الاسد في خطابه الأخير في دار الإبرة السورية في 6 يناير 2013 وضع روسيا في داخل الزجاجة عندما وضعها في حرج أمام المجتمع الدولي بقوله لا تسوية دون الأسد وان خسارة سورية لروسية هي خسارة كل خطوط الدفاع التي يجب أن تحاط مجدد حاول موسكو.
وهذا لا يعني أخفاء دور موسكو للأخلاقي عن الأزمة السورية إطلاقا. لان موسكو وصقور الكريملين يتمسكون بالملف السوري لان العوامل التي تؤثر على القرار الروسي وهي التالية:
1-قوة اللوبي الصهيوني في روسيا وتأثيرها على السياسة الروسية .
2- الخوف من هزيمة في المنطقة كما حدث في أفغانستان عندما تحالفت أمريكا مع الإسلام السنة.
3-الخوف من رياح التغير العربي التي يؤثر عليها في جمهوريات أسيا الوسطى ذات الأغلبية الإسلامية التي تقع في حديقة روسيا الخلفية.
4- استخدام الملف السوري من قبل روسيا من باب المنافسة الدولية “على الحصص والأدوار وطريقة المساومات.
5- الشعور الروسي بالخداع في ليبيا من قبل الناتو والغرب.
دور موسكو القادم في سوريا:
وهنا لبد من التوافق مع ما كتبه المحلل السياسي السوري”أكرم البني ” في مقالته في جريدة الشرق الأوسط اللندنية تحت عنوان ” ما حدود تأثير روسيا على النظام السوري” بتاريخ 13 شباط 2013
نعم المطلوب اليوم من روسيا بان تلعب دورا اكبر ومؤثرا في الملف السوري، وان لا تدخل في اللعب طرفا مفوضا بديلا عن النظام السوري،بل على موسكو أن تساهم سريعا في إيجاد وبلورة حلا جذريا وإنقاذيا لسورية ولشعبها وتخليصها من القتل الجماعي،هذا الموقف سوف يمنع روسيا قريبا من المواجهة المباشرة مع الدول العربية والإسلامية، وهنا السؤال الذي يطرح على موسكو ،هل ستكون على مسافة واحدة من كل الإطراف وتستغل زيارة الوفد العربي القادم إليها بتاريخ 19 شباط 2013 للتباحث في الأزمة السورية ،في طرح خطة إنقاذية لسورية ،وهل موسكو سوف تحاول أن تستفيد من هذا المناخ السياسي، وخاصة على أعقاب اللقاء المرتقب بين الرئيس فلاديمير بوتين – والرئيس باراك اوباما في آذار القادم والذي يمكن أن ينتج عن صفقة كاملة متكاملة بين الرئيسين .
الصفقة الكبرى بين واشنطن وموسكو و التي انتظرها الكثير لحل عديد من الملفات العالقة ، و الكلام الذي طرحه الرئيس اوباما بان كل المشاكل يمكن أن تحل بالسياسة وكان أخرها التلميح لروسيا في خطابه نهار الاثنين بتاريخ 11 شباط 2013 أمام الكونغرس الأمريكي.
لكن تبقى نية روسيا في الحل في مكان، وقدرتها الفعلية في مكان أخر.
لكن بعد دعوة رئيس الائتلاف السوري المعارض الشيخ معاذ الخطيب للتحاور مع النظام بشروط والتي قابلها النظام بالقتل الجماعي. روسيا محرجة من هذا الخطاب ،وحاولت أن تخرج صورة جيدة للعالم بأنها تنتظر أخر شباط في موسكو زيارة كل من وزير خارجية الأسد وليد المعلم ورئيس الائتلاف الخطيب للتحاور في موسكو حسب ما أكده نائب وزير الخارجية” مخيائيل بغدانوف” لقناة روسيا اليوم في 13 شباط 2013 ،والذي لم يؤكدها الائتلاف المعارض حسب ما صدر عن الائتلاف لقناة “السي إن إن العربية “بتاريخ 14 “شباط “2014.
هل سيتم هذا اللقاء فعليا، سؤال يطرح نفسه بقوة اليوم ، وإذا تم هذا اللقاء ،وكيف سيتم الحوار بين المعارضة والدولة ، ومن سيلتزم النظام بقرارات الحوار، وان يحرج موسكو و يبقيها حبرا على ورق لأن النظام السوري خبير في إفراغ المبادرات والاتفاقات والتهرب منها.
بالرغم من دعوات موسكو المتكررة مجموعة العمل حول سورية وتوسيع الدول المعنية بحل الأزمة السورية، والذي أطلقها مخيائيل بغدانوف ،جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 15 شباط 2013 . لكن المشكلة السورية بالأسس موجودة عند روسيا التي لا يمكنها التخلي عن الأسد ونظامه، لان ذلك بنظر صقور الكريملين لأنهم يعتبرون التخلي عن مصالحهم، ولكون موسكو تعتبر إن هزيمة الأسد هزيمة هي هزيمة لموسكو ومصالح.
كاتب وباحث إعلامي مختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث