روسيا البوتينية والثورة السورية: لحظة وداع او تدارك للكارثة السورية …!!!

الثورة ما بين روسيا البوتينية وروسيا السوفيتية :

د.خالد ممدوح العزي / سابقا كان الاتحاد السوفيتي يدعم الشعوب العربية في حربها ضد الاستعمار، ويساعدها على التحرر من نيره ، وفقا لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، مما khalid al ezzi2 أوكرانياساهم بتعزيز العلاقات بين دول المنطقة و الاتحاد السوفياتي التي وجدت فيه نصيرا لها وتعمقت هذه العلاقة إثناء الحرب العربية- الإسرائيلية، فكان الدعم المعنوي والعسكري والسياسي لدول المواجهة مما ساهم في تعميق العلاقات مع شعوب هذه المنطقة العربية والإسلامية، التي حاولت أن ترد الجميل للاتحاد السوفياتي فأطلقت على أبنائها أسماء الأسلحة الروسية والمدن السوفياتية ،وكانت سورية وشعبها في طليعة المؤيدين لنظام الاتحاد السوفياتي من خلال علاقة وثيقة بهذا النظام الذي استمر إلى يومنا هذا ،لكن وراث الاتحاد السوفياتي روسيا الاتحادية ،ووضعت إستراتيجيتها على خدمة الأنظمة الدكتاتورية التي وجدت فيها حارسا أمينا لمصالحها المادية الخاصة التي تتعرض لازمة مواجهة مع الغرب ، فالروس الذين ضحوا بالشعوب العربية ودفعوها لنيل حريتها بالتوجه نحو الغرب وأمريكا الصامتين عن كل الإجرام والفتك بحق الشعوب العربية تحت حجج وهمية وأعداء مصطنعة لتبرير سياستهم ،لقد اختار الروس نظام الأسد وعصابته على الشعب السوري الثائر.

المرض الروسي المزمن :

 بظل الثورات العربية التي سيطرت على اغلب دول العالم العربي والتي سميت بالربيع العربي، لم ينتبه الروس لها، والتي  ساهمت بطريقة سريعة بمحاصرة نفوذ هم في إيران وسورية ،وهذا الحصار الجديد الذي فرض بطريقة عفوية لم يعجبهم ،بل رؤوا بهذه الثورات الشعبية مؤامرة غربية تستهدف وجودهم ،لان الروس يرون في أي تحرك هو مؤامرة ، ونظرية المؤامرة ليست وليدة الصدفة في الإستراتيجية الروسية لان روسيا السوفياتية منذ القديم تعاني من مرض مزمن اسمه قمع الثورات التي تدور في فلكها الجيو-سياسية، انطلاقا من ربيع ثورة بودبست عام 1956 والذي تم قمعها بواسطة دبابات حلف وارسو ،إلى ثورة ربيع براغ الشهيرة عام 1968 والتي تم سحقها بواسطة جيوش حلف وارسوا ،إلى انتفاضة عمال التضامن في بولونيا عام 1980 ،مرورا بالثورات التي عمت في فلك الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الشرقي عام 1989 والتي انتهت بانهيار كامل لحلف وارسوا والاتحاد السوفياتي في تحطيم  جدار برلين .

لقد حاولت روسيا قمع دول الاتحاد السوفياتي عسكريا من خلال قوات إنزالها الجوي التي بدأت تحتل المدن وعواصم الجمهوريات السوفياتية لكن رياح التغير سارعت إلى قلب روسيا التي لم تتمكن من الحفاظ على نظامها الشيوعي والدفاع عن الحزب القائد الذي كان يملك آنذاك 14 مليون عضو ، فكان يلتسين رئيس روسيا أول من نزل إلى ساحة البيت الأبيض في موسكو للتظاهر واجتمع معه نسبة صغيرة من المدافعين عن الحرية وبلغ عددهم حوالي ثلاثمائة ألف شخص  ،وهم من  أصحاب المؤامرة التي  انتصرت  في روسيا والتي تخلت عن الحزب الشمولي لتسير في طريق الدولة الديمقراطية الذين ينتموا إليها اغلب قادتها الحالين ،لكن العقل الروسي لا يزال يفكر ويحلم بالماضي الإمبراطوري والأمجاد الماضية.

بالرغم من كلام الرئيس السابق ديميتري ميدفيديف خريف العام الماضي أثناء استضافة روسيا لمؤتمر السياسة الخارجية في مدينة صارا تف الروسية الذي يقول “لقد تخلينا عن الاتحاد السوفيتي طوعيا لأنه لم يعد دولة منافسة اقتصاديا”… فالسؤال الذي لا نرى له ايجابية في تعامل روسيا مع الثورات العربية، في محاولة فرضها على الشعوب العربية أنظمتها الدكتاتورية وأحزابها الشمولية التي تخلت هي طوعيا عنها .

التورط الفاشل لروسيا في سورية :

روسيا متورطة في سورية للعظم ،يكتب الإعلامي محمد بزيان في صحيفة القدس العربي بتاريخ 26 تموز “يوليو “2012، في مقالته التي تحمل عنوان “الموقف الروسي من الثورة السورية ،وهل تخرج موسكو من المستنقع ، لقد تورطت روسيا مع نفسها في مساندة نظام بشار الأسد كما يقول الكاتب، بحيث لم تعد موسكو قادرة على الخروج من المستنقع التي وضعت نفسها فيه”.

من المؤكد بان موسكو وضعت نفسها في حالة حرب مع المجتمع الدولي والعالم  تحت شعارات وهمية في المحافظة على القانون الدولي وعدم تكرار مأساة ليبيا التي هي شريكة كاملة في التوقيع على قرار الأمم المتحدة رقم 1773 ، لقد حاولت روسيا انتشال النظام السوري من المجازر المتتالية التي ينفذها نظام الأسد  مستندا للدعم اللوجستي والمادي والقانوني التي وفرته له روسيا ،لكن روسيا فشلت في كبح إجرام الأسد مما دفع بالبعض أن يرى في روسيا شريكا كاملا في عمليات القتل.

موسكو التي حاولت من خلال التمسك بالورقة السورية للضغط على المجتمع الغربي الذي يحاول أن يحاصر روسيا والتمسك بالعديد من الملفات التي تحاصر بلد القياصرة وفرض شروطه عليها،موسكو التي تعاني من العديد من المشاكل التي خلقها الغرب لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى يومنا هذا أدى بها وبسياسيها إلى أن تفقد الثقة بالغرب ،مما دفع بروسيا لرفع الصوت عاليا بوجه الغرب، ولكن من البوابة السورية ودعمها للدكتاتوريات العربية في ليبيا وسورية مراهنة على هذه القيادات الفاشلة وترك الشعوب العربية التي كانت ترى بموسكو حليفا دائما لها ،والتي تكن العداء الكامل للغرب وتحديدا أمريكا بسبب دعمها المفرط لإسرائيل ،وبالتالي اعتمدت السياسة الروسية حسابات خاطئة جدا ترتكز على روح المكابرة والتعالي في حربها مع أمريكا من خلال التشدد بالملف السوري الذي ساعد الأسد على ممارسة الإجرام المفرط بحق شعبه ووضعها في خانة الزاوية. 

روسيا في معركة الدفاع عن إيران :

بظل تصاعد المعارك العسكرية وتقهقر قوات نظام الأسد أمام الجيش الحر ومع سقوط العديد من الطائرات الروسية في سماء سورية بدأت موسكو تستشعر الخطر أكثر من أي وقت مضى، لان روسيا تعرف جيدا بان سقوط النظام السوري الذي بات لا محال أمام التحالف العربي والتركي والغربي سوف يهدد موقعها الأخير في أسيا والذي تعتبره النقطة الأخيرة لها المشرفة على العالم الخارجي وهي إيران ،طبعا روسيا تعي جيدا بان مصالحها بخطر وهي متسعة من قبل الغرب وبظل تعند إيران وعدم تعاونها مع المجتمع الدولي بشان ملفها النووي، يزيد الخناق على روسيا وخاصة بان روسيا تعي جيدا بمخاطر هذا الحلف الجديد القديم والذي شكل بالأصل عام 1978 عندما احتل السوفيت أفغانستان ونشاء هذا التحالف لدعم الثوار الأفغان الذين حققوا نصرا قويا على السوفيت ،مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي لاحق،واليوم وريث الاتحاد السابق روسيا لم تستفد من الدرس الموجع الذي تلقته في أفغانستان وذهبت تغرد في سوريا مشاكسة المجتمع الدولية.

روسيا و مصالحها المالية فوق كل اعتبار :

روسيا تثار من العرب في سوريا الذين لم يبرروا معركتها في الشيشان الذي خضتها في الإقليم عام 1993 و تعتبر بان العرب هم من ساهم في دعم هذه المجموعات الإرهابية التي لا تزال تقارع روسيا في الجنوب الروسي المسلم ،طبعا روسيا ترى الخطر يداهمها من خلال هذا الحلف الجديد الذي يدعم الثورة السورية وتحاول مقاومته من خلال محاولتها حل الأزمة بطريقتها الخاصة والتي تغلفها تحت حماية القانون الدولي والحوار السياسي بين القوى المتصارعة .  لكن روسيا التي ذهبت بعيدا في مسك الملف السوري ترى أولا وأخير بقاء الأسد ونظامه في السلطة السورية من خلال إجراء بعض عمليات التجميل في الدولة السورية على طريقة نظامها الدكتاتوري المغلف بالتوجه الديمقراطي ،فالأسد هو ضمن بقائها في سورية من خلال التغلغل في الدولة السورية وإبقاء جسر العبور بين النظام السوري ونظام الملالي الإيراني التي تربطها بهم علاقات اقتصادية ومالية حصريه بروسيا.

 روسيا تعلم جيدا بأنها خرجت من المنطقة العربية شاء من شأ وأبى من أبى، ولكنها تحاول من تقليل إخطار هذا التحالف:” التركي العربي الغربي”، الذي يحمل في يده العديد من أوراق الضغط ، وخاصة بان روسيا تحارب على عدة جبهات مفتوحة مع هذا المحور ،مثل مشاكلها في أوروبا الشرقية والدرع الصاروخية والديمقراطية والشفافية كل هذه الملفات موجود بيد الغرب،فالعرب يملكون أيضا أوراق عديدة مازالت لم تعلن في حرب الضغط على روسيا ومنها:” عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان ،الاعتراف بكوسوفو ،أسيا الوسطى وربيعها المنتظر، القوقاز وإسلامه الثوري التصاعدي ،واللعب بسعر الغاز والنفط” .

نقلا عن جريدة الرواد اللبنانية العدد 68 الصفحة 17 التاريخ 7 ايلول سبتمبر 2012

كاتب وباحث إعلامي مختص بالإعلام السياسي والدعاية

شاهد أيضاً

عدنان

رحيل الدكتور عدنان كيوان.. والجالية السورية في كييف تنعى الفقيد

عمت حالة من الحزن والتسليم بقضاء الله وقدره أوساط الجالية السورية والعربية والإسلامية في أوكرانيا …