د.خالد ممدوح العزي / تعكس تحركات الدبلوماسية الروسية وتحركات وزيرها وعميد دبلوماسيتها إلى المنطقة العربية منذ مطلع الشهر الحالي مدى عمق الازمة السياسية الروسية وموقفها المبهم نحو الأزمة السورية ومحاولة إدارتها لهذا الملف الملتهب بسيرها في حقل مفخخة بالألغام التي تعيق حركتها وتخفف نبرتها المتصاعدة، فالجولة الأولى التي جاء بها لافروف إلى مصر ومن ثم إلى الأردن بتاريخ 5 تشرين الثاني نوفمبر2012 والثانية إلى الخليج العربي بعد اسبوعين الى لقاء وزراء مجلس التعاون الخليج فشلت فشلا ذريعا بسبب خطاب روسيا ألازدواجي من الملف السوري، انتهت الجولة بتهديد لافروف بعدم الذهب مجددا لمجلس الأمن كي لا تستخدم روسيا حق النقد مجددا ،وكان روسيا تحاول أن تبيع الايس كريم في فصل الصيف وهو ذائب ،فالذهب الى دول الخليج ومحاولة الاقراب من المعارضة التي ترى بان المعارضة مسؤولة عن تأزيم الوضع السوري والنظام لا دخل له يعني الاعتراف الروسي الضمني بقوة المعارضة وضعف النظام بالرغم من محاولتها السير باتفاقية حنيف التي نعاها نظام الاسد نفسه فروسيا تعيش خارج الجغرافيا والتاريخ.
: الخطاب السياسي الروسي
يتمتع الخطاب السياسي الروسي بالازدواجية التي تمارسها في السياسية لكونها تدافع عن شرعية القانون الدولي ولا تتمسك بشخص معين ،ولكنها بالوقت ذاته تتمسك ببقاء الدولة السورية وعدم انزلاق سورية نحو حرب أهلية مذهبية وهي التي روجت لهذه الفكرة منذ انطلاق الانتفاضة السورية في 15″ آذار” مارس 2011،ولكنها بالوقت نفسه تحاول من جديد أن تفرض على المجتمع الدولي بأنه لا حل دون الأسد وعلى الشعب السورية إبعاده وفقا لانتخابات ديمقراطية يضمن فيها الأسد بقاءه إلى الأبد مما شجع الأسد مجددا بالتوجه نحو الدول العربية ليته يستطيع تسويق الأسد مجددا من خلال لقاءه برئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب لعله يرى فيه معارض يقبل الجلوس مع الأسد في حوار بعد أن فشلت روسيا أيجاد معارضة منبثقة عن النظام يتحاور معها ،لكن حجاب التي راهنت عليه موسكو هو من صرخ بوجه سيرغي لافروف في عمان وقال له انتم من شجعتم الأسد على ممارسة القتل والدمار ولا يمكن الجلوس مع قاتل ،فكانت الصفعة قوية للملا لافروف الذي يعطي انطباعا للعالم بأنه مع الأسد حتى لو انتهى الأسد من الوجود . لافروف الذي كان يتكلم مع كل الوفود المعارضة التي حاولت أجاد مخرجا للازمة السورية بأنه لكلام دون الكلام عن الأسد شخصيا ، هو اليوم يتلقى الصفعة تلو الصفعة، السياسة الروسية في المنطقة أضحت ضائعة وخاصة بعد توحيد المعارضة وتشكيل الائتلاف السوري والاعتراف الدولي به ،إضافة للانتصارات التي تحققها المعارضة العسكرية في الداخل وتقهقر قوات الأسد أمامها باتت موسكو مربكة وحرجة من موقفها اللاانسانية وللااخلاقية نحو الشعب السوري.
موسكو تقود جبهة الموجهة في سورية:
عندما استهدفت خالية الأزمات السورية في دمشق في 18 حزيران “يونيو” 2012 وقتل قادة النظام الآمنين ضن العديد بان مستوى العنف سوف ينخفض والعمليات العسكرية سوف تنخفض حتى يتم تعين قيادة جديدة تنفذ خططتها ،لكن تبين العكس بان مستوى العنف والقتل تطور ولم يتأثر بأي شيء، فكان القادة كانوا رموزا سياسية وخالية الأزمات لم تمس ،وهذا يدل بان الخالية التي تقود الحرب في سورية هي خالية غير موجودة في سورية . وهذا يدل على مدى تورط الروس في قيادة الخلية جانبا إلى جانب مع قادة الحرس الثوري الإيراني . بالرغم من كون الوضع السوري أضحى في حالة من الخطر بسبب المعارك العسكرية المنتشرة في كافة أنحاء القطر السوري، وبالرغم من الدعوات المستمرة من كافة دول العالم في تحذير رعاياها من السفر إلى سورية وإقفال سفارتها وسحب رعاياها، لكن الروس لم يرسلوا أي تحذير لرعاياها ولم يقوم بأي خطوة تدل على ذلك بالرغم من توقيف أسطولها الجوي بتاريخ 6اب “أغسطس”2012 من السفر إلى دمشق معللين ذلك لأسبب مالية خاصة تعود لترجع طلب المسافرين على متن هذه الطائرات ، وبالرغم من تصريح قائد هيئة الأركان الروسية السابق نيكولاي ماكاروف بتاريخ 28 أب أغسطس 2012 :” روسيا لا تريد إن تقلص وجودها في سورية وكل الإخبار التي تصدرت وسائل الإعلام الروسية غير صحيحة والروس لن يهربوا من سورية وما يزالون باقون حتى النهاية” ،فالروس لا يزالون مطمئنون للوضع في سورية وان الحالة لا تزال تحت السيطرة وإنهم يسيطرون على الوضع العسكري وهذا ما يدل بان الروس مع الإيرانيون هم من يدرون غرفة العمليات العسكرية الخاصة ،أو بما بات يعرف بخالية الأزمة الخارجية ، فان طريقة القصف والقتال التي تعتمد في سورية اليوم ،هي نفسها التي اعتمدت في حرب الشيشان عام 1994 ،وفي إسقاط المدن واحتلالها والابتعاد عن المواجهة المباشرة كما حصل مع مدينة غروزنا العاصمة الشيشانية التي تم إسقاطها والانقضاض عليها بعد مغادرة مقاتليها والمدافعين عنها من خلال أنابيب الصرف الصحي ،عندها دخلها جيش بوتين رافعا شارة النصر .وهذه الطريقة الموروثة من الجيش الهتلري في التدمير استخدمها الجيش السوفيتي في الحرب على الفاشية لتحرير أوروبا الشرقية ،وورثها لكل الجيوش الدكتاتورية في تعاملها مع شعوبها.
فالخطاء الكبير من قبل الجيش الحر انه تبنى عملية اغتيال القادة في خلية الازمة واثلج قلب الاسد مدبر العملية بواسطة الروس الذين اكتشفوا علاقات هؤلاء بالغرب وتحديدا فرنسا التي كنت تراهن دائما على تحرك عسكري وهذا ما اكدته هروب بشرة السد واولادها الى الامارات العربية ،وتأكيد زوجة داوود راجحة وزير الدفاع الشكلي بان زوجها قبل المهمة مرغما.
روسيا وسياسة شراء الوقت:
الروس يشترون الوقت لحماية يشار الأسد ونظامه لكونهم يعتبرون بأنه سيحقق نصرا مبينا وهم يحمونه بالفيتو الذي رفعه ثلاثة مرات ويحاولون إبقاء الملف السوري في مجلس الأمن وهم يوافقون على كل مبادرة دولية ، ولكنهم ينقضون عليها بأنفسهم وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي “سرغي لافروف “في خطابة في الأول من أيلول”سبتمبر”2012 في معهد الدبلوماسية في وزارة الخارجية بمناسبة بدأ العام الدراسي الجديد في روسيا:” بأنه من السذاجة جدا من يعتبر بان بشار الأسد سوف يوافق على إطلاق النار أولا لان ذلك يعني الاستلام “.هذا شيء جديد باللغة الروسية في تغير سياستها نحو خطة عنان التي دافعت عنها للرمق الأخير والتي تنص أولى بنودها على وقف إطلاق النار.
سورية بين الإعلام والسياسة الروسية:
يؤكد غنادي زيوغانوف الأمين العام للحزب الشيوعي الروسي أثناء مؤتمره الذي عقد بتاريخ 27 أب أغسطس 2012 في موسكو المنقول مباشرة على قناة ” فيستي” روسيا 24الفضائية ، بمناسبة الاستعداد لانتخابات محافظين المدن الروسية :”أننا نؤيد الدور الذي يلعبه النظام في قدرتهم على الصمود أمام الهجوم الغربي في دعم حليفنا السوري الوحيد الباقي لنا في الشرق الأوسط ،وسنكون اكبر الحقراء إذا سلمنه لأمريكا بعدما خسرنا حلفائنا كلهم في العالم والذي كان أخرهم النظام الليبي والتي خسرنا معه سنويا 20 مليار دولار سنويا “. طبعا فان تقدير المعارضة لدور الرئيس بوتين وحكومته في التعاطي مع الملف السوري بالرغم من الاختلاف العمودي والأفقي مع النظام بكل الملفات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية فهذا يدل ويؤكد بان الروس ماضون حتى النهاية في حماية النظام الحالي فالإشارات الروسية التي تصدر عن القادة الروس ما هي إلى تبادل ادوار من اجل كسب للوقت للنظام لحل الأزمة السورية من خلال الملف الأمني والعسكري الذي أقنعهم بها النظام لكونها الطريق الوحيد والسريع لسحق الثورة السورية ،فالغطرسة الروسية والعربدة الدولية نابعة من عدة نقاط أهمه:
1-ضعف الموقف الأمريكي إبان الحملة الانتخابية الأمريكية وعدم تشجع أوباما في الدخول في مغامرة عسكرية جديدة في المنطقة.
2-الإخفاق العالمي في مجلس الأمن الدولي في إيجاد حل سلمي للازمة السورية، أو الاتفاق السياسي على مخرج حقيقي يحمي الشعب السوري بظل المشاكسة الروسية الدولية والفيتو المزدوج الصيني –الروسي.
3-الاتفاق الأمريكي –الإيراني الضمني الغير مبرم في أفغانستان نعلى ضمانة سلامة المائة ألف جندي، لعدم اتخاذ أي قرار سياسي عسكري في سورية يعرض حياة هؤلاء الجنود لابتزاز إيراني.
4-النظرة الروسية للأمن الإسرائيلي الذين يرنه فوق كل اعتبار، مما يتوافق توجههم السياسي هذا مع التوجه الأمريكي لان الموافقة الإسرائيلية لم تعطي موافقتها بازلت هذا النظام طالما لم يؤمن نظام بديل يحمي الأمن الإسرائيلي.
التشابه في الطرحين العبري والروسي:
ومن يتسنى له متابعة للإعلام الصهيوني الذي يخرج يوميا بالمنشآت العريضة على صفحاته الأولى، بان الإرهابيين أضحوا على الحدود الإسرائيلية،وهذا ما يؤكده دوما المستشرق الروسي ومدير معهد الدراسات الشرق الأوسطية يفغيني ساتانوفسكي والضيف الدائم على قناة روسيا اليوم، الروسي الجنسية والصهيوني الهواء ،فإذا يقول بأنه ضرورة توقيف تمويل الإرهابيين المسلمين من قبل كل من السعودية وقطر وتركيا ،لأنه من مصلحة إسرائيل أن تكون سورية مستقرة مع الأسد أو بدونه.
ومن يراقب الحياة السياسية والإعلامية الروسية يرى جيدا بان النقطة الوحيدة الجامعة بين المعارضة والنظام الحالي هو الاتفاق على سوريا ،بالرغم من النقد والخلاف في كل المواضيع مع نظام بوتين لكنهم متفقون على الدور الريادي التي تلعب روسيا بالنسبة لسورية.
بالرغم من الإشارة التي ترسلها موسكو للعالم بأنها مستعدة للتفاوض على مستقبل روسيا لكن التصرفات تدل عكس ذلك تماما لان روسيا راهنت وترهن على نظام الأسد كما يراهن لاعب الكازينو على كل أملاكه فالروس هم لاعب مقامر أو تاجر من تجار البندقية كما وصفهم الكاتب الانكليزي وليم شكسبير … فالروس يقدون السياسة في سورية وفقا لمصالحهم الاقتصادية والمالية وليس وفقا لم يدعون بأنهم يدافعون عن القانون الدولي والسلم العالمي ،فالذي يتابع الإعلام الروسي والساسة الروس يرى ذلك بوضوح فالروس ذهبوا بعيدا بتمسكهم بنظام الأسد والابتعاد عن الشعب السوري ،من خلالهم الدفاع المميت عن النظام وأفعاله، إضافة لتصورهم الخاص في وجود عدوي وهمي يحاربهم كما هو حال سرفانتوس الاسباني كاتب قصة الدون كيشوت الشهيرة التي تتحدث عن عدو وهمي “طواحين الهواء” يحاربها البطل سرفانتوس.
وهذا ينطبق على الشعب العربي وتحديدا السوري العدو الوهمي للسياسة الروس بكونه ” إرهابي وسلفي” ، فالإسلام السياسي ليس عدوا لروسي وشعبها لكن ساسة روسيا تبنوا وجهة نظر الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية التي تناسب روسيا ذات التعدد الديني و الذي يعيش فيها 20% من المسلمين السنة إضافة إلى 5 جمهوريات في وسط أسيا تسيطر عليها روسيا من خلال أنظمة دكتاتورية تسعر فيهم النار تحت الرماد.
السياسة الروسية ،الأزمة السورية:
فالروس يعتمدون في صقل سياستهم الخاصة كما أشار “غينادي غاتيلوف” نائب وزير الخارجية الروسية في إحدى مقابلته على قناة روسيا اليوم الفضائية بتاريخ 27 تموز يوليو 2012 :”بان أي أزمة داخلية أو نزاعات وصراع داخلي بين الدول العالمية يجب إن تحل داخليا بين المعارضة والنظام.”
السياسة الروسية التي تركز على أساس الحوار والجلوس على طاولة المفاوضات لتجميع الأطراف المتحاربة في سورية دون شروط مسبقة ومناقشة كل الأمور المتعلقة بسورية من خلال تصريح الوكيل الحصري التجاري الروسي في الشرق الأوسط الوزير قدري جميل بتاريخ 21 أب أغسطس 2012 من موسكو أثناء زيارته السريعة التي قام بها ومع فد المعارضة السورية الرسمي الممثل :”بنائب رئيس الوزراء وزير التجارة السورية السيد قدري جميل ،ووزير المصالحة الوطنية علي حيدر “بتصريحهما :”الجميع مدعوا للحور الجدي والفعال لمناقشة الوضع السوري دون شروط مسبقة بما فيها مناقشة بقاء الأسد أو تنحيه” وعدم استقصاء احد من هذا الحوار”، ولكن الروس قد نسوا بأنه لا يوجد كائن اسمه التفاوض يتم التفاوض عليه دون شروط مسبقة ، فالتفاوض في علم الأزمات يلزمه قاعدة أساس للتفاوض على أساسها يجري التفاوض لتحقيق أهدافها، فكيف يمكن التفاوض مع دولة حاكمة وشعب ثائر دون تنازل من نظام الحكم.
روسيا مستمرة بدعم الا حتى لو انتهى:
الموقف السياسي الروسي لم يكن يوما يتعامل على كونه موقفا أخلاقيا أو إنسانيا بل اعتمد كليا على المصالح الاقتصادية والشخصية في تعامله مع الملفات العامة للدول الأصدقاء، فان صرخة حجاب بوجه الدبلوماسية كانت صرخة كل الذين يتألمون من مواقف روسيا التي تمارس تجارة الخردة، فان تاريخ الشعب الروسي المعطاء والجبار لا يدلل على هذه المواقف المالية والاقتصادية البحثية ليعلم شعبا أنجب :”تولستوي وغوغل وبوشيكن والكسندر بلوك ودوستيوفسكي وانا اخماتفا” ،والعديد من العظماء والجبارين الروس فان الشعب الذي قاد نصرا عالميا على كل الجبروت الهتلري النازي، وحرر أوروبا من الفاشية والدكتاتورية مرتين، شعب انهى إمبراطورية القياصرة وإمبراطورية المخابرات السوفياتية القمعية الشمولية، يعلم بان ربيع الشعوب أتيا لا محال وان الربيع السوري سوف يزهر كل أنوف الممانعين والواقفين بوجه إرادة الشعب ،فالربيع سوف يزهر في حقول سورية الخضراء وأطفالها سوف يعلمون بان السلاح الروسي هو من قتل أهلهم ودمر قراهم ومدهم والفيتو الروسي هو من أطال عمر الطاغية وساعده على القتل.
الشعب السوري لن يتراجع في ثورته التي سوف يكتب لها النصر القريب بغض عن السيناريوهات المختلفة التي لا نريد الوصول إليها بالرغم من الإجرام السوري الرسمي والغباء الروسي المستمر .
كاتب وباحث إعلامي مختص بالإعلام السياسي والدعاية