د.خالد ممدوح العزي / بثت قناة روسيا اليوم الفضائية الروسية بتاريخ 10 نوفمبر تشرين الثاني 2012مقابلة خاصة مع الرئيس بشار الاسد كان يهدد من خلالها ويحتمي بموقف روسيا الذي لايزال لا يرى حلا للازمة السورية سوى بوجود الرئيس الاسد على طاولة حوار ،فالأعلام الروسي والسياسة الروسية مسخرة لخدمة مصلحتها من خلال الاسد التي كنت قناة روسيا اليوم اضافة لقنوات ووسائل اعلامية روسية كثيرة تحاول ان تعطي منفذا اعلاميا لسياسة الاسد والموقف الروسي الداعم له. فالسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الدعم التي ستقدمها موسكو للأسد بعد مقابلته الخاصة ومواقفه التهديدية للمنطقة والعالم كله
الإعلام الروسي في خدمة نظام الأسد.
من يتابع الإعلام الروسي بكافة أنواعه يرى مدى التغير الذي سيطر على في التعاطي مع الأزمة السورية لقد سيطرت لغة العسكر على الخبر السوري بعد إن كانت روسيا تحاول وضع الخبر في الإطار السياسي لكونها كانت ولا تزال تعتبر بان الحوار الغير مشروط هو السبيل الوحيد لإخراج سورية من نفقها المظلم بقيادة الأسد . ولكن مع تطور الأوضاع في سورية نحو المواجهة العسكرية اتخذت المواجه الروسية إعلاما ذات طابعا عسكريا يطغى على خبرها السوري، مثلا بعد إن اسقط الجيش الحر مروحية عسكرية في سورية واعتراف النظام بذلك مرورا بإسقاط الثوار للعديد من طائرات أل “ميغ “الحربية المختلفة، وصولا إلى احتلال مطار تيفتناز ومطار أبو الظهور في ادلب ، دفع بالروس سريعا بالتدقيق بنوعية الصواريخ ومصادرها التي حصلت عليها المعارضة التي كانت روسيا تعارض دخول سلاح إلى المعارضة متوافقة مع نظرة الغرب الرافضة لتسليح المعارضة خوفا من وقوعها بيد جماعات إرهابية، لكن سقط الطائرات الروسية أضحى مصدرا حقيقيا للقلق وجدي لصقور الكريملين الذين يعتبرون بان روسيا سوف تخسر هذا السوق العسكري الكبير والمنفذ الوحيد على المياه الدافئة بظل التطورات الدرامية للإحداث العسكرية في سورية وسيطرت الثوار على أغلبية الأراضي أمام تقهقر جيش الحليف ،مما سوف يغير الخريطة لاحقا، وهذا ما أكده تصريح وزير الخارجية الروسي ” سرغي لافروف” في تصريحه لوكالة أنثر فاكس الروسية بتاريخ 31اب “أغسطس “2012:” بان الحل في سورية هو الاستسلام من طرف لصالح أخر وعلى الشعب السوري أن يحسم مصيره بنفسه، ولكن موسكو تصر بان المعارضة السورية المسلحة اضحى في حوزتها صواريخ ستنغر وهذا ما اشار له لافروف اثناء تعليقه للصحافة الاردنية بتاريخ 6 نوفمبر تشرين الثاني 2012 والذي كان قد تناوله قائد الاركان الروسية السابق الجنرال المقال نيكولاي ماكاروف ،فالروس يشنون حربا اعلامية على وجود الستينغر ،بسبب الخسارة العملية لسلاح الجو السوري ذات الصناعة الروسية والتي سوف تضر بسمعة السلاح الروسي وبائع الخردة .”
– في27 أب أغسطس 2012يعرض التلفزيون الروسي الحكومي قناة “فيستي “تقريرا للمراسل” يفغيني بدوبني “من سورية يقول:” بان التلفزيون ينقل اثأر معركة بين الجيش النظامي الذي ينظف المنطقة من مقاتلين سلفيين وإرهابيين تسللوا من دول الجوار ليحتلوا سورية فالمراسل يتنقل في مناطق سورية على متن ناقلة جند للجيش النظامي ويعرض صور لتفكيك العبوات من قبل حماية النظام والتي يزرعها الإرهابيين .
وهذا الريبورتاج يتم إعادته بطريقة موسعة من قبل قناة فستي الأسبوعية في 8 أيلول سبتمبر 2012 بمناسبة قرار الجامعة العربية بقطع البث الفضائي عن التلفزيون السوري بتاريخ 5 أيلول “سبتمبر ،مصورا بان الدول العربية قطعت عن جماهيرها كل المعلومات عن سورية بهذا القرار، لكون سورية بتصور القناة تخوض حرب موجهه من قبل العصابات الإرهابية الإسلامية القادمة إلى سورية ووراء ظهرها العديد من النقاط الساخنة فالإعلام الروسي الذي يصور المشكلة بأنها خارجية يتعرض لها النظام من قبل الجماعات المتطرفة مبتعدا عن أساس المشكلة السورية الداخلية المتأزمة بين الشعب والنظام ،فالإعلام الروسي الذي يشدد على شرح التفاصيل العسكرية البسيطة التي تركز عليها موسكو متناسية القتل والمجازر الذي يقوم النظام السوري بارتكابها ضد شعبه بواسطة السلاح الروسي والدعم المباشر له من موسكو.
-في 28 أب “أغسطس “2012 يبث التلفزيون الروسي الرسمي قناة فيستي ” ربورتاجا مصورا منقول عن تلفزيون الدنيا السورية” من بطولة المراسلة الشهيرة “مشلين عازار” في 25 أب أغسطس 2012،والتي تم اعتقالها لاحقا من قبل الجيش الحر ” ومترجم للروسية بعد مجزرة داريا الرهيبة والذي يتم عكس صورتها للواقع ، والجميع يعرف كيف تقوم قناة الدنيا بتصوير عملها ووضع تقاريرها السوداء وخاصة بعد مجزرة مروعة ارتكبها الجيش بحق المدنيين بعد دخولهم للمدينة، مما دفع بروسيا شخصيا بشجب المجزرة وموافقتها على تحقيق دولي مستقل .
إضافة إلى العديد من الربورتاجات اليومية التي يتم عرضها عن سورية منقولة أو مترجمة عن الإعلام السوري أو بواسطة إعلاميين روس يذهبون إلى دمشق لتغطية إخبارها الميدانية من جانب واحد ، والتي تضع القنوات الروسية في مأزق من خلال فقدان المصداقية الإعلامية بسبب اعتمادها على المصدر السوري الرسمي.
فمن قواعد الإعلام العالمي الإخباري بأنه يقوم على نقل الخبر أو الحدث بطريقة موضوعية محايدة ،وإذا تعذر ذلك فانه يقوم على نقل الخبر بالتوازي ، ولكن القوة الإعلامية الروسية وضعت نفسها في سحق الثورة السورية إعلاميا وتشويه صورتها وحقيقتها من خلال نقل المعلومات الخاطئة وتبني وجهة نظر النظام السوري كاملة وتغطيتها للازمة السورية من خلال قناة الدنيا السورية ،وهذا ما يؤكد تصورنا من خلال محاولة قناة الجزيرة الفضائية في موسكو التحدث مع إعلاميين روس ذهبوا إلى سورية ونقلوا صورتها إلى الإعلام الروسي ،لكنهم منعوا من قبل محطاتهم من التحدث للجزيرة بشان تغطيتهم للشأن السوري .فالإحداث السورية تتصدر أخبار وسائل الإعلام الروسية على مختلف أنواعها وتحاول وسائل الإعلام نقل وجهة نظر النظام بطريقة بشعة للمشاهدين تتماشى مع سياسة الكريملين.
فالإعلامي والمحاور السياسي الروسي” مكسيم شفشنكو” المحارب صهيونيا يقول : ” الإعلام الروسي في تعاطيه مع الأزمة السورية ينقسم إلى ثلاثة اتجاهات:”
1-إعلام كبير يروج للنظام السوري حسب تعاطي سياسة الكريملين مع هذا الملف، ويسيطر على معظم مفاصل الحياة الإعلامية الروسية” المسموعة والمكتوبة والمرئية والالكترونية “.
2-إعلام وسطي مروج للدعاية الصهيونية ويلتقي بهذا الطرح مع طرح الكريملين في تعطيه الملف السوري.
3-إعلام مستقل وحر ولكنه ضعيف جدا يؤمن بان الشعوب من حقها الاستقلال واختيار من تشاء وان الشعوب العربية من حققها تقرير مصيرها، ويعتبر بان عصر الممالك والاتجاهات الإجبارية انتهت ويمثل هذا القطاع صحيفة “الكومرسنت “وإذاعتها آلاف أم”، والتي تفرد مساحات كبيرة في نقل الواقع العربي والأحداث السورية بعكس أعلام النظام الذي يصور الحالة السورية بأنها مؤامرة تتعرض لها سورية من خلال ضغط إعلامي شديد تشوه صورة نظام الأسد. يؤكد “غنادي غاتيلوف” نائب وزير الخارجية الروسية في تصريحه الذي نقله موقع تلفزيون العالم الإيراني بتاريخ 31 تموز يوليو2012:” بان بعض وسائل الإعلام تقوم بتغطية مسبقة للأحدث في حلب والتي يحمل المسؤولية المباشرة لقناتي الجزيرة والعربية اللتان تتبني طرح المعارضة المسلحة لأسقط النظام السوري ،فالنظام السوري حسب تصريح غاتيلوف يواجه أشرس حرب إعلامية تشن ضده من خلال :”فبركة الأفلام والصور وتضليل الرأي العام بحقيقة ما يجري في سورية من جرائم حرب وشهود زور، مشاركة لقوى إرهابية من جنسيات عربية..
لكن الصحافية الروسية” أنا نيستاتيم” الناشطة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي زارت مدينة حلب السورية وعاشت فيها أكثر من أسبوعين تنشر مقالا خاصا في جريدة الإزفستيا الروسية في الصفحة 7 على شكل ريبورتاج كبير،بتاريخ 3ايلول “سبتمبر”2012 تعكس فيه ما يصوره الإعلام الرسمي وأطروحات المحللين السياسيين و سياسيو الدولة المؤيدون للنظام ، وتقول الإعلامية كلام لأول مرة ينشر في الإعلام الروسي عن حقيقة الوضع العسكري والمأساة الإنسانية للسكان المسالمين في سورية، ويتم التعبير فيه بهذه الطريقة التي تكشف الإعلامية الروسية الأخبار الواقعية على الأرض وتقول :” بان النظام يمارس أبشع العنف في حلب ،وطائراته تقصف المخابز حيث يصطف الألف من المواطنين العزل في طوابير لجلب الخبز ،يهدم الإحياء السكنية لا يهاجم مناطق يسيطر عليها الجيش الحر ،يخاف إرسال جيشه للهجوم كي لا يتشقق بسبب المعنويات المتدنية لدى عسكر النظام والجنود يطلقون النار على من يتحرك شمالا أو يمينا ،الجيش الحر يسيطر على معظم مناطق حلب وحيث يتواجد الثوار تسير الحياة بشكل طبيعي …الخ.”
موسكو في مأزق:
مما لاشك فيه بان الروسي أضحى في موقع لا يحسد عليه وخاصة مع تطورات الدراما السورية، وعجز النظام عن الحسم والتقهقر أمام صمود الجيش الحر بدأت موسكو تبحث عن مخرج مشرف مع الغرب وربما من خلال المباحثات السرية مع فرنسا والقائمة على تخلي موسكو عن شخص الأسد ونظامه مقابل الضمانات الغربية بالحفاظ على مصالح روسيا العسكرية والاقتصادية في سورية وهذه اللهجة التي أضحت مستخدمة اليوم في الخطاب الروسي بان روسيا لا تتمسك بشخص أو نظام.
الخناق يضيق على رقبة موسكو كل يوم، ملفاتها لم تحسم مع الغرب ،الناتو قريبا سيترك أفغانستان وسوف ينجزا اتفاقا مع حركة طالبان تعيدها للحكم ،وهي العدو الرئيسي لروسي التي ستدخل بمواجهة قادمة ،مما دفع ببوتين سريع بالذهاب إلى لندن في فترة الاولمبياد لحضور لعبة الجيدو التي يحبها ولتشجيع فريقه على الفوز في العلن ،وفي السر لبحث ملفين هامين مع نظريه البريطاني : الملف السوري، والطلب من الناتو تأجيل مدة خروجه من أفغانستان.
لكن المحلل السياسي والخبير بالشؤون الدولية وأستاذ العلوم الدولية في أمريكا “غسان عايش شبانا “يرى أثناء مقابلته على قناة الجزيرة بتاريخ 2اب أغسطس 2012 :”بان موسكو سبب المشكلة في سورية وليس مركز أو جزاء من الحل وبان موسكو ذهبت إلى مجلس الأمن ليس للحل بل من اجل تصفية حسابات مع أمريكا والغرب ،وهذا ما اده كوفي انان في مقالته التي نشرت جريدة” الفاينانشال تيمز” بتاريخ 2اب أغسطس 2012 :”بان روسيا وإيران والنظام السوري هم من يتحمل مسؤولية الأزمة السورية، لكن كما تقول الاغنية الروسية الشهيرة للمعارضة انا غرمن، الحدائق تزهر مرة في العام والحب يتأتى مرة في العمر ….
وربيع دمشق اتت هذه المرة وسق تزهر فيها حدائق بيوتها بسورية جديدة …. اراد لافروف ام لا يريد فصل الربيع لا يمكن تغيره …
كاتب وباحث إعلامي مختص بالإعلام السياسي والدعاية