هادي جلو مرعي / ليست معارك الجيشين النظامي والحر في المدن السورية لوحدها سيطرت على إهتمامات الرأي العام العالمي ومشاهدي مئات القنوات الفضائية حول العالم .فهناك شريك جديد لا يبدو أن حضوره مؤقت كالحرب المستعرة في مدن وأرياف الشام ، بل هو دائم مع الذائقة الفنية ويتمثل بالدراما السورية التي غزت الشاشات العربية منذ أعوام وها هي في شهر رمضان المبارك تستحوذ على أكبر الإهتمام.
مرت سنوات على آخر زيارة قمت بها الى عاصمة الأمويين ، وكعادة العراقيين فقد أقمت بجوار مرقد السيدة زينب في محافظة ريف دمشق وحينها تعرفت الى مطار دمشق الذي يشبه في تصميمه البيوت الشامية المزخرفة ، وطريق المطار الريفي المتواضع ، وأحياء أكثر تواضعاً كالحجيرة وجرمانة والمشتل ، وأخرى لا أتذكر إسماً لها ، لكن ما كان يشدني إليه وزرته ، الجامع الأموي ، وسوق الحميدية وحديقة تشرين ، وباب توما والمزه ، ومرقد السيدة رقية وحارات الشام القديمة التي ولجتها بعد آذان المغرب . إبتعت كمية كبيرة من الصابون السوري الشهير ,وإشتريت مامكنني من مال كان بحوزتي ،ومررت بالباعة المتجولين ومحلات بيع المرطبات والبضائع التي تثير رغبة الشراء.
تعرفت على دمشق وريفها في وقت عصيب كان العراقيون فيه يفرون من وطنهم لينزلوا الشام بعيداً عن صراع إحتدم في بلدهم وتشابك سياسي وعسكري غير مسبوق منذ العام 2003 زمن الدخول الأمريكي حتى اللحظة التي بدأوا فيها بالهجرة المعاكسة الى وطنهم الأم… لم نكن مغرمين بالدراما السورية بأستثناء ما كان يقدمه دريد لحام وزملاؤه من أعمال تثير الإنتباه وكنا نتوجه الى مصر حيث تنتعش صناعة السينما والمسرح والأعمال التلفزيونية التي تحكي تاريخ الحارات والسكك في المدن المصرية القديمة حتى تحولت الى دراما ممجوجة لا تستقطب نظارة كثر..
الدراما السورية أخذت تستحوذ على إهتمام واسع في كامل المنطقة العربية خلال السنوات الماضية وليس في شهر رمضان لوحده بل في سائر العام ولم تعد من قناة فضائية تبتعد عن ظاهرة تلك الدراما خشية فقدان جمهورها وليس مسلسل (باب الحارة) إلا مثل واحد من مئات جعل كل العرب ينطقون باللهجة السورية ويعرفون حارات الشام وأزقتها ، ويتغنون بأبطال تلك المسلسلات الذين تحولوا الى لبنان ومصر وصاروا ينافسون ممثلين مصريين في أدوار رئيسية بينما لم يحقق نظراؤهم العرب مثل ما حققوه خلال سنوات قليلة.
رمضان الحالي شهد تسونامي سوري إكتسح المنافسين المصريين ، مثلما هو حال السياسة والحرب في هذا البلد الذي يوزع آلاف المشاهد والصور التمثيلية التي تعرف بتراث الشام وعادات أهله وتقاليدهم ، وكنا نحسب إن الدراما السورية لن تلد كالممثل دريد لحام لكننا نكتشف الآن العشرات منهم لم يبقوا ذكراً له . وكنا نظن أن (باب الحارة) المسلسل الأكثر أهمية وظهر أنه البداية فقط لسيل منها أبهر المشاهدين في كل مكان ..