أعاد المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الاعتبار لصوت العقل والحكمة حين أدلى بدلائه في الجدل الدائر داخل الإخوان وحولهم الأستاذ سالم الفلاحات نفى أن ينسب للإخوان في مصر وغيرها قوة أسطورية، بيد أنه سخر من القائلين بنهاية الجماعة وأفول عصرها … دعا لمراجعات عميقة لزلزال لم يحدث له مثيل في المنطقة منذ ستة عقود، فهل يعقل أن تقدم دول كبرى وصغرى، إقليمية وعالمية، على إجراء المراجعات وتقييم المواقف وتقويم التحالفات، فيما الجماعة المعنية بالأمر، التي ملأت الأسماع والأبصار في السنوات الأخيرة، لا تفعل ذلك ولا تقدم عليه بحماس … تحدث عن مراجعة تجري، بيد أنها على ما يبدو لم تصل للمستوى الذي يأمله الفلاحات ونأمله جميعاً.
محلياً، طالب بالتروي في اتخاذ مواقف من قادة زمزم الثلاثة، رفض التسرع والاستعجال في هذا المجال، بيد أنه طالب إصحاب المبادرة بالتفكير ملياً في “القيمة المُضافة” التي يمكن أن تأتي بها مبادرتهم، مقترحاً أن الأردن ليس بحاجة لأسماء وعناوين جديدة، بقدر ما هو بحاجة إلى “همّة إصلاحية” أعلى وأوضح حضوراً، محذراً في الوقت ذاته من مغبة أن تلجأ الحكومات وبعض أجهزتها لتوظيف ظواهر ومبادرات من هذا النوع لأغراض تتصل باستهداف الإخوان، مسقطاً عن زمزم، مبادرة وقيادة، الاتهامات الظالمة أو أنها تحركت بدفع من الحكومة أو بعض أجهزتها.
الفلاحات تحدث عن المشروع الإصلاحي في الأردن، متوقفاً عند الحاجة لاستنهاض الهمم للدفع بهذا المشروع إلى الأمام، غير متهيب ولا متخوف من تراجع الحراكات والتحركات، فهذه تصعد وتهبط، تنقطه وتُستأنف، بيد أن لها اتجاه واحد صاعد للأمام والأعلى، فهذه سنة الحياة ودروس تجارب المنطقة وغيرها … الفلاحات بدا تصالحياً ليس فيما خص “الداخل الإخواني” بل وفي رسم أفق وملامح العلاقة بين الإخوان وغيرهم من تيارات المعارضة وقوى الإصلاح، مشدداً على الشراكات وبناء التوافقات والائتلافات بين الجميع، فمشروع الإصلاح لن يقوى عليه فريق بمفرده، ولا بد من أن ينهض على أكتاف الجميع وسواعدهم.
لكنني ومن موقع التثمين للغة الفلاحات الهادئة وتشخيصه الدقيق لبعض ما عُرَضَ عليه من قضايا ليتحدث بها، كنت أتمنى، وما زلت، لو أن الرجل تقدم خطوة إضافية بتحديد أعمق وأدق للموضوعات التي يتعين على الإخوان مراجعتها، وما إذا كانت تتعلق بتجربة إخوان الأردن حصراً، أم أنها قد تتناول بالنقد والتحليل تجربة إخوان فلسطين (حماس) ومصر على سبيل لا الحصر، في مسعى إخواني نأمل أن يكون جاداً وجدياً للإجابة على سؤال: أين أخطأ الإخوان ولماذا حصل ما حصل، ومن المسؤول وما العمل؟ … فلا يكفي أن يقال إن الإخوان ليسوا ملائكة ولا قديسين، بل بشرٌ خطّاؤون، وأنهم ربما قارفوا بعض الأخطاء … المطلوب اليوم وضع الأصبع على هذه الأخطاء وتسميتها بالاسم، وتحديد المسؤول عنها.
نخص الإخوان بالمراجعة المطلوبة ليس لأنهم وحدهم من لم يفعلها حتى الآن، فالجميع لم يجر المراجعات المطلوبة … بل لأنهم القوى الشعبية الأكبر والأكثر تنظيماً من جهة، ولأنهم وصلوا السلطة وفقدوها أو ما زالوا على مقاعدها القلقة والمهزوزة والمحاصرة من جهة ثانية … لكننا سنشاطر كل من سيدعو القوى والتيارات الأخرى للمراجعة، سنشاطره دعوته وبالحماس ذاته.
كنا نتمنى أن يفتح المراقب العام السابق، ومن موقعه المحترم في هرم القيادة، ومن سيرته الذاتية كرجل حوار واعتدال ومشاركة، بعض الملفات من نوع: نظرة الإخوان للسلطة بين الخطاب والممارسة، نظرتهم للآخر في الوطن من تياراته ومكوناته السياسية والفكرية والديموغرافية، مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، حقوق الإنسان، الموقف من الجماعات العنفية ومدارسها الجهادية في الأردن وغيرها من الأقطار، علاقة “الوطني” بـ”الديني” في خطاب الجماعة وممارستها، ولمن الأولوية للأول أم للثاني عندما يحدث التعارض، والتعارض حدث فعلاً على هامش الأزمة المصرية، وكان فاقعاً في حالة إخوان غزة (حماس)، وبدرجة أقل في حالة إخوان الأردن.
كنا نتمنى أن نستمع لقراءة في تجربة الإخوان التحالفية، وميلها للتنقل من خندق إلى خندق، ومن محور إلى محور … هذا أمر مهم، سيما وان حلفاء الإخوان في كل الساحات، يشتكون فرديتهم وانفرادهم، وميلهم لتغليب “المغالبة على المشاركة” في علاقاتهم مع حلفائهم … كنّا نريد سماع ما يتخطى الدعوة للمراجعة إلى الدخول فيها وفتح باب الحوار الوطني حول هذه العناوين وغيرها.
الوقت لم يفت بعد، ونأمل أن يتلقف الإخوان دعوة مراقبهم السابق بكل اهتمام وأن يعلق سالم الفلاحات الجرس لحوار العقلاء حول مسائل تتخطى أهميتها الجماعة إلى الوطن على اتساعه.