هادي جلو مرعي / تداعيات ماحصل في الموصل إنسحبت على جميع الفرقاء السياسيين، وكان طبيعيا أن يتحمل المالكي تسونامي هجوم عنيف إستهدفه دون غيره ليس بصفته القائد العام للقوات المسلحة حين سقطت المدينة، بل لحجم العداء الذي يكنه فرقاء سياسيون له منذ توليه السلطة وحتى اللحظة الراهنة. تعودنا من المالكي أن يخرج من قلب العاصفة في كل مرة يواجه تحديا جديدا حين كان في منصبه، لكننا اليوم في حال مختلف فهو ليس رئيسا للوزراء، وصار خصومه أكثر جرأة في الهجوم خاصة وإن الأسلحة التي كان يمتلكها لم تعد بين يديه بإستثناء إنه جزء من معادلة صراع قد لايسمح في إطارها من الذهاب بعيدا كما يريد الخصوم، وهم يعرفون إن عليهم أن يترددوا قليلا قبل توجيه المزيد من الضربات لرجل إيران القوي.
المالكي كان رئيسا للوزراء حين سقطت الموصل، لكن ماحصل كان في ظل وجود قيادات سياسية وأمنية، أخرى فاعلة في الميدان لديها نوايا وخبايا وحكايا، وكان هناك من يبحث عن مثل هذا السقوط ليرتب أوراقه من جديد، فالعراق اليوم بلد القوميات والطوائف، وليس بلد صدام حسين القائد الأوحد الذي كان بإمكانه أن يدخل البصرة ويحيلها الى مقابر لخصومه، أو أن يطرد جنود طالباني من إربيل ويفتح أبواب القلعة لرجال مسعود، وهناك سلطات في الإقليم وأخرى في بغداد، والمالكي يتحمل المسؤولية لكنه ليس الوحيد فيها، ويعرف الرجل إن خصومه لن يتركوه، وهناك ثأر سياسي وشخصي يدفع آخرين لينقبوا ويبحثوا ويتقصوا أملا في الوصول الى اللحظة التي يرونه فيها وحيدا حبيسا لاتنفعه شفاعة الشافعين.
يمكن للمالكي أن يتجاوز ماحصل في الموصل مادام ليس الوحيد في المعادلة ومادامت الصفقات السياسية حاضرة، لكن من الصعب أن يتمكن الخصوم من إطفاء الحرائق التي بإمكان الرجل أن يشعلها في ثيابهم فلايستطيعون النجاة، ولأنه يعرف كل ذلك وتبعات ماكان يصدره من أوامر ومابد منه من مواقف لم ترض القادة السنة، ولم ترض خصومه الكرد في يوم، وكانت تبعث الحنق في نفوس القادة الشيعة شركائه في التحالف. فقد إكتنز مئات الملفات التي تحوي بلاوي ومصائب الخصوم، وهاهي اللحظة الكافرة قد أتت، وهو مستعد للذهاب بعيدا، فكانت أول بوادر الهجوم المالكي المضاد بعد زيارته الى طهران ولقائه الخاص بمرشد الثورة الإيرانية علي خامنائي أن لوح بملفات قتل وخطف لم يكن أحد ليتوقع أنها ستظهر بسرعة خاصة وإنها ربما تثير المزيد من العواصف التي يستحق تجنبها التنازل عن مواصلة المعركة مع المالكي وإنتظار فرصة لاحقة، وهي ملفات مرتبطة بفساد مريع لقادة كتل سياسية، وربما تهم بالقتل تستهدف سياسيا هنا وآخر هناك وبحسب نوع عدائه للمالكي وطريقته في المواجهة.
مالايدركه البعض إن المالكي يتمتع بعلاقة قوية مع الإيرانيين، فهو رجل الإستراتيجية الفاعلة في دعم الحرب ضد المجموعات المسلحة المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد وهم حلفاء لدول إقليمية منافسة لإيران، ولايمكن العمل وفق “نظرية التخلص”،أي إن إيران تترك خصومها بعد إنتهاء المهمة، فالمالكي يواجه مهام جديدة في العراق فشل القادة الشيعة المنافسون له في طمأنة إيران إنهم قادرون عليها، أو مهتمون بها، فكانت طهران مضطرة للرد بقوة على خصوم المالكي ولذلك دخلت بقوة في معادلة الصراع، ولم يكن رجوع المالكي والإستقبال الحافل له في بغداد إلا إشارة الى بعض الخصوم بأن المعركة لم تنته، وإن هناك رد فعل قوي سيرون نتائجه خلال أيام، وإن مفاجأة ستظهر في الفترة المقبلة، وهذا مايفسر الإجتماعات المتكررة بين قادة التحالف الوطني الشيعي، ولقاءات المالكي بالجعفري والحكيم والشهرستاني والعامري، مع وجود قنوات إتصال بالتيار الصدري، وظهور بوادر من حركة العصائب التي يقودها الشيخ الخزعلي بعدم رضاها عن محاولات إستهداف المالكي، عدا عن إدراك ما إن المعركة مع داعش والصراع مع دول عربية وإقليمية يتطلب حماية المالكي لا الهجوم عليه، وهذا هو التفسير الطبيعي للرفض الإيراني المساس به، وهو مايفسر أيضا نوع الحفاوة التي قوبل بها وهو يحط في مطار طهران والإستقبال من أعلى السلطات في الدولة.
لاتنسو إن المعركة السياسية التي إندلعت في كردستان ومحاصرة مسعود برزاني واحدة من إنعكاسات الحرب على المالكي.