IMG 20131205 WA0071 أوكرانيا

ربيع التقسيم يعود إلى أوكرانيا

الاحتجاجات في أوكرانيا…

الياس مارديني / لم تكن مفاجئة الأحداث التي تشهدها أوكرانيا بالنسبة للخبراء، لكنها وكما قال الرئيس IMG 20131205 WA0071 أوكرانياالروسي فلاديمير بوتين استبقت الموعد المحدد لها، والذي كان مقرراً قبيل الانتخابات الرئاسية الأوكرانية ربيع عام 2015.

اليوم باتت هذه الجمهورية السوفيتية السابقة ساحة جديدة للصراع الشرقي- الغربي، أو الروسي الأطلسي، صراع من الممكن أن يحرق هذا البلد ويمزقه، ما لم يتم التعامل مع التطورات بعقلانية الدولة لا الأحزاب والطوائف الأرثوذكسية في الشرق والكاثوليكية في الغرب.

اليوم هناك الآلاف في شوارع كييف، جاؤوا من غرب البلاد يطالبون باستقالة الحكومة وانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة والتكامل مع الاتحاد الأوروبي، كذلك هناك آلاف أخرى مستعدة للمجيء إلى العاصمة من الأقاليم الشرقية التي ترفض هذا التكامل وتراه مسماراً في نعش الاقتصاد الأوكراني الهش أصلاً، وكذلك خطوة جديدة على طريق تعقيد العلاقات مع الجارة الكبرى روسيا، التي تعتبر أوكرانيا امتداداً لأمنها القومي، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وحتى سكانياً.

بالتأكيد من حق المواطنين الأوكرانيين تحديد هوية بلادهم وتوجهاتها، لكن لا يحق أبداً لكتلة سياسية أن تغامر بمستقبل البلاد دون أن تكون واعية لخطواتها، فاتفاقية الشراكة مع أوروبا غير مدروسة التبعات بحسب الكثير من الاقتصاديين، وتقتصر في مضمونها على البروبوغاندا السياسية، وعليه فإن هذه الاحتجاجات تحمل طابعاً ربيعاً يهدف إلى زعزعة استقرار بلد يتاخم روسيا اللاعب الدولي المميز في المرحلة الراهنة، بدءاً من إيران وصولاً إلى سورية، وربما في هذا السياق كان تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن المتغيرات الأوكرانية ليست ثورة، وإنما أعمال شغب جرى الإعداد لها بشكل مسبق وجيد من الخارج، حيث لا صلة لها بالعلاقات بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، بل هي محاولة لزعزعة استقرار الحكومة الشرعية، وهو ما يؤكده وجود مجموعات من المقاتلين الجيدة التنظيم، شوهدت في ميادين الاحتجاج.

ربيع التقسيم يصل تخوم روسيا…

حذرت روسيا مراراً من وصول تداعيات ما سماه البعض بـ”الربيع العربي” إلى تخومها، وها قد حصل ذلك. فبعد موجة الثورات الملونة التي زعزعت الاستقرار في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق قبل سنوات، جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا، ها هي أوكرانيا تعود إلى واجهة الأحداث الثورية، والاتهامات الغربية لروسيا بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة يريدها الاتحاد الأوروبي سوقاً لبضاعته ومصدرا لأيدي عاملة رخيصة.

السيناريو الذي حدث في الدول العربية يتكرر، لكن ربما بأدوات مشابهة وليست نفسها. بعض أنصار المعارضة يقومون بالتحريض على الدولة، تجري استفزازات في الميادين تدفع الشرطة لاستخدام القوة، وبعد ذلك الحبل على الجرار، اتهامات من كل صوب للسلطات باستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين التواقين إلى الحرية وغيره من الكلام التافه.

الأيام المقبلة ستكون حاسمة لجهة التطورات في أوروبا الشرقية، لاسيما وأن عدداً من ساسة الاتحاد الأوروبي زاروا كييف مؤخراً، وأدلوا بتصريحات استفزازية دعوا فيها إلى النضال من أجل الديمقراطية، على الرغم من أن هناك حكماً ديمقراطياً في أوكرانيا، حتى الآن لم يقل أحد إن رئيس أوكرانيا فيكتوريانوكوفيتش رئيس غير شرعي، لكن ربما المسألة مسألة وقت فقط. ما هو مؤكد برأينا هو أن القوى المعارضة في أوكرانيا لا تسعى إلى توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بغية تطوير الاقتصاد أو تحسين مستوى معيشة السكان، بل من أجل زيادة تأثير الغرب في الحياة السياسية الداخلية في البلاد وتعزيز مواقفها في الصراع على السلطة.

ألا ترون أن سيناريو الربيع العربي يتكرر؟

 

روسيا والناتو…

تدفع أوكرانيا اليوم ثمن التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، وليس سراً أن الناتو يحاول جر دول أوروبا الشرقية إلى مستنقعه، في حين تحاول روسيا الحفاظ على أمنها القومي، وفي هذا السياق عبر مسؤولون أوروبيون عن استيائهم من موسكو، التي وضعت كل ثقلها لمنع هذه الجمهورية السوفييتية السابقة من التقارب مع أوروبا. لكن في المفهوم الروسي؛ إن الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي مشروع سياسي يهدف إلى مساعدة القوى المعارضة الموالية للغرب في تولي الحكم بأوكرانيا، وإضعاف النفوذ الروسي فيها وفي الدول الأعضاء في الشراكة الشرقية مع الاتحاد الأوروبي، وعليه فإن السياسة الروسية تعارض هذه الشراكة التي تسعى إليها أوروبا.

أوروبا لن تخسر معركتها بسهولة، لذا ستحاول تطوير المشهد الميداني، وروسيا لن تسمح بتدخل خارجي في الشؤون الأوكرانية بتاتاً، وعليه التوتر سيتصاعد. وربما خير مثال يوضح حجم هذه البلبلة هو قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن مناقشة حلف الناتو لإمكانية تدخل عسكري روسي في أوكرانيا تمثل تشويها للحقائق. أي أن الناتو يتحدث بمصطلحات الحرب الباردة، ومثل هذه الإشارات يمكن أن تأتي برياح لا تشتهيها السفن، لاسيما على خلفية الأحداث في الشرق الأوسط والتهديد بوصولها إلى روسيا.

لكن بين المواقف المتطلعة صوب روسيا والأخرى التي تحلم بنعيم أوروبا الخيالي، تبدو هذه الجمهورية السوفييتية السابقة على شفير فوضى، لا أحد يمكنه التنبؤ بالطريقة التي ستنتهي بها، وعلى كل حال لم يلغ أحد حتى اليوم السيناريوهات العسكرية…

 

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …

اترك تعليقاً