هادي جلو مرعي / كان التخطيط محكما لتنفيذ مهام جسيمة في مرحلة حرجة وغاية في التعقيد، وأراد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إستكمال المهمة بالوصول الى بغداد بعد تثبيت وجوده في الموصل التي ترتبط بمعبر حدودي مع جغرافيا أخرى مهمة للدولة الإسلامية المزمعة التي ترسخت من أشهر طويلة في مدينة الرقة السورية ودير الزور ومناطق أخرى تقاتل فيها الدولة مجموعات من الجيش الحر المدعوم رسميا من دول الخليج. والجغرافيا التي تدعم الحر وداعش هي نفس الجغرافيا لكن الفرق إن داعش تمول من رؤوس أموال تجار، ورجال دين نافذين وجمعيات وأجهزة مخابرات، بينما يرتبط الجيش الحر بالنظام الرسمي الخليجي ويحصل على دعم من منظمات رسمية بالفعل ومتنفذة وتمتلك قدرات ولديها تفاصيل إدارة فاعلة في أكثر من ميدان إقتصادي وعسكري وتمتلك قدرة التأثير على المنظمات الدولية صانعة القرار والموجهة له.
لم يكن الحديث عن معركة بغداد بدعا من القول، أو هو ترف فكري يتبجح به الذين يتحدثون به، فكل معطيات المواجهة الأخيرة حاضرة، سواء قام بالهجوم على بغداد مسلحو داعش، أو تنظيم كثوار العشائر الذين يهدد بإسمهم الشيخ علي حاتم سليمان، أو قيادات بعثية نافذة ماتزال تتحدث وتخطط وتعلن الرغبة بالزحف على العاصمة العتيدة التي يرى قادة معارضون ومعهم عرب إنها أصبحت بيد حلفاء إيران من الشيعة وكانت خطابات السياسي المعروف والمنزوي عدنان الدليمي واضحة في مؤتمر في إستنبول حين أكد على عائدية بغداد للعرب السنة، وإنها يجب أن تحرر من الفرس، وواكبه في ذلك عديد القيادات السنية المؤثرة في ميدان السياسة والإعلام.
في النهاية يتحرك أعضاء تنظيم داعش رويدا في مناطق بعينها ويهددون مناطق معينة يعتقدون إنها تعود لهم تاريخيا. ولذلك فقرار الزحف الى بغداد ليس عبثيا إنما يعتمد إيمانا بقضية، وسوف يكون الحل الأخير هو قرار بتكتل كبير من سكان بغداد وتنظيماتها العسكرية لمواجهة تحرك من يريد إسقاط العاصمة، وبدا ذلك جليا في تصريحات قيادة تنظيم داعش وقيادات بعثية على قنوات فضائية عربية موالية وداعمة للحراك المضاد في العراق. كانت خطة داعش الساذجة للوهلة الأولى والماكرة في الحقيقة تتضمن أساليب تحرك نوعي يتماشى وطبيعة السكان في العاصمة بغداد إعتمادا على حزام العاصمة ذي الأغلبية التي يتوخى المسلحون دعما منها، عدا عن وجود مناطق يمكن أن تتمرد وتنطلق منها تظاهرات مؤيدة في الرصافة ومناطق في الكرخ، ماتسرب من الخطة التي فشلت يشير الى نوع من التخطيط الماكر حيث يتوجه مسلحون برشاشات ثقيلة وقاذفات صواريخ وقنابل الى مناطق متفرقة من العاصمة وبسيارات كبيرة وصغيرة يرتدون زيا مشابها للزي المعتمد في المناسبات الشيعية ويحملون صورا كبيرة لرموز شيعية، وتكون ساعة الصفر بالإتفاق مع الخلايا النائمة في أحياء من العاصمة حيث تتم السيطرة على مؤسسات الدلوة الفاعلة بأسلوب الصدمة والعنف المتناهي على أن تصل تعزيزات كبيرة خلال ساعات تكون معبأة ومجهزة مسبقا في مناطق شمال وغرب العاصمة متصلة ببعض المحافظات التي ترتب على وجود داعش فيها سيطرة للمسلحين وإمكانيات عالية.
داعش ستتحرك خلال الأسابيع المقبلة، ولابد من معركة حاسمة. فالمشكلة ليست في كركوك لأنها كردية في نهاية الأمر شئنا أم أبينا، وليست في الموصل والمحافظات الغربية لأنها ستكون جزءا من مشروع الإقليم السني، وليست في الجنوب الذي هو شيعي بالكامل، لكن بغداد هي الساحة التي ستكون حواليها معركة الوجود الأخير لإحدى الطائفتين المتقاتلتين، وستكون فيها مقتلة عظيمة تسيل فيها الدماء وقد لاتنقطع.