شكلت القضية الفلسطينية ولاتزال الحدث الرئيسي في العالم العربي طوال فترة اغتصابها من قبل العدو الاسرائيلي ، وبالرغم من مرورها بالعديد من المراحل التاريخية التي تبعدها بعض الشيء عن الهموم والشجون، لكنها تعود من جديد لتحتل الصدارة ،فور حدوث اي حدث او امر يتعلق بهذه القضية التي تعتبر قضية العرب المركزية ومشكلتهم الاساسية التي تتصدر كل الازمات وتعلوا فوق المشاكل ، فأهمية القضية الفلسطيينة هي قضية جامعة لكل الشعوب العربية ،التي تسيطر عليها الخلافات والتناقضات الداخلية والخارجية ،لكن القضية الفلسطينة كانت تعلو فوق ذلك ،وبالرغم من الاحداث التي عصفت بالمنطقة العربية والتي عصفت بدول، وغيرت انظمة ،وركبت تحالفات جديدة لكن الحدث الفلسطيني كان دائما يحتل الصدارة الاعلامية بالرغم من الاهمال القصري نتيجة تراكم الاحداث وتشعبها ،طوال خمس سنوات كانت العاصفة تهب في ارجاء الوطن العربي ،كانت الرياح تأتي من فلسطين لتكون بلسما لكل الجراح و الاوجاع والمشاكل ،وما ان انطلقت الهبة الفلسطيينة الاخيرة حتى بدات الرياح الاعلامية تغزل في الاجواء لكي تبقى الريح العاصف بوجه العدو، هبة اصبحت تعج بجيل الشباب الذي سئم من عنجهية وتطرف العدو الاسرائيلي الذي ضرب عرض الحائط كل الاتفاقات والوعود ، فكان ” لموقع اوكرانيا اليوم” لقاء مع الضابط الفلسطيني ( الجنرال) في حركة فتح محمود عيسى الملقب باللينو من خلال لقاء خاص من مخيم عين الحلوة في لبنان ليحدثنا عن رأيه كقائد عسكري وضابط في حركة فتح وفلسطيني يعيش في دول الشتات عن اهمية هذه الهبة او الصرخة الفلسطيينة التي تعيشها الاراضي الفلسطينية حاليا.
وكان “لموقع أوكرانيا اليوم” حوار خاص مع الجنرال محمود عيسى حاوره من عين الحلوة د.خالد ممدوح العزي.
1-جنرال كيف ترى الهبة الفلسطينية التي تعيشها فلسطين؟ ماذا تعني؟ وما مدى استمراريتها؟ وما هي مخاطرها؟
-في البداية لابد من ان نحيي شعبنا في الداخل على هذا العمل المقاوم المميز، الذي يتصف بالمقاومة الشعبية التي تاتي نتيجة فشل الحلول وانسداد الافق ،وفشل مشروع السلام الذي بادرنا به منذ حوالي عشرين عام، وبعد هذه المدة أيقن شعبنا بان الاحتلال كاذب ولايريد السير بمشروع السلام وتنفيذ الاتفاقات الدولية ،لذلك قرر نسج حريته بيده،من خلال هذه الصرخة الفلسطينية المتجددة التي عودنا عليها شعبنا من خلال التضحيات الدائمة على مدار المراحل السابقة،وبالتالي هذه الحركة النضالية ادت لاندلاع هذه الهبة الشعبية التي تغيب عنها السلطة والفصائل ولا تستطيع تحريكها او تجميدها ،مما جعلها رسالة حقيقية للعالم اجمع وللسلطة خاصة بان الشعب يريد انتزاع حريته بيده لان الحرية تنتزع ولا تعطى .
وبناء على ذلك لدينا تخوف من العمل الدؤوب الذي تقوم به دول الخارج لاحتواء هذه الهبة الشعبية وافراغها من محتواها ، ولكن ثقتنا بشعبنا كبيرة ،فالهبة هي هبة شعب اراد الوقوف بوجه العدو عاريا ، متسلحا بايمانه بقضيته ، يطالب بحريته ويدفع ثمنها دمه ،لذلك المطلوب من الجميع الالتفاف حول هذا الشعب وتقديم يد العون والمساعدة له من اجل الوصول الى حريته ،ومن هنا لابد القول بانه من الضروري المحافظة عليها كي تبقى هبة شعبية صارخة بوجه العدو المربك وعدم السماح بعسكرتها، وعدم الدفع بها نحو العسكرة ،لان العسكرة تجهضها وتقضي عليها ،وعلينا اعادة النظر بقرائة التجربتين السابقتين الانتفاضة الاولى ،والانتفاضة الثانية للاستفادة من الاخطاء التي وقعنا فيها ونتجنبها قبل ان نطلق عليهاانتفاضة ثالثة .
اما لضمان استمراريتها يجب على كل القوى ان تقوم بتقديم ما تطلبه هذه الصرخة من اموال ومساعدات اقتصادية ،وتكافل اجتماعي، واعادة بناء المنازل التي يدمرها الاحتلال ويحرقها المستوطنون ،وحتى اعادة زرع الاشجار التي يتم قلعها ،ومساعدة اسر الشهداء والاسرى ،واحتضان ابناء شعبنا من اجل المواجهة التي تتطلب دعم حقيقي معنوي وسياسي ومالي ودبلوماسي ،بالاضافة الى توحيد خطابها السياسي وشعاراتها والعمل على بناء استراتيجية هادفة لاستمراريتها لكي نتمكن من ان نصنفها انتفاضة ثالثة كي لا يتم افراغها من محتواها و التي تعكس نفسها على نضال شعبنا.
2-ما هي مخاطر الهبة الصرخة الشعبية على السلطة الفلسطينية وعلى الكيان الصهيوني؟
-
تكمن مخاطر هذه الانتفاضة الشعبية على الكيان الصهيوني بكونه مرتبك ولا يعرف كيف يتصرف مع هذه الحالة لانها هبة شعبية تشكل نواة لانتفاضة شعبية قادمة يصعب التعاطي معها من قبله ، ولا يستطيع اسكاتها بالقوة بسبب استمراريتها وتطور عملها النوعي والمنظم ،بالاضافة الى اصرار شعبنا على الاستمرار والمواجهة.
اما مخاطرها على السلطة هي تهدد مسار التسوية ، فالسلطة بالاساس قامت على التسوية وعلى اتفاق” اوسلو”،لكن اسرائيل هي من ضرب التسوية منذ زمن، فاذا استمرت الهبة فان دور السلطة ينتهي ، واذاحدث ذلك ،فإن اسرائيل ستكون امام خيار تحمل المسؤولية امام العالم كدولة احتلال وهذه يطرح سؤالا، هل يمكن الاستمرار بهذه الهبة التي ستطرح معادلة جديدة يفرضها الشعب الفلسطيني،وهذا يعني بان السلطة ستكون خارج المعادلة وبالتالي ستكون الانتفاضة الجديدة هي انتفاضة ثالثة بكل معنى الكلمة .
ومن هنا نرى بان الهبة يجب ان تستمر ،والعمل سريعا على دعمها لتحقيق شراكة فعلية بين الشعب والطبقة السياسية ،مما يفرض على السلطة ان تلعب دورا هاما في التطلعات نحو الفئات الشعبية المنتفضة التي بدأ الاخوة في الداخل الانتباه لها والعمل على تطوير مسارها والتي لاتزال هذه الحالة في طور البداية ،وهي مرهونة بمدى استمرارية الانتفاضة وتطور الرؤية للتعامل معها.
3- جنرال كيف ترى مدى التنسيق بين الداخل والخارج في مناطق الشتات لدعم الانتفاضة الجديدة؟
-
الوحدة في هذه الهبة الجديدة التي يجسدها نضال وتضحيات شعبنا بمقاومته الشعبية البطولية المنفردة هي التي تجبر الجميع على العمل على تجسيد الوحدة الفلسطينية المنتظرة .هذا الحراك اجبر الفصائل كلها على الدخول في دعم الاطر الجديدة لاستمرار هذه الحالة المميزة من خلال العمل الحزبي والجبهوي والشعبي ،الذي يجدد تضامن القوى السياسية مع حركة شعبنا من اجل التعالي على المشاكل الجانبية والشخصية امام مصلحة شعبنا وقضيتنا،وبالتالي كان من البديهي التنسيق بين الانتشار والداخل في مناطق الـ 48 والضقة والقدس وغزة وكافة مناطق تواجدنا في الشتات في المخيمات في البلدان العربية او بلاد الاغتراب الاجنبية لتأمين حاضنة شعبية وسياسية لدعم واستمرارية هذه الصرخة التي لاتزال في اطار تأسيسي لانتفاضة ثالثة بشكل جديد.
ولكن، لابد من القول بان الانتفاضة الجديدة”الهبة” هي تراكم مستمر لنضال شعبنا التراكمي والتاريخي منذ الاحتلال الاسرائيلي لارضنا والذي جسدها شعبنا بدمائه الطاهرة التي روت كل ارض فلسطين ،فالانتفاضة الفلسطينية تجسد الوحدة للقوى الفلسطينية وتعطي الامل بتحقيق الحرية لابناء شعبنا.
4-ما هي قدرة الشعب الفلسطيني على الاستمرار في الاتفاضة الجديدة ؟
-ان الذي يؤكد لنا استمرارية الانتفاضة ، وان لا خوف على استمرارية هذا الحراك الشعبي او الانتفاضة هو تصدر الحالة الشعبية لمشهد المواجهة اليومية من قبل جيل الشباب، الذي ولد بعد عملية التسوية التي حصلت في اوسلو،والذي عاش كل فترة المماطلة الصهيونية التي اسقطت التسوية .
فماكان من هذا الجيل سوى الاعتراض بجسده ودمه وحياته لتحقيق مطالب واحلام واماني كان يامل ان ينفذها العدو بواسطة الضغط الدولي ،وخاصة بانه خاب ظنه من العالم الذي فشل في الضغط على تنفيذ الاتفاقات التي وضعت بالرغم من عدم الرضى الكامل عليها لشعبنا وشبابنا،ولكن العجرفة والتعصب الصهيوني الذي قاده بنيامين نتنياهو مكنه من الامساك بالورقة الصهيوينة وجرها نحو التطرف الذي جعل من اجيالنا الشابة تفقد كل الامال التي عاشت عليها طوال الفترة السابقة للمفاوضات الاسرائيلية -الفلسطينية،فماكانت من هبة القدس سوى رد شكلي للتراكم الذي عاشه ويعيشه شعبنا فالحادثة شكلية ،ولكن الدوافع كثيرة وكبيرة حيث اصبحت المعركة الحالية وجود او لا وجود،لهذا الجيل الذي يقود معركة حياة وحرية وكيان.
5-كيف ترى دور الاعلام الفلطسطيني في هذه المعركة الحالية؟
لا شك بأن الاعلام الفلسطيني في هذه المعركة الاعلامية سجل انتصاره على الاعلام الاسرائيلي ،لكن لابد من الاقرار بأن المعركة الاعلامية لاتزال دون المستوى المطلوب لقيادة المرحلة القادمة بسبب عدم الدعم، وعدم تبلور وطرح الاستراتيجية الاعلامية الفلسطينية الموحدة للخطاب الاعلامي وبثه بلغات اجنبية واعلامية لمخاطبة الغرب ومجتمع الاحتلال الاسرائيلي الذي يجب عليه التخلي عن مفهوم العنجهية والقوة والغطرسة والتطرف والذهاب نحو عقلنة الرؤية وتنفيذ القرارات الدولية التي لانزال نطالب بتطبيقها.
6- كيف ترى وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان والشتات؟
-
الوضع الفلسطيني في لبنان والشتات مرتبط بتطور الحالة الفلسطينية الحالية ،ووضع المخيمات الفلسطينية في لبنان بصراحة وضع خطير،والمخيمات مستهدفة من قبل الجميع والحالة الجديدة المتجددة هو القوة المتطرفة ،وبالتالي تنفذ اجندات خارجية تستهدف المخيم، ومخيم عين الحلوة هو عاصمة الشتات التي تشكل عقبة فعلية بوجه الحلول الاستسلامية واسقاط حق العودة ،فالعبث بالمخيم هو ورقة لاضعاف العنصر الفلسطيني واخراجه من المعادلة التي تقوم على تقرير المصير وحق العودة ،ولدينا تجارب كثيرة في مخيمات الشتات الفلسطينية وفي دول اخرى تعرضت للتهجير والافراغ القصري.