%D9%81%D8%A4%D8%A7%D8%AF أوكرانيا

حق تقرير الشعوب لمصيرها في الثورات العربية

فؤاد خشيش / يعتبر حق تقرير المصير للشعوب من المبادئ الأساسية في القانون الدولي باعتباره حقا فؤاد أوكرانيامضمونا ،لذلك كانت الصلة قوية ومباشرة بين مفهوم حق تقرير المصير بكل أشكاله، وبين مفهوم حقوق الإنسان كفرد أو جماعة عرقية أو ثقافية من جهة، والديموقراطية في صيغتها القديمة والحديثة من جهة أخرى.

وتتضح أهمية هذا الحق كونه يشكل الإطار العام الذي تندرج ضمنه الحقوق الأخرى، فكيف يمكن المطالبة بحقوق الإنسان الخاصة في إطار شعب فاقد لحقه في تقرير مصيره في بناء دولته والمشاركة في القرار السياسي والاجنماعي عبر الانتخابات التمثيلية( البرلمان وغيره من السياسات المكونة لتلك الدولة او النظام العادل الذي يضمن له حقوقه ما يمكنه من القيام بالمقابل بكل واجباته التي تمليها القوانين والانظمة المرعية الاجراء  .

 عبر التاريخ ،اقترن تقرير المصير( الاستقلال) ,منذ القرن السابع, على انه”حق الشعب في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله أو السيادة التي يريد الانتماء إليها”.وإذا كانت بدايات هذا الحق استهلت في عام 1526 فانه لم يجد تطبيقه الفعلي إلا في بيان الاستقلال الأميركي المعلن في 4 تموز 1776، وبعدها في وثيقة حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 في فرنسا . كان مبدأ تقرير المصير في أوروبا ضد طغيان الملوك والطبقات الحاكمة، وقدأطلقت الثورة الفرنسية هذا المبدأ في أوروبا من اجل الأفراد والشعوب والأمم التي من حقها أن تتمتع بالحرية، وان تقاوم الاضطهاد، وان تحدد أوضاعها الداخلية والدولية، فكانت بدعة الاقتراع العام أو ما أصبح يعرف بديموقراطية الحكم .وبسبب اختلاف وجهات النظر في تفسير هذا الحق من قبل القوى الاستعمارية والمناهضة للاستعمار، ولا سيما في شأن منح الشعوب غير المستقلة استقلالها، فقد عمل ممثلو الدول الاستعمارية على التقليل من شأن هذا الحق وإضعاف أهميته إلى حد إنكار وجوده ضمن مبادئ القانون الدولي، مما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تطلب من لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 421 الصادر عام 1950 وضع توصياتها حول الطرق والوسائل التي تضمن حق تقرير المصير للشعوب، كما نصت في قرارها رقم 545 الصادر عام 1952 على ضرورة تضمين الاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مادة خاصة تكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها.

منذ انطلاق ثورات ما يسمى ” الربيع العربي” ، التي اطاحت بالعديد من الانظمة الديكتاتورية حيث خرج الملايين في بلدان الربيع العربي مطالبين بحقوقهم المدنية والاقتصادية  والثقافية والاجتماعية ، بدأ العالم “المتحضر” كأنه مصاب  بالذهول من موجات الملايين التي فاجأته بانها قادرة في لحظة تاريخية على النهوض من كبوتها للمطالبة بحقوقها، لكون هذا العالم كان يدعي على الدوام بانه مع حقوق الانسان التي ساهم هو بمنع هذه الشعوب من الحصول على الحد الادنى من هذه الحقوق، لكونه ساهم وساعد وحمى تلك الانظمة الدكتاتورية التي لو استطاعت ان تمنع الهواء عن شعوبها لما تأخرت ، (وعلى كل حال السجون والاعدامات والاعتقالات التي طالت معظم شرائح المجتمع خير دليل على ذلك)،  وهنا تطرح المسألة الاخلاقية ومفهوم العدالة الاجتماعية عند قادة تلك الدول وعند شعوبها التي لا تزال ساكتة ومتخلفة عن السير مع انتفاضات هذه الدول او حتى دعمها، اللهم الا ما ندر. ولكن من الواضح ان للدول بكل الاحوال مصالحها وعلاقتها، على حساب الشعوب الاخرى، مع الاستعمال”اللفظي” ولو بالحد الادنى على شعاري “حقوق الانسان والديموقراطية” للحفاظ على ماء الوجه كما يقال .

  وفي هذا الاطار، يقول كينيث روث، المدير التنفيذي في منظمة  حقوق الانسان: “الحقيقة المُحزنة هي أن السياسة الغالبة على الغرب تجاه الشعوب العربية كانت دائماً سياسة احتواء. اليوم بدأ الكثيرون يهللون مع خروج شعوب المنطقة إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها، لكن حتى وقت قريب كانت الحكومات الغربية تتصرف كثيراً تجاه الشعوب العربية وكأنها لابد من الخوف منها، واستمالتها، والسيطرة عليها. في مناطق أخرى من العالم، انتشرت الديموقراطية، لكن يبدو أن الغرب راض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم طائفة من المستبدين العرب، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعونها”. لقد أظهر الربيع العربي أن الكثير من شعوب المنطقة لا تفضل تواطؤ الغرب مع الحكم المستبد. هذه الشعوب التي رفضت الاستمرار في لعب دور الرعايا المستكينة لحُكام لا يخدمون إلا أنفسهم، بدأت في الإصرار على الاستمتاع بالمواطنة الكاملة في بلدانها، وأن تضع مصيرها في يدها.

ومن الملاحظ ان الدول الغربية تخلت بسرعة غريبة وعجيبة عن أصدقائها الحكام الذين رعت استبدادهم ولكن في الوقع نفسه هالهل نهضة الشعوب  وهناك الكثير من الدول الأخرى أبدت عدوانيتها الصريحة تجاه الثورات خوفا من امتدادها الى داخلها  او خوفا من انعكاساتها وهي بلا شك سيكون لها من التاثير المستقبلي في صياغة التحالفات سواء الاقليمية او الدولية ( فك ارتباط بينمصالح الدول على سبيل المثال ).

 لقد اكدت ثورات الربيع العربي ان ما يحصل اليوم هولحظة تحول تاريخية ومفصلية  في المنطقة ، وان الشعوب لن تتخلى عن تحقيق اهدافها في تامين الخبز والحرية والديموقراطية، ولا يمكن العودة الى الوراء، وان ما يحصل هو انطلاقة جنينية  لبناء الدولة الحديثة وهذا المسير طويل وليس سهلاً.

لقد كشفت الثورات العربية  عن الكذبة الكبيرة التي يتشدق بها العالم الحر حول حقوق الانسان ، وبانت عملية الكيل بمكيالين، والعالم اليوم احوج ما يكون لصحوة ضمير تاريخية فعلاً  لا قولاً، اي القيام بمساعدة الشعوب المضطهدة، ، والا فان الاتي مستقبلاً لن ينجو منه اي شعب او دولة مهما كانت متطورة ومتقدمة( تابعوا تصريحات زعماء وقادة الدول الكبرى).

دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …