ماجد عزام / ربما يكون من المبكر الخروج باستنتاجات نهائية حول حرب غزة وتداعياتهاعلى الواقع في فلسطين والمنطقة، وربما يكون من الأفضل انتظار نتائج المفاوضات التي ستجريفي القاهرة بعد ثلاثة أسابيع، لمناقشة القضايا الصعبة والشائكة التي تم تأجيلها مثل المطار والميناء والأسرى،غير أن بالإمكان تقديم استنتاجات أولية أو ملاحظاتأساسية عن تطورات ومجريات الحرب التي كانت الثالثة التي تخوضها غزة في غضون ست سنوات تقريباً.
– أكد الصمود الأسطوري للغزيين خلال الحرب مرة جديدة على أن الشعب الفلسطيني محكوم بالمقاومة التي باتت قدر بالنسبة له، وأكدت الحب حقيقة أن أي فلسطيني هو مقاوم بالضرورة ولو على طريقته، وأن بعض الاستثناءات تثبتالقاعدة السابقة ولا تنفيها.
– حرب غزة الثالثة أظهرت كذلك أننا نملك مجموعات مقاتلةعديدة، نملك مناضلين كثر، وأيضاً كل على طريقته، ولكننا نملك جناح أو تنظيم عسكري واحد بالمعنى الدقيق للكلمة؛مقصود بالطبع كتائب القسام التي أبدت مهنية عالية وتنظيم دقيق، بل فائق الدقة وتنوع في عملياتها وفعالياتها دون أن ينال ذلك بالطبع من العزيمة التي أبدتها المجموعات المقاتلة الأخرى، مثل كتائب الأقصى سرايا القدس وألويةالناصر صلاح الدين وكتائب الشهيد أبو على مصطفى وكتائب المقاومة الوطنية وغيرها.
– أثبتت الحرب كذلك عجز إسرائيل عن هزيمة الشعب الفلسطيني، وفشل الحل، بل الحلول العسكرية فى مواجهة شعب يبحث عن أماله المشروعة في الحرية السيادة والاستقلال. وللمفارقة فإن هذا هو نفس ما قاله الجنرال دان شومرون رئيس الأركان الإسرائيلي أثناء الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي.
– في السياق نفسه برهنت الحرب على عجز جيش الاحتلال عن تحقيق انتصار عسكري واضح وقاطع، في مقابل المقاومة االفلسطينية، ويبدو لافتاً هنا ليس فقط أن آخر انتصار لا لبس فيه تحقق في النكبة الثانية عام 67أسمتها أنظمة الاستبداد نكسة، كي لا يستخلصوا العبر ويدفعوا الثمن – وإنما تبرير رئيس الوزراء الإسرائيليالراحل اسحق رابين لأحد أصدقائه موافقته على توقيع اتفاقأوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، بيقينه من عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق الانتصار في أي حرب قادمة.
– رغم الخسائر والتضحيات الهائلة: بشرياً ومادياً، إلاّ أنالحرب أعادت تجسيد الوحدة السياسية والوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أنها كانت بمثابة إعلان رسمي عن فشل المفاوضات وعملية التسوية برمتها، ولا أحد سيفكر الآن وبعد الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبها جيش الاحتلال في استئناف عملية فاشلة مع حكومة، باتت ساقطة بحجةأنها لم توقع مزيد من الأذى بالفلسطينيين، رغم الدمار الهائل والمأساوي الذي حل بغزة وأهلها.
– واحدة من أهم دلالات الحرب برأيي تتمثل في أن حركةحماس قاتلت مرتين – في أقل من سنتين تقريباً – وهيفي حالة قطيعة مع النظام االسوري والمحور الداعم والمتحالف له، الذى انتفت صفة المقاومة عنه ليس فقط نتيجة لجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري – وشعوب عربية أخرى – وإنما لغياب أينفوذ أو تأثير له في القضية المركزية التي لم تعد كذلك وحل مكانها الدفاع عن النظام الساقط أصلاً في الشام.
– على صلة بالدلالة السابقة، أكدت الحرب غياب أي تأثيرأو نفوذ لإيران في الملف الفلسطيني في ظل القطيعة أو شبه القطيعة مع حماس والعلاقة المتردية تاريخياً مع حركة فتح، وهذا ما يفسر الصمت الإيراني طوال فترة الحرب تقريباً، وتلعثم حلفائها أمام حرب قادتها فعلياً حماس التي كانت لثلاث سنوات في خطابهم جزء من مؤامرة مزعومة أممية أمريكية صهيونية عربية إخوانية ضد النظام السوري، وحلفائه والضجيج الذي أثارته بعض الوسائل الإعلامية التابعة لطهران – وليس كلها بالمناسبة – لم يهدف فقط إلى التغطية على هذه الحقيقة الساطعة، وإنما لحجبأي مكاسب سياسية أو إعلامية عن حركة حماس وهو ما بداأقرب إلى تغطية الشمس بغربال.
– إقليمياً أظهرت الحرب فشل بل وبؤس فكرة أو سياسة استئصال حركات الإسلامى السياسى والإخوان المسلمينتحديداً من المشهد السياسي في المنطقة، حيث اضطرت قوى إقليمية ودولية عديدة إلى التحادث مباشرة أو غير مباشرة مع حماس، هذا لا يعني طبعاً أن من حق التيار الإسلامي الهيمنة على المشهد كله لا في فلسطين، ولا فيالمنطقة، بل العمل لتعميم النموذج التونسي على المنطقة ولو بتحديثات ما، لتجنيبها أخطار الاقتتال والحروب الأهلية المستترة أو العلنية.
– لا يمكن إنكار نصف النجاح الذي حققته القاهرة فيالملف الفلسطيني والتوصل إلى تفاهم لوقف إطلاق النار بعد خمسين يوماً من الحرب، إلا أن التعميم الفتحاويالأخير – وزع السبت 30 آب أغسطس- أكد أن التفاهم جاء بتدخلات ووساطات أخرى إقليمية ودولية – قطرية وأمريكية– أي أن الحرب أعادت حضور القاهرة في الملف الفلسطيني، ولكن ليس وحدها لأن زمن الوساطة الحصرية قد ولّى وانتهى، ليس فقط فلسطينياً، وإنما إقليمياً وحتى دولياً أيضاً.
– في الأخير عود على بدء. فالبطل الحقيقي للحرب الأخيرة أي الشعب الفلسطيني، يستحق بالتأكيد تعاطيمختلف معه من قبل الفصائل وتحديداً حركتي فتح وحماس،وإذا كان من المنطقي والمنصف عدم امتلاك حماس وحدهالقرار الحرب، فإن من المنطقي والمنصف أيضاً عدم امتلاك فتح وحدها لقرار السلم والجهاد الأكبر والأصعب لا يتعلق فقط بإعادة إعمار غزة، وهي المهمة التي ستستغرق سنوات طويلة، وإنما بكيفية بلورة استراتيجية وطنية موحدةلإدارة الصراع مع إسرائيل تقطع مع ذهنية المفاوضات والتنسيق الأمني، وتقتنع بأن من المستحيل العودة لحرب واسعة وشبه تقليدية معها كل سنتين أو ثلاث سنواتاستراتيجية تعتمد المقاومة بكافة أشكالها وأساليبهاوتعطي الأولوية لمواجهة حرب التهويد والاستيطان المستمرة في الضفة الغربية، والتي لم تتوقف يوماً واحداً حتى خلالالحرب الأخيرة. كما لمحاسبة ومعاقبة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها، وما زالت بحق الشعب الفلسطيني واستغلال التعاطف الدولي الرسمي والشعبي الكبير، بما يصب في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة فيالسيادة الاستقلال وتقرير المصير.