هادي جلو مرعي / رأيت الحمار يسير منفردا في الطريق الزراعية وعلى ظهره كمية كبيرة من الجت والبرسيم. لم أجد أحدا من البشر يقوده ، أو يمشي قريبا منه، وعندما وصلت المنزل الذي أقصده لم يكن صاحب المنزل قد وصل، وبعد هنيهة وصل الحمار. لكن صاحبه تأخر كثيرا ويبدو أنه يثق بحماره الذي سار في الطريق وإهتدى الى المنزل وقبل ذلك الى المزرعة دون دليل بعد أن تعود الطريق تلك.
الحمار يروح ويجيء، ولايكلف صاحبه الكثير من العناء، ويعمل بكد دون شكاية لكنه يحتاج قبل ذلك الى التدريب المكثف، وربما بعض الضرب والتوبيخ ولاتسمع له شكاية، أو حكاية. لكن الحمار ليس جديرا بقياد نفسه، وهو يحتاج الى المراقبة، ولايمكن تكليفه بمهام أخرى سوى التي تعودها وتدرب عليها، ولاينتظر صاحبه منه غير ذلك.
يقال أن الحمار من الحيوانات الذكية، ويؤكد ذلك أنه يؤدي المهام بعد بعض التدريب، وهو في المرتبة الثانية بعد الإنسان في سلم قياس الذكاء. لكن هذا لايعني أن نتركه يدير الأمور لوحده، ولابد من مراقبة مستمرة وحذر وإنتباه لكي لايذهب الحمار الى مساحة لايجوز له دخولها خشية أن يتيه فيها، أو يخرب الحياة.
عديد التجارب في الحياة تؤكد أن عناد الحمار برغم سلبيته لكنه لايتجاوز عناد الإنسان وإصراره على التسبب بالأذى والتمسك بمواقف سلبية، ومع بعض الضرب والتنكيل يمكن أن نرغم الحمار على ترك عناده والإستسلام فليس له قدرة على الصمود والمقاومة، بينما قد يتسبب الإنسان المعاند بحرب شرسة تدمر كل شيء، وهو أمر غير متاح للحمار الذي لايتجاوز في عناده أن يتوقف مكانه لبعض الوقت ثم يتحرك. عناد الإنسان يسبب الموت واليتم والترمل والجوع والخراب وتشتت الناس وضياعهم، لكن عناد الحمار ليس بهذه القسوة.
ولو حكم إنسان بدرجة حمار وبعناد إنسان مقاليد الأمور فإنه سيخرب كل شيء، وماأكثر الحمير في زماننا هذا. وكم من حمار يقود راكبه، أو يركبه فيتحول الراكب الى حمار..