هادي جلو مرعي/ التيس هو ذكر الماعز، وله قابلية القفز والنطنطة من مكان الى آخر، ولعل من بين أهم قدراته الصعود على الأشجار ومهاجمة الحدائق العامة والخاصة وأكل أوراق شجر البيوت القريبة من الحيطان، وإذا وجد الفرصة سانحة فإنه يهاجم البيوت من الداخل فهو يأكل كل شئ يمكن أن تقع عيناه عليه، لكن تطورا حصل في حياة التيوس في العراق خلال السنوات الماضية وخاصة في فترة الإنتخابات حيث تعلق صور المرشحين والمرشحات، أو تلصق على الجدران، وعلى الحواجز الخرسانية في الطرقات وعلى جانبيها، وقد قامت مجموعات من التيوس ترافقها مجموعات من الإناث المنفلتة بمهاجمة الدعايات الإنتخابية للمرشحين وأكلتها وظهر إنها تحب أكل الورق الذي تصنع منه ملصقات الدعاية، كما إن الصمغ الذي تلصق به على الجدران يسبب نوعا من النشوة شبيهة بما يسببه الحشيش المخدر. في بعض بلدان آسيا يكون للماعز أهمية تفوق أهمية بقية الحيوانات، بينما تحتفظ الأغنام والأباعر والأبقار بأهمية فائقة في الشرق الأوسط والمناطق العربية والصحراوية منها، ويقال ، إن حليب الماعز يحتفظ بخاصية غذائية عالية للغاية ومهمة للصحة العامة، وتحظى الأجبان المصنوعة من حليب الماعز بشعبية جارفة، وترتفع أسعارها على خلاف بقية المنتجات الحيوانية المماثلة، بينما لايفضل العرب لحم الماعز، ومنهم من يشتكي إنه يسبب الإسهال على العكس من لحوم الأغنام الشهية والمغذية. قبل عقود من الزمن كان لأبي صديق إسمه” سيد حسن” رحمه الله ورحم أبي، وكان يسكن جوار بيت والدي الفقير والمتهاو، وكان للسيد حسن شعبية في الريف، وكانت تأتيه الهدايا البسيطة من بعض المحبين، ومن تلك الهدايا تيس بقرنين بارزين وضعه السيد في مكان آمن، وعندما بلغ والدي خبر التيس تفتق عقله عن فكرة جميلة ومبهرة يجمع عليها أبناء القرية، ويدخل السرور على قلوبهم، وكان أغلبهم فقراء معوزين، وتحّين الوالد الفرصة تلو الأخرى حتى حانت لحظة الحقيقة، وتوجه الى مكان التيس في منزل السيد وسحبه من أحد قرنيه، وجاء به الى الدار وذبحه على طريقة المسلمين في الذبح، ونادى في الناس، أن هلموا الى الوليمة العامرة بما لذ وطاب من اللحم والمرق والثريد، وكان السيد حسن يتصدر قائمة المدعوين، وجلس في مكان الريادة، ووضعت الأطباق، وكان السيد علم بإختفاء التيس، لكنه لم يكن ليتوقع أن يكون والدي قد إختطف تيسه. وضع الوالد رأس التيس على الصحن قبالة السيد، وأخذ السيد يقلب الرأس ويتلمس الأذنين والفكين، ويتمعن في اللسان، وقال بعد برهة، يا “جلو” إن هذه الأذن أذن تيسي، واللسان لسانه، والفك فكه! فرد المرحوم الوالد ضاحكا، ألم تفكر ياسيد بحالي، وتسأل نفسك، من أين لهذا الفقير أن يدعو الناس على وليمة كبرى؟ نعم إنه تيسك، فكل وتذوق الطعام، وإنس الموضوع، فلم يكن من السيد والحاضرين إلا إن يخوضوا في كلام كثير، وضحكات وقهقهة، وهم يأكلون ويتندرون دون زعل، أوخصام. حال الناس في بلادنا العربية يشبه حال والدي وتيس السيد، فالشعوب تعلم أنها مسروقة، ولكنها تذهب في كل مرة الى صناديق الإقتراع لتصوت للصوص ليحكموها !