بقلم / مأمون شحادة
مانشيتات الأخبار متعددة ومتنوعة، إن كانت رئيسية في الصحف والمجلات أو مذيلة أسفل شاشات الفضائيات خصوصاً السياسية منها، وأكثرها تعقيداً قرار محكمة الجنايات الدولية فتح ملف تحقيق في الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني.
الكل لا يعلم من أين ستبدأ هذه المحكمة، من “الميمنة والميسرة” أم “المقدمة والمؤخرة”؟ وما هي جولاتها ومحدداتها الزمانية والمكانية؟ وهل سيتم إقصاء التاريخ الفلسطيني وحصره ضمن أحداث محددة تفتقد الشمولية؟ أم أن المكان والزمان سينحصران في بقعة رقمية تحتمل تقلبات حجر النرد؟
أسئلة تضع العقل السياسي في كف مبتور، وفي أرجوحة لا يعرف لها التقدم أو التأخر، وكأن هذا الملف يشكل قنبلة موقوتة ستنفجر في لحظة متشعبة ومغلفة بأوراق تحتمل الطرح والقسمة بعيداً عن التأصيل الجذري للعدد والمعدود.
ولكن! أليس الأولى بمحكمة الجنايات التحقيق في جريمة واضحة للعيان؟ فالاحتلال الإسرائيلي بكل معانيه وتقمصات نشوء كيانه جريمة فادحة تستوجب المحاسبة على ما اقترف بحق شعب سُلبت أراضيه وهدمت بيوته وقتلت زهرات شبابه على مرأى ومسمع العالم.
المطلوب من المحكمة – إن كانت تحمل في أروقتها الجدية والنزاهة – فتح ملف عصابات الأسرَلة الأولى، فجريمة احتلال فلسطين وتشريد أهلها واضحة ولا تحتاج الى ملفات تتكدس بين دهاليز السياسة ونظريات القوة.
ومن اقبح المواقف السياسية التي تعبّر عن المعنى الحقيقي لمصطلح الاحتلال ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري: “أخبرنا الفلسطينيين بأشد العبارات أننا نرى طلب انضمامهم لمحكمة الجنايات تصرفا غير مناسب، وهو سلوك فظيع ستكون له نتائج سلبية منها احتمال قطع مساعدات الولايات المتحدة عنهم”.
تلك التصريحات تعتبر من الناحية الأخلاقية اشد خطورة من الاحتلال الجاثم على ارض الواقع، ويجب توجيه كل أصابع الاتهام ضد هكذا تصريحات تساند الاحتلال في زمن يتغنى فيه هذا الطرف بالحرية والديمقراطية وإنصاف الشعوب المقهورة.
بعيداً عن ديباجات وأدلجة الملفات، هل تستطيع محكمة الجنايات الاعتراف بإسرائيل كدولة احتلال؟ وهل توجد جريمة أبشع من الاحتلال؟ وكذلك ألا يحوي هذا المصطلح كل أصناف الجرائم والبربرية في سلة الاقصاء؟ ام ان المحكمة ستدور في حلقة مفرغة وواسعة تتجاهل البذرة الأولى – أي الاحتلال – لكل الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين؟ وما موقف المحكمة من قرارات الفيتو الأميركية المساندة لإسرائيل؟ الا تجسد الركيزة الأولى والداعم الأساسي لـ “هكذا” أسرَلة؟.
قال الدكتور هاري إيمرسون فوردريك: “على سفح جبل تقف شجرة معمرة شامخة، حيث تعرضت للإصابة بالصواعق أكثر من 10 مرات واجتاحتها عواصف رمادية عاتية على مدار قرونها المنصرمة، إلا أنها ظلت راسخة ثابتة صامدة على حالها”، وهذا هو الحق الذي لا يحتمل التحوير والتدوير والتلاعب خلف الستار وكل أساليب الطرح والقسمة.