شيع عشرات الآلاف  الجمعة في العاصمة التونسية القيادي اليساري المعارض شكري بلعيد في ظل إضراب عام دعت إليه النقابة الرئيسة، وواكبته أعمال شغب متفرقة. وفي الوقت نفسه، تواصلت الدعوات إلى التهدئة، فيما تم استدعاء سفير فرنسا عقب تصريحات لوزير فرنسي اعتبرت تدخلا في شؤون تونس.

images52 أوكرانياوتحدثت وزارة الداخلية عن مشاركة نحو أربعين ألف شخص، بينهم قادة أحزاب معارضة ومحامون، في تشييع بلعيد في مقبرة ‘الجلاّز’ بالعاصمة، حيث دفن على مقربة من صالح بن يوسف، وهو زعيم وطني اغتيل في إطار صراع سياسي مع الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة عام 1961.

وكان بلعيد، وهو أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد المنتمي للجبهة الشعبية اليسارية المعارضة، اغتيل صباح الأربعاء أمام منزله بعدة رصاصات. وقال وزير الداخلية علي العريض أمس إن التحقيق في الحادثة يتقدم.

ونقل الجثمان من منزل عائلته في حي جبل الجلود الشعبي جنوبي العاصمة على متن عربة عسكرية إلى المقبرة، وتمت عملية التشييع في ظل إجراءات أمنية مشددة، وتخللتها هتافات مناوئة للحكومة ولحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.

وقال مراسل الجزيرة إن نقل الجثمان إلى المقبرة استغرق أربع ساعات، مضيفا أن الجنازة جرت عموما بنظام، ولم يعكرها سوى اعتداء شبان -وصفتهم وزارة الداخلية بالمنحرفين- على سيارات رابضة في محيط المقبرة.

دعوات للتهدئة
ووسط هذه الأجواء، تواترت دعوات السياسيين إلى التهدئة لتوفيت الفرصة على الساعين لبث الفوضى.

فقد دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إرساء ثقافة السلم والحوار والتعايش، مؤكدا أن تونس تسع الحداثيين والإسلاميين، ونافيا في الوقت نفسه ما تردد عن مغادرته البلاد.

وقال في كلمة أمام المقر الرئيس للحركة بالعاصمة إن جريمة اغتيال شكري بلعيد لن تزيد التونسيين إلا توحدا، مشيرا إلى أن منفذي الجريمة أرادوا ضرب التونسيين بعضهم ببعض، لكن مخططهم سيفشل.

من جهته، نقل مراسل الجزيرة عن قيادي في الجبهة الشعبية -التي ينتمي إليها بلعيد- قوله إنه بدفن بلعيد ينبغي دفن كل مظاهر العنف في البلاد.

وأشار أيضا إلى دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة في البلاد)، إلى التقيد بسلمية الإضراب العام والاحتجاجات التي اندلعت عقب اغتيال بلعيد، وتطورت في بعض المدن إلى مواجهات وأعمال نهب.

الإضراب العام
وجاء تشييع بلعيد في يوم شهدت فيه البلاد إضرابا عاما دعا إليه اتحاد الشغل، وتفاوتت نسبة الالتزام به.

وأغلقت جلّ الإدارات الحكومية ما عدا التي تسدي خدمات حيوية مثل شركتي الكهرباء والمياه. وفي المقابل سارت الحياة بصورة شبه طبيعية في جل الولايات.

وفي العاصمة، تأثر نشاط قطاع النقل جزئيا، في حين أُلغيت رحلات شركة الخطوط الجوية التونسية في مطار تونس قرطاج.

التصريحات الفرنسية
في الأثناء، استدعى رئيس الحكومة حمادي الجبالي اليوم السفير الفرنسي فرانسوا غويات للاحتجاج على تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي مانوال فالس، قال فيها إنه يتعين دعم العلمانيين والديمقراطيين في تونس، وإن تونس ليست نموذجا للربيع العربي.

وقال وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام عقب اجتماعه والجبالي بالسفير ‘عبّرنا للسفير الفرنسي عن قلقنا من تصريحات وزير الداخلية الفرنسي وموقفه المتحيّز والمثير للقلق، وعبّرنا له عن حرصنا على صيانة سيادة بلادنا واستقرارها السياسي‘.

وكان عبد السلام قال قبل ذلك ‘إن ردّ تونس لن يكون موجها فقط إلى وزير الداخلية الفرنسي، وإنما إلى الحكومة الفرنسية ككل‘.

وأضاف أن ما صرح به فالس -الذي أغلقت بلاده مدراس ومؤسسات تابعة لها يومي الجمعة والسبت، ودعت رعاياها بتونس للحذر- لن يغير هذه الحقيقة، مضيفا أن الحكومة دعت إلى التحقيق في اغتيال شكري بلعيد، وتأمل بالتوصل إلى الحقيقة.

مع الشرعية
وفي العاصمة التونسية أيضا، احتشد أنصار حركة النهضة والحكومة أمام المجلس الوطني التأسيسي -السلطة الأصلية العليا في البلاد- للتنديد بدعوات صدرت عن سياسيين بينهم رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي لحل المجلس التأسيسي، وكذلك لاستنكار تصريحات فرنسية اعتبرت مساسا بسيادة تونس.

ونقل موفد الجزيرة نت إلى تونس عن مشاركين في المظاهرة رفضهم اتهام النهضة بالمسؤولية عن اغتيال بلعيد، ومطالبتهم بإقرار قانون تحصين الثورة الذي كان يفترض أن يناقشه النواب في اليوم الذي قتل فيه.

وسُجلت مظاهرات أخرى مدافعة عن شرعية المجلس التأسيسي في ولايات سوسة وصفاقس وقابس، في حين خرجت مظاهرات أخرى مناوئة للحكومة في سيدي بوزيد وقفصة.

وسُجلت أمس والليلة الماضية أعمال شغب ونهب متفرقة في صفاقس (جنوب)، كما تعرض المزيد من مقار حركة النهضة للاقتحام والحرق.. واعتقلت الشرطة عشرات المشاغبين في مواقع الاضطرابات.

المصدر: بيت العروبة