هادي جلو مرعي / بين رسالة روح الله الخميني الى غورباتشوف نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ورغبة موسكو الحالية في التحالف مع طهران تغيرت الكثير من معالم السياسة الدولية، وتبدلت التحالفات، ولم تعد التنازلات سياسة روسية كما كانت على عهد غورباتشوف والسكير بوريس يلتسين الذي قصف مجلس الدوما بالدبابات من أجل إخضاع المعارضين لسياساته. بوتين خليفة كل التجاذبات السوفيتية الروسية والصراعات الداخلية والخارجية وثورات الفلاحين والعمال ورغبة الإمتداد والحفاظ على الهيبة، ثم إعادة المجد الإمبراطوري. يبدو هذا الرجل أكثر جدية في التعاطي مع الملفات المتصلة بمصالح بلاده، ويسعى جاهدا لوضع القدم الروسية في كل مكان لتزاحم القدم الأمريكية التي ترسخت طوال عقود من التراجع الروسي.
حط فلاديمير بوتين الرحال عند مضارب المرشد الأعلى علي خامنائي خليفة روح الله وسيد القرار في مايتعلق بالملفات الحرجة والأكثر تعقيدا سواء في فرض شروط للعبة مختلفة مع الغرب متصلة بالنجاحات في الملف النووي والتحرك الحثيث لضمان مصالح أوسع لإيران، أو الحراك في المنطقة المحيطة بمصالح موسكو أعجبت في أغلبها الدب الروسي الذي أخذ يتماهى معها رويدا، ويشعر بأهميتها لضمان مصالحه الحيوية في الشرق الأوسط وآسيا وحماية الخاصرة الجنوبية لروسيا، ثم في سوريا التي يتحالف فيها نظام الرئيس بشار الأسد مع طهران ويدعم حزب الله ويرفض الحضور الأمريكي، ويقاتل بشراسة ضد قوى المعارضة الديمقراطية وتلك المرتبطة بأجندات دينية خاصة ومتشددة ويصمد لسنوات، وكان ذلك بفعل سياسة المرشد الأعلى، وطبيعة الدعم الإيراني الروسي المشترك.
سيطلب بوتين من المرشد دعم أكبر لجهود روسيا في سوريا، وقد أكد عدم كفاية الضربات الجوية والحاجة الماسة الى نوع من التدخل البري ووضع قوات أكبر على الأرض وأشد قسوة في مواجهة تحديات الأيام القادمة، ويرتبط ذلك بعزم واشنطن إرسال قوات الى شمال سوريا لدعم المعارضة الديمقراطية في مواجهة داعش على بعض الجبهات. بوتين يريد من المرشد الموافقة على إرسال قوات إيرانية الى سوريا للقتال الى جانب الجيش السوري وحزب الله بمعاونة الجهد الجوي الروسي المكثف، ويبدو إن روسيا ستستفيد كثيرا من الضربات الجوية الأمريكية والفرنسية المزمعة والبريطانية التي يجهد ديفيد كاميرون لنيل موافقة البرلمان عليها وهي موافقة أصبحت متيسرة أكثر ماسيؤدي الى تكثيف الضربات الجوية ضد معاقل داعش وإضعاف التنظيم والتمهيد لمرحلة سياسية في هذا البلد الذي مزقته الحرب منذ خمس سنين.
إيران لن تتردد في توضيح إن أي تنازل في موضوع بقاء الأسد في السلطة غير مقبول خاصة بعد التطورات الأخيرة وشعور طهران بحتمية الإنكسار لمشروعها في المنطقة في حال رحيل الأسد وهو الأمر الذي يتفهمه الروس جيدا ويبالغون في إجراءات حقيقية لتمكين الرئيس السوري من البقاء مع إضعاف خصومه ليكون قويا كفاية عند الوصول الى مرحلة التفاوض من أجل إنتقال سياسي محتمل خلال الأشهر القليلة القادمة كما يريد الغرب وبعض الحلفاء الخليجيين والإقليميين.