ياسمين بركات / ان مصدر الظلم الاول في قطاع غزة هو العصف بالحريات وحقوق المواطن من خلال القهر والبطش الامني وهما من السمات الاساسية للحكم التعسفي المتسلط, ويترافق مع هذا الظلم افقار الشعب باغلبيته الساحقة وتكريس مبدأ الفوارق في المعيشة والدخل والثورة, بنفس الوقت اخذ القوة واستعمالها لتكريس السلطة على المجتمع, حيث عادة ما يقترن الحكم التسلطي بحالة حادة من الفشل الاداري والاقتصادي والاجتماعي تكاد تقضي على الكرامة الانسانية في ذلك المجتمع وهذا ما يحدث حاليا في قطاع غزة تحت سلطة حركة حماس.
يتجلى فشل حركة حماس في قطاع غزة في عدة نواحي ظاهرة للعيان ولا تحتاج الى اثبات مثل تفشي البطالة واستشراء الفقر وتغلغله في جميع فئات الشعب, وما يترتب على ذلك من تفاقم الظلم في توزيع الثروة والدخل في المجتمع.
قالت منظمة الاورومتوسطي لحقوق الانسان, في احصائية نشرت يوم الاثنين الصادر في 25 يناير 2016, ان 40% من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.95 مليون نسمة يقعون تحت خط الفقر, بينما يتلقى 80% منهم مساعدات اغاثية. ووفق المرصد, فان “6 من كل 10 عائلات في القطاع تعاني من انعدام الامن الغذائي, منها 27% انعدام حاد, 16% انعدام متوسط, 14% نقص في الامن الغذائي”. أوضح المرصد أن أكثر من 50% من الاطفال الفلسطينيين بحاجة الى دعم نفسي, فيما تعاني شرائح واسعة من سكان قطاع غزة من الاكتئاب. أشارت الاحصائيات انه حوالي 922 الف لاجئ بحاجة الى المساعدات, الى جانب حاجتهم الملحة للرعاية الصحية, المأوى, التعليم, الحماية الاساسية والامن. وقد لفت المصدر الى ان الوضع الانساني في القطاع يتفاقم في ظل ازمة الوقود الحادة التي تسببت في انقطاع شيه مستمر للتيار الكهربائي, مما يؤثر على الحياة اليومية ويحول دون تقديم الخدمات الاساسية للافراد, حيث تصل ساعات قطع الكهرباء الى 12-16 ساعة يوميا. ويواجه سكان القطاع خطر نقص المياه في ظل توقعات بتفاقم مشكلة المياه الجوفيه, حيث يتلقى 40% من السكان 4-8 ساعات فقط من امدادات المياه كل 3 ايام; بسبب استمرار انقطاع التيار الكهربائي, اضافة الى ان 90-95% من المياه غير صالحة للشرب في قطاع غزة,فيما يصب 90 الف متر مكعب من المياه العادمة يوميا في مياه البحر المتوسط دون معالجة,بحسب المرصد.
وفي سياق الوضع الصحي , اظهر المرصد ان المشافي في القطاع تعمل بأقل من 40% من امكانياتها, فيما تؤجل بعض العمليات في اكبر مشافي القطاع ” مستشفى الشفاء” لفترات تصل الى 18 شهرا, فيما يعاني معظم مرضى القطاع من عدم تلقي العناية الطبية المناسبة بسبب قلة الامكانيات وانحدار المستوى الطبي. كذلك شهدت الاوضاع الاقتصادية في ظل سلطة حركة حماس تدهورا واضحا خلال تلك السنوات, حيث انخفض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 50%, وانخفضت الصادرات الى اقل من 4% مقارنة بما قبل سلطة حماس, ويواجه القطاع عجزا ب 100 الف وحدة سكنية, بينما بلغت نسبة انكماش القطاع الصناعي 60%, فيما اصبح دخل الفرد اقل ب 32% منه في عام 1994. وأشارت احصائية المرصد الى ان معدل البطالة في قطاع غزة هو الاعلى في العالم حيث وصلت الى معدل 43%. وأكدت المنظمة الاوروبية أن سكان قطاع غزة يعانون من قيود مشددة على الحركة والتنقل, بسبب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة حيث تمارس اسرائيل سياسة الاغلاق على قطاع غزة كمنهج مستمر منذ عشرة اعوام; من خلال سيطرتها على المعابر. اما فيما يتعلق بمعبر رفح البري, والذي يعد البوابة الوحيدة لفسطينيي القطاع الى العالم الخارجي, فقد تم فتحه بحسب احصائيات المرصد في عام 2015 بأكمله 20 يوما فقط فيما لا تزال الغالبية العظمى من سكان اقطاع غير قادرين على السفر عبر بوابة المعبر. وحذر المرصد من انهيار حقيقي قد يطال جميع القطاعات في غزة ان استمر الوضع الانساني على ما هو عليه الان.
ومع تقرير المرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان, يجب ان نتذكر دائما هذه المقولة: ما هو الفقر؟ الفقر هو الجوع الى المأكل والعري الى الكسوة, الفقر هو القهر, الفقر هو استخدام الفقر لاذلال الروح, الفقر هو استخدام الفقر لقتل الحب وزرع البغضاء بين ابناء الشعب الواحد. وهكذا نتوصل الى ان محاربة الوضع القائم في غزة تبدأ في تغيير الحكم في قطاع غزة, ومن ثم يمكن ان يكون محورا لمشروع اصلاح المجتمع الشامل في قطاع غزة.