لم تكن الحروب تقوم بمعزل عن الإعلام والدعاية والحرب النفسية، لحشد الرأي العام، ومواجهة العدو بمعلوماته لتحطيمها، فقد بقيت فنون الإتصال والإعلام في كل الصراعات على علاقة وثيقة وخصوصًا بالحرب العسكرية، وفي هذا العصر الذي يتميز أساسًا بالاتصالات والمعلوماتية والتقنية المعاصرة تكاد تتحول الحرب برمتها إلى الإعلام والدعاية.والحرب الإعلامية جزءٌ متممٌ للحرب العسكرية، والتي تدور روحاها في الجو العام. لذلك لعبت التكنولوجية الإفتراضية في وسائل التواصل الاجتماعي دورًا في نشر وتأجيج الأخبار والمعلومات، فكان لقناة التلغرام دورًا بارزًا في نقل هذه المعلومات من الميدان ومن السياسيين.
وبُحكم معرفتي اللغتين الروسية والاوكرانية والتي اظهرت من خلال المتابعة الحثية، والرصد الدائم لسير الأحداث حول تقديم المحتوى والمعلومات إن دور المراسلين في الميدان العسكري، وفي كافة الجبهات المفتوحة كان ضعيفًا للأسباب التالية:
1 ـ درجة كثافة الأخبار والأحداث المتتالية نتيجة تغير المعطيات السريعة على الأرض.
2- عدم الاهتمام العالمي بموقع أوكرانيا من وسائل الاعلام كنقطة حدث إعلامية لها تأثير منذ بداية ثورة الميدان عام 2005. وصولًا الى الحرب الاخيرة، والتي عصفت بالمنطقة كاملة وأصبحت الحدث الأساسي للأخبار.
3 ـ كما أن عدم الإلمام للعديد من المراسلين والموفدين باللغة الاوكرانية صعبت تغطية الحدث.
وقد اقتصرت التغطية على المعلومات من الجهات الرسمية على ضفتي القتال نتيجة غياب التواصل مع مصادر الحدث.
من هنا يطرح البحث السؤال الرئيس؟ هل كانت الاستراتيجيةُ الإعلامية موجودة فقط لمواجهة الغزو الروسي، او هي عملت من داخلها كونها لا تختلف عنها في اطار الترويج للبروباغندا المستوحاة من اتجاه استراتيجي.
لقد تبين ان الاستراتيجيات لدى الطرفين كانت مختلفة. بحيث عمدت الإستراتيجية الروسية على تفعيل دور التغطية من خلال النظرية السوفياتية السابقة القائمة على الترويج الدعائي للحرب تحت اسم نظرية “زخ الرصاص” للمعلومات حيث حُصرت المعلومات الروسية ضمن تعليق جنرال وزارة الدفاع الذي يتلوا بها التقارير الميدانية اليومية وبحسب ما يتوافق مع الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية .
اما الاستراتيجية الاوكرانية التي اتبعت خط سير معاكس للمدرسة الروسية والتي تتمثل بثلاثة نقاط:
النقطة الأولى: الخطابات والتصريحات التي اعتمدها الرئيس زيلنسكي بمخاطبته اليومية “للشعب والخارج عبر الفيديو.
النقطة الثانية: اعتمدت من خلال التصاريح الميدانية والسياسية والإنسانية لنائبة رئيس الوزراء، ورئيس الوفد المفاوض.
النقطة الاخيرة، والأهم هي التغطية الميدانية للأحداث كما هي في الواقع من خلال التصوير والعرض المباشر من الميدان والنقاط الساخنة بعكس الروس الذين تكتموا عن الحقائق لاسباب خاصة .
لذلك لعبت قناةُ التلغرام دورًا هامًا لدى الاوكران في تصوير الأحداث ونقلها كما هي وخاصة بإن الاوكران لا يملكون وسائل اعلامية خارجية لمخاطبة الرأي العام العالمي في تصوير الاحدث، عكس الروس الذين يملكون قنوات ومحطات ووكالات إعلام تبث بلغات مختلفة للعالم.
وقد كان الخبر الاوكراني ينشر بوسائل الاعلام العالمية وفقًا للتغطية، والتي لعبت فيها فيديوهات ومقابلات الميدان دورًا أساسيًا بواسطة التلغرام . وهذه القناة إي التلغرام هي مستخدمة بشكلًا أساسي في روسيا وبعيدة عن سيطرة الغرب و تترجم مباشرة للمشتركين الى 59 لغًة اوتوماتيكيًا. مع العلم ان هذه المعلومات وجديتها استندت الى مقابلات مع الصحفيين العرب في أوكرانيا عايشوا الواقع والى صحفيين روس.
لان الخبر والمعلومات عن الواقع اعطى مصداقية لأنه كان من صناعة الناس الذين يعيشون الخبر والواقع الميداني ومن المرسلين والإعلاميين المحليين والوافدين الذين حاول أن يشكلوا زخمًا من الرسائل تبطل الادعاءات الروسية وتبين قوة الواقع الاوكراني، لذلك إن معرفة التوجهات الإعلامية الأوكرانية رغم ضآلة قدرتها إنطلاقًا من مقاومة الأفكار والاعلام الروسي في تبيان المعركة الجيوسياسية والجيو اقتصادية التي تحاول روسيا الحفاظ على مكتسباتها ومصالحها في أوكرانيا ومن خلال تأكيدها على دورها في استغلال الاراضي الاوكرانية في الصراع العالمي بمنع تحويل أوكرانيا الى خط حرب وتجاذب بين الغرب وروسيا، من خلال ممارسة سياسة الهدم والتهجير للسيطرة على الأرض.اذن، استطاعت هذه الاستراتيجية ردم الهوة والقدرة على مواجهة الإعلام الروسي، مع دور عالمي لنشر وتغطية هذه الرسائل الأوكرانية.
أوكرانيا اليوم
إقرأ أيضا:
مسؤول أوكراني يدعو إلى شن ضربات على مصانع الطائرات بدون طيار في إيران