انتهى حلم زعيم اليسار الإسرائيلي “إسحق هيرتسوغ” في شأن تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، بعد أن وردته الأنباء، بأن رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” نجح بتشكيلها في الدقيقة 90، بعدما أو شك على المغادرة، بسبب قرب انتهاء المدة الممنوحة له وهي أربعة أسابيع، وأسبوعين آخرين كمهلة إضافيّة، حيث كان حلمه قريباً من تشكيلها، باعتباره الفائز التالي في الانتخابات التشريعية، كما يقرر القانون الإسرائيلي، وكان باستطاعته فقط، أن يصف الحكومة بأنها حكومة إخفاق وطني، ولن تكون المسؤولية أو الاستقرار من صفاتها، باعتبارها ضعيفة وعُرضة للابتزاز.
وإن أبدى “نتانياهو” ارتياحاً، بأن حكومته ستكون جيّدة ومستقرة، لكن في قرارة نفسه، لا يمكنه وصفها كذلك، لأنه هو الوحيد والأكثر علماً، بمدى خسارته الموجعة والمركّبة في نفس الوقت، وسواء على صعيده هو نفسه، أو على صعيد حزبه (الليكود)، حيث كمنت خسارته في ضياع أجزاء كبيرة من قوته الانتخابية والرئاسية أيضاً، جراء خضوعه للابتزاز، من قبل الأحزاب المشاركة في الحكومة، والتي مثلت لسان الميزان منفردة، إذا ما أراد “نتانياهو” تملّك رئاسة الحكومة.
مثال، خضوعه بالأربعة، لزعيم الحزب البيت اليهودي “نفتالي بينت” بشأن مطالبه، وعلى رأسها قبضه وزارة العدل مع كامل صلاحيات المنصب، وإسنادها إلى المراهقة السياسية “أيليت شيكيد” النائبة رقم 3 على قائمة الحزب، برغم أنها هي أيضاً كانت الشخصية العدائية الثانية لـ “نتانياهو” بعد زعيمها “بينت” الذي انشق عن الليكود في إثر خلافات قويّة مع “نتانياهو” بسبب زوجته “سارة ” تلك الخلافات نفسها أو مشابهة لها، هي التي أدّت إلى انشقاقها عن الليكود حيث كانت تتبوّأ منصب مديرة مكتبه.
حيث وجد “بينت” نفسه الحجر الثقيل والوحيد، الذي يمكنه التدلل كيفما يشاء، في ظل خلوّ الساحة الحزبية تماماً وخاصة من حزب إسرائيل بيتنا، الحليف التقليدي، أمام “نتانياهو” باتجاه الحصول على شراكة رابحة، بالانضمام إلى ائتلافه، عبر تلبية مطالبه كاملة من غير نقص، حيث جذب حقيبة العدل والزراعة والتربية والتعليم إلى جانب احتفاظه بحقيبة يهود الشتات، ومنصب نائب وزير الدفاع، ورئاسة لجنة الدستور والقانون والقضاء البرلمانية، حيث بات “نتانياهو” كرئيس وزراء شكلي فقط، ما دعا بعض الإسرائيليون إلى وصفه بالذليل، وبأنه لو طُلبت منه “سارة” لتنازل عنها، في مقابل تشكيل الوزارة.
كان استئثار البيت اليهودي بوزارة العدل، هو فوز بمفرده، وبخاصة لدى الوسط الاستيطاني، حيث أبدى المستوطنون ارتياحهم لتعيين “شيكيد” في هذا المنصب، وبالتالي فستكون مكسباً آخر للحزب، من حيث جلبها للمزيد من دعم المستوطنين، باعتبارها داعمة للاستيطان، وفي ذات الوقت لِما تتسم به مواقفها المتشددة باتجاه الفلسطينيين، والتي تدعو في أعلاها، إلى قتلهم وسحق نساءهم، وفي أقلّها إقرار القوانين المشددة، لمعاقبة راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة، بالإضافة إلى تقديم أعضاء الكنيست العرب للمحاكمة، بدعوى المساس بأمن إسرائيل.
وعلى صعيد الحزب، فإن الخسارة هي أكبر، (كبرنامج عمل) أولاً، ومن ناحية أن تشكيلة الحكومة في نظر أعضائه، جلبت الكثير من الإحباط لهم ثانياً، سيما وأن آمالهم انهارت أمام ابتزاز الأحزاب الأخرى (جميعاً، البيت اليهودي، يهودوت هتوراة، شاس) الذين تحصّلوا على شروطهم كافة، أي كانت أرباحها الوزارية والمناصب العليا الكبيرة، على حسابهم ومن لحومهم الحيّة، في ضوء لم يتبقَ لديهم سوى 8 حقائب وزارية فقط، وهذا العدد يعتبر سيئاً للغاية، ويحط من قدر الحزب وهيبته.
كما أن هناك الخسارة الكليّة، التي سيشعر بها “نتانياهو” وأعضاء حكومته، منذ الآن ولاحقاً أيضاً، والتي تنبع من أن تشكيلة الحكومة، لم تلقَ قبولاً ولا استحساناً من أحدٍ كان، وسواء على المستوى الداخلي، باعتبارها قسمت الشارع الإسرائيلي إلى نصفين، يمين ويسار، وهي بحسب القائمة العربية المشتركة، تعبّر عن كارثة سياسية واجتماعية، وبأنها خطر حقيقي للنظام الديمقراطي في إسرائيل، أو على النطاق الفلسطيني، حيث تأففت السلطة والفصائل الفلسطينية الأخرى، ودعت النظام الدولي إلى عزلها، باعتبارها الأكثر تطرفاً، أو الدولي أيضاً وخاصة الولايات المتحدة، التي أعلنت بأنها لا تتوقع اجتماعاً بين الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” و”نتانياهو” بناءً على هذا النحو، وهذه المواقف بلا شك ستُنبئُ عن عداءات دائمة.
على أي حال، فإن خسارة “نتانياهو” أو الليكود بشكلٍ عام، أمام الأحزاب المؤتلفة معه، لن تكون مقتصرة عليهما وحدهما، أو على الحكومة بشكلٍ عام، لكن الفلسطينيين أيضا سيتمتعون بخسارة أكبر نتيجة هذه التوليفة الجديدة، وخاصة الآتية من البيت اليهودي بصورة خاصة، فالكل يعلم، ما هي الأيديولوجيا التي يقررها الحزب لنفسه باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، فهو لم يدخل الحكومة، إلاّ بناءً على شرط عدم إعطاء الفلسطينيين دولة، وعلى أن يبقي المواطنين العرب في الدرجة الرابعة، وأن على إسرائيل منذ الآن بدء العمل، وفي ضوء أن “نتانياهو” في الأصل لا يقبل التوصل إلى أيّة تسوية سلام.
إن وصف “نتانياهو” للحكومة بأنها حكومة الجميع، وبأنها مستقرّة، هو وصف خاطئ، سيما وأنها مكونة من 61 عضو كنيست أي بزيادة عضو واحد فقط عن 50%، وبذلك فهي تُعدّ حكومة ضيقة وضعيفة، وهناك آمال كبيرة في إسقاطها وحجب الثقة عنها لأقل نسمة هواء، وكان هدد رئيس حزب هناك مستقبل “يائير لابيد” بتشكيل معارضة قوية لإسقاط “نتانياهو”، وسواء بالشارع، أو بالمحكمة، أو بالنضال داخل الكنيست، باعتباره يخون قِيَم المعسكر الوطني، ويفرّط في كل ما هو مهمّ لدولة إسرائيل، وفي سيناريو آخر، وفي حال أصرّ النائب العربي في الليكود “أيوب قرّا” على شرط استوزاره في الحكومة الجديدة، أو يقوم بإسقاطها، فسوف تسقط، من خلال إفقادها النصاب اللازم الذي ينص عليه القانون الإسرائيلي.