دكتورة/ مريم بنت عمر
عضو اتحاد الأطباء العرب في أوكرانيا
يعتبر تسمم الحمل، احد الامراض الخطيرة التي من الممكن ان تعاني منها المراة خلال فترة الحمل ،وتصل نسبة الإصابة به إلى 5% من مجمل حالات الحمل.و على الرغم من كثرة الأبحاث التي حاولت فهم معنى هذا المرض،لم يتم التوصل حتى الآن التوصل إلى السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى حدوثه،و لذلك أيضا لم يتم إيجاد علاج حقيقي أو وقائي له حتى اليوم. قد تبدأ أعراض حالة ما قبل تسمم الحمل في الظهور بدءًا من الأسبوع العشرين من بداية الحمل (وتعتبر بداية ظهور الحالة قبل الأسبوع الثاني والثلاثين بداية مبكرة حيث ترتبط هذه الفترة من الحمل بزيادة الأعراض المرضية). وتختلف مراحل تطور الحالة من مريضة لأخرى؛ ويتم تشخيص معظم الحالات على أنها حالات ولادة مبكرة. وقد تتم الإصابة بما قبل تسمم الحمل – أيضًا – حتى فترة تمتد إلى الأسبوع السادس بعد الوضع. ولا يوجد علاج معروف لحالة ما قبل تسمم الحمل بخلاف الولادة القيصرية والطلق الصناعي (ويتم إخراج المشيمة في الحالتين). ويمكن اعتبار حالة ما قبل تسمم الحمل أكثر مضاعفات الحمل الخطيرة شيوعًا؛ لأن هذا المرض قد يؤثر على كل من الأم والجنين معًا.
فماهي أسباب تسمم الحمل؟
ماهي أعراضه؟
كيف يتم علاج و وقاية تسمم الحمل؟
الأسباب :
بالنسبة للعديد من حالات ما قبل تسمم الحمل، يسود اعتقاد أن سبب الإصابة بهذه الحالة هو الانغراس الضحل للمشيمة مما يجعلها ناقصة الأكسجين، مما يؤدي إلى حدوث رد فعل مناعي يتصف بزيادة في إفراز الوسائط الالتهابية من المشيمة التي تؤثر بدورها على الخلايا المبطنة للأوعية الدموية. ومن المعتقد أن الانغراس الضحل للمشيمة يرجع إلى استجابة الجهاز المناعي للأم لدخول المشيمة عليه. وتؤكد هذه النظرية على الدور الذي يلعبه الجهاز المناعي للأم في الإصابة بهذه الحالة، كما توضح الدليل على نقص التحمل المناعي لجسم الأم أثناء الحمل؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث استجابة مناعية في جسم الأم ضد وجود المستضدات الأبوية الموجودة في الجنين والمشيمة الملتصقة به. وفي حالات ما قبل تسمم الحمل أخرى، من المعتقد أن بعض الأمهات تفتقرن لوجود مستقبلات البروتين التي تستخدمها المشيمة من أجل القيام بعملية التنظيم التقليلي لاستجابة الجهاز المناعي للأم لهذه البروتينات. ويتفق هذا الرأي مع الدليل الذي يثبت أن وجود العديد من حالات الإجهاض التلقائي ما هي إلا علامة على وجود خلل مناعي يقوم فيه الجهاز المناعي للأم “بإطلاق العنان لهجوم مدمر على الأنسجة الخاصة بالجنين الذي لا يزال في طور التكوين.”
وعلى الرغم من ذلك، فإنه في العديد من حالات ما قبل تسمم الحمل تسمح استجابة الأم للمشيمة بحدوث عملية انغراس طبيعية. ويمكن أن تكون السيدات اللاتي تتصفن بوجود مستويات قاعدية أعلى للتعرض للإصابة بالالتهابات نتيجة وجود عوامل أساسية لديهن تساعد في حدوث ذلك – مثل ارتفاع ضغط الدم المزمن أو الإصابة بأمراض المناعة الذاتية – لديهن تحمل مناعي أقل للعبء الذي يثقلهن به الحمل إذا كان مصحوبًا ببعض الأمراض الالتهابية. أما بالنسبة للإصابة الشديدة بحالة ما قبل تسمم الحمل، ففيها تتطور الأمور لتصل إلى ما قبل تسمم الحمل المفاجئ ؛ وهي الحالة التي يصاحبها الشعور بآلام الصداع والاضطرابات البصرية والألم الشوسوفي لتتطور الأمور إلى متلازمة HELLP وتسمم الحمل. ويرتبط انفصال المشيمة بحالات الحمل التي يصاحبها ارتفاع في ضغط الدم. وكلها ظروف تهدد حياة الطفل الذي لا يزال في طور التكوين وكذلك الأم.
وقد حاولت العديد من النظريات أن تضع تفسيرات لأسباب حدوث حالة ما قبل تسمم الحمل، كما ربطت حدوث هذه المتلازمة بوجود الأسباب التالية:
• إصابة الخلايا البطانية.
• رفض الجهاز المناعي في جسم الأم للمشيمة .
• نقص الإرواء المشيمي.
• تغير تفاعلات الأوعية الدموية .
• حدوث حالة من عدم التوازن بين مادة بروستاسيكلين ومادة ثرومبوكسان .
• انخفاض معدل الترشيح الكبيبي مع احتباس الأملاح والماء.
• تقلص حجم الأوعية الدموية.
• زيادة تهيج الجهاز العصبي المركزي .
• التجلط المنتشر داخل الأوعية.
• تمدد عضلة الرحم (نقص التروية).
• عوامل غذائية؛ وتتضمن نقص الفيتامينات.
• عوامل وراثية.
• تلوث الهواء.
• السمنة.
ويتم النظر حاليًا إلى هذه المتلازمة على أنها عملية تتكون من مرحلتين؛ حيث تكون المرحلة الأولى منهما خاضعة للتغيير بشكل كبير وتؤدي إلى وضع المشيمة في حالة من التأهب لحدوث نقص الأكسجين. ويلي ذلك، إطلاق عوامل قابلة للذوبان تؤدي إلى ظهور العديد من الظواهر الأخرى التي تتم ملاحظتها في هذه المتلازمة. ويمكن تفسير العديد من النظريات الأقدم التي تختص بدراسة الإصابة بهذه الحالة من منطلق هذه النظرة الشاملة للحالة. ذلك لأنه قد تم إثبات أن هذه العوامل تؤدي إلى حدوث العديد من الأعراض، على سبيل المثال: “إصابة الخلايا المبطنة للأوعية الدموية وتغير تفاعلات الأوعية الدموية”. كذلك، تؤدي إلى الضرر التقليدي الناتج عن الداء البطاني الكبيبي وتقلص حجم الأوعية الدموية والالتهاب وغير ذلك من الأعراض الأخرى. كذلك، يكون الاستعداد الكامن للأم للإصابة بهذه الأضرار أمرًا يجب وضعه في الاعتبار.
أعراض و تشخيص تسمم الحمل :
يتم تشخيص الإصابة بحالة ما قبل تسمم الحمل لدى السيدة الحامل عندما يظهر ارتفاع ضغط الدم لديها (في قراءتين مختلفتين تسجلان 140/90 أو أكثر وتفصل بينهما ست ساعات – على الأقل) مع وجود 300 ملليجرام من البروتين في عينة بول 24 ساعة (وهو المرض المعروف باسم البيلة البروتينية). ويظل من المهم ملاحظة الارتفاع في القيمة القاعدية لضغط الدم (التي تتم الإشارة إليها اختصارًا بالحرفين BP) – ليصل ضغط الدم الانقباضي إلى 30 مللم زئبقي أو يصل ضغط الدم الانبساطي إلى 15 مللم زئبقي – حتى وإن كان ذلك في حالة عدم تحقق شرط وصول قياس ضغط الدم إلى 140/90. وعلى الرغم من ذلك، لا يكفي حدوث ذلك لتشخيص الإصابة بحالة ما قبل تسمم الحمل. وفي السابق، كان ظهور كل من التورم والأوديما (خاصةً في اليدين والوجه) من العلامات المهمة لتشخيص حالة ما قبل تسمم الحمل. ولكن حاليًا، تعتمد الممارسات الطبية في تشخيصها لحالة ما قبل تسمم الحمل على وجود ارتفاع في ضغط الدم مصحوبًا بمرض البيلة البروتينية كشرطين أساسيين لتشخيص الحالة.
ويعتبر ظهور حالة الأوديما الانطباعية (وهي عبارة عن تورم غير عادي يظهر بصفة خاصة في اليدين أو القدمين أو الوجه تتم ملاحظته عن طريق الفجوة التي يتركها في الجلد في هذه المناطق عند الضغط عليها) أمرًا جديرًا بالاهتمام ويجب إبلاغ مختص الرعاية الصحية به. أما في “حالة ما قبل تسمم الحمل الشديد”، فتصل القيمة القاعدية لضغط الدم إلى ما يزيد عن 160/110، ذلك بالإضافة إلى ظهور أعراض أخرى.
وقد يتطور ما قبل تسمم الحمل ليصل إلى مرحلة تسمم الحمل التي تتميز بظهور نوبات التشنج التوتري الارتعاشي. ونادرًا ما يصل الأمر إلى هذا الحد إذا تم علاج الحالة بالشكل السليم. وعلى الرغم من الاحتمالية الكبيرة لأن يؤدي تسمم الحمل إلى الوفاة، فإن ما قبل تسمم الحمل عادةً ما يكون عديم الأعراض. لذا، يتوقف التعرف على المرض على ظهور العلامات التي تشير إليه أو إجراء الفحوصات للتأكد من إصابة الأم الحامل به. ومع ذلك، لأحد أعراض هذه الحالة أهمية خاصة لأنه – عادةً – ما يختلط تشخيصه مع أحد الأعراض المرضية الأخرى. فالألم الشرسوفي (منطقة أعلى البطن وتحت عظمة القص مباشرة) الذي يعكس الارتباط الكبدي بالإصابة بهذه الحالة، والذي يعتبر – أيضًا – عرضًا تقليديًا يرتبط بالمتلازمة المعروفة باسم متلازمة HELLP قد يختلط تشخيصه بسهولة مع حرقة الفؤاد؛ وهو مشكلة شائعة ترتبط بالحمل. ويمكن تمييز الإصابة بالألم الشرسوفي عن الإحساس بحرقة الفؤاد إذا كانت طبيعة الألم لا تنطوي على إحساس بالحرقة، وكان الألم لا ينتشر لأعلى في اتجاه الحلق، وكان مرتبطًا بالألم الكبدي. هذا بالإضافة إلى إمكانية توغل الألم ليصل إلى الظهر وعدم استجابته للعلاج باستخدام مضادات الحموضة. وعادةً ما يكون الألم شديد القسوة إلى درجة تجعل من يصبن به يصفنه بأنه الأسوأ من بين أنواع الآلام كلها التي انتابتهن. ومن الشائع أن يتم تحويل النساء المصابات بهذا الألم إلى أطباء الجراحة العامة بصفتهن تعانين من أحد أنواع الآلام الحادة في البطن (مثل التهاب المرارة الحاد).
وبشكل عام، لا يمكن تحديد أعراض معينة للإصابة بحالة ما قبل تسمم الحمل. وتعتبر الممارسات الطبية الحديثة أن التشنجات التي تنتاب السيدة الحامل تعود في الغالب لأسباب أخرى بخلاف تسمم الحمل. لذلك، يعتمد تشخيص الحالة على تزامن وجود أكثر من سمة من السمات التي تميزها، ويكون الدليل الحاسم على تشخيص الحالة هو انسحاب هذه الأعراض بعد الولادة.
وقد تصاب بعض السيدات بارتفاع ضغط الدم دون وجود البيلة البروتينية (ارتفاع نسبة البروتين في البول)؛ وهي الحالة المعروفة باسم ارتفاع ضغط الدم الناتج عن الحمل والتي يشار إليها اختصارًا بالحروف (PIH) أو ارتفاع ضغط الدم الحملي. وبمكن اعتبار كل من ما قبل تسمم الحمل وارتفاع ضغط الدم الحملي حالتين خطيرتين تستلزمان المراقبة الدقيقة للأم والجنين كليهما.