أوكرانيا اليوم / كييف / تدور حرب بين روسيا وأوكرانيا راح ضحيتها اكثر من 2200 قتيل منذ بدء النزاع وقد يرتفع عدد ضحاياها الى آلاف. وعلى رغم أن القوى الغربية – أميركا وأوروبا والناتو- خاوية الوفاض من خيارات ترتجى منها فائدة، لا تملك أن تقف موقف المتفرج. ففلادمير بوتين تركنا امام خيارين طالحين: إما تسليح اوكرانيا أو حملها على إلقاء السلاح وترك الرئيس الروسي يقتطع ما يشاء من أراضيها ويشكل منطقة «مجمدة النزاع» (أو النزاعات فيها معلقة) تحتلها قواته. ولم يتراجع بوتين امام العقوبات الغربية ونتائجها في الاقتصاد الروسي. فهو لا يقيم وزناً لحسابات عقلانية. ولا يسع أوكرانيا احراز النصر في الحرب هذه. فبوتين توعد القوات الأوكرانية بالدمار والموت إذا سعت الى تحرير دونيتسك ولوهانسك.
وحريّ بالغرب أن يلتزم الأمانة والصدق مع أوكرانيا. فهو يتوجه اليها كما لو أنها دولة من دوله وكما لو أنها ستنضم، يوماً ما، الى الاتحاد الاوروبي او الناتو، ولكنه لا يمنحها أدوات القتال في هذه الحرب. وأوكرانيا تدمر، واقتصادها يتداعى. وجيشها لا حظوظ له في مواجهة الجيش الروسي. والاوكرانيون يلجأون الى قومية رومانسية ويعدون للحرب. ولكن مواصلة القتال ستؤدي الى مقتل الآلاف، في وقت تتبدد الاحلام الليبرالية للثورة على وقع هيستيريا الحرب.
ويترتب على استمرار النزاع في الاشهر القادمة من غير مساعدة غربية يعتد بها، خسارة اوكرانيا نواة جيشها وتبدد افتتانها بالغرب. وحينها سيبرز شعور بالخيانة ولن تقيض الحياة لأوكرانيا المؤيدة لأوروبا والليبرالية. والأغلب على الظن أن اليمين المتطرف، وهو اليوم ثانوي، سيغلب على برلمان كييف. ولن تبقى اوكرانيا على حالها بل ستتحول ساحة نزاع مدمرة كأنها سورية الاوروبية أو بوسنة شرق أوروبا.
وإذا كان الغرب يرغب فعلاً في انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي أو الناتو، فحري به تسليحها. فهو نفخ في رماد لحظات الحرب الباردة الساخنة، وعليه تحمل مترتبات دعمه ارساء الديموقراطية في شرق اوروبا. ومساندة أوكرانيا تقتضي ارسال مستشارين عسكريين الى كييف، وتزويدها بتقارير استخباراتية شاملة ومواكبة قواتها بتقارير الاقمار الاصطناعية؛ وتسليمها شحنات سلاح ودبابات وطائرات من غير طيار وأطنان من اللوازم الطبية؛ والاستعداد لنشر قوات اطلسية في اوكرانيا اذا توجهت دبابات روسية نحو القرم من اجل تشيكل جسر بري الى جنوب روسيا.
ولا شك في ان دعم أوكرانيا تترتب عليه أخطار كبيرة. فروسيا ستضع ثقلها في الحرب هذه. ويجب أن يرسل الاميركيون والبريطانيون فرق القوات الخاصة لحماية المطارات في كييف وأوديسا. ولكن بوتين قد يتحدى القوات هذه ويرسل القوات الروسية لتطويقها، على ما حصل في حرب كوسوفو في 1999. ولكن إذا لم يكن الغرب في وارد المخاطرة هذه، عليه حمل اوكرانيا على التخلي عن الاوهام القاتلة والصدوع بالواقع المرير، والحؤول دون قتل القوات الروسية الجنود الاوكرانية هباء.
والسبيل الى ذلك هو إلزام اوكرانيا الاستسلام وإقناعها بقبول واقع الاحوال، اي اقتطاع روسيا نظير اوسيتيا الجنوبية (جورجيا) في شرقها، والتلويح بقطع الاموال عنها. فهي تعتمد على مساعدات صندوق النقد الدولي، اي على الاموال الغربية. وقد تجد العزاء في القول لها: «ليس أسوأ ما في العالم ان يكون بلد ما جورجيا اخرى». ولكن هذا الخيار هو صنو هزيمة الغرب وانبعاث الامبراطورية الروسية ودوران دول الاتحاد السوفياتي السابق في فلك الكرملين. فيضطر الغرب بأن يصدع بغزو روسيا حين تشاء الاقاليم على هواها. وفي هذه المنطقة من العالم ستغلب كفة المهادنين وتذوي الديموقراطية. فتطيح روسيا النظام العالمي الذي فرضه الغرب عليها اثر خسارة الاتحاد السوفياتي الحرب الباردة.
ويترتب على سقوط النظام هذا، سقوط نظام الردع الاميركي الجيو- سياسي. فيبادر اعداء اميركا من الصين الى ايران الى بسط دوائر النفوذ ولو على الانقاض. وروسيا ستمضي قدماً في ما بدأته. فبوتين يرغب في تقويض الناتو ورائحة ضعف الغرب ستحمله على التقدم. ولن يطول الامر قبل أن تستغل موسكو الروس في دول البلطيق من اجل انشاء «مناطق مجمدة النزاع» جديدة. وقد تضطر بولندا الى التصرف كما لو أن الناتو غير موجود، فتبرم احلافاً عسكرية مع دول البلطيق أو تنشئ منطقة عازلة في غرب اوكرانيا.
ولا يجوز ان نترك آلاف الاوكرانيين ليلقوا مصيرهم بسبب ترددنا. وعلينا ان ندرك ان استسلام اوكرانيا هو صنو استسلام الناتو وأوروبا والديموقراطية الليبرالية والريادة الاميركية.
*صاحب «الإمبراطورية الهشة: كيف وقعت روسيا في حب فلادمير بوتين وكيف تبدد حبها له»، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 1/9/2014، اعداد منال نحاس