بقلم الكاتب الاعلامي محمود بري / نشرت صحيفة “الأهرام” القاهرية في صفحتها الأولى عنواناً يقول بالحرف الأحمر العريض: “طرد سفير تركيا من مصر”. وجاء في سياق الخبر: “أذاعت وزارة الإرشاد القومي بيانًا رسميًا، أعلنت فيه أن مجلس الوزراء قرر في اجتماع له رفع الحصانة الديبلوماسية عن سفير تركيا بالقاهرة، فؤاد طوغاي، واعتباره شخصًا عاديًا، كما قرر المجلس طرده من أراضي جمهورية مصر العربية خلال 24 ساعة”. وقد أرجع الخبر قرار الطرد هذا إلى “حملات السفير المستمرة على سياسة قادة الثورة (ثورة 23 يوليو1952) وتوجيهه ألفاظًا نابية إلى جمال عبد الناصر”.
كان النشر قد تمّ في عدد “الأهرام” تاريخ 4 يناير/ كانون الثاني من العام 1954.
… وما أشبه الأمس باليوم.
فمنذ أيام قليلة اتخذت السلطات المصرية قراراً مشابها قضى أيضاً بطرد السفير التركي من مصر، حيث علّق كثيرون بالقول إن التاريخ يعيد نفسه. وقد رحبت القوى السياسية المصرية بقرار طرد السفير التركي من القاهرة، فيما دشن نشطاء سياسيون حملة لمقاطعة المنتجات التركية، ولاسيما في ظل نجاح حملة مقاطعة الدراما التركية.
يأتي ذلك بعد سلسلة طويلة من المواقف الإستفزازية التي اتخذها رجب طيب أردوغان ضد السلطات الجديدة في مصر، مجاهراً بمناصرته للرئيس الإخواني المخلوع محمد مُرسي، مندداً بمن سمّاهم “الإنقلابيين”. وسبق له، وهو المعروف بقربه من تنظيم الاخوان المسلمين الذي ينتمي اليه مرسي، ان وصف عزل هذا الاخير في الثالث من تموز/يوليو، بانه “انقلاب” غير مقبول.
وقالت وزارة الخارجية المصرية ان تصريحات اردوغان “تمثل تدخلاً في الشأن الداخلي للبلاد فضلاً عما تتضمنه من افتراءات وقلب للحقائق وتزييف لها بشكل يجافي الواقع منذ ثورة 30 يونيو”. واتهم نشطاء مصريون أردوغان بالسعي إلى “عودة الإمبراطورية العثمانية بقيادة الحكومة التركية الإخوانية”.
ويعتبر هذا قمة الخلاف الذي نشب بين البلدين على خلفية خلع الرئيس مُرسي ومعه الإخوان المسلمين عن سدّة الحكم في مصر.
وبينما رد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان على القرار المصري بالمثل، ورفع شارة رابعة العدوية ملوحاً بها، اعتبرت القوى السياسية المصرية أن قرار طرد السفير التركي من مصر خطوة جيدة، على الرغم من أنها تأخرت أكثر مما ينبغي.
وفي هذا الوقت دعا صفوت عمران الأمين العام لتكتل القوى الثورية الوطنية المؤيدة للحكومة المصرية إلى “كشف التداعيات التي اوصلت الي طرد السفير التركي من القاهرة واستبعاد السفير المصري من انقرة”، مشيراً إلى أن “من حق الشعب المصري بعد ثورتي يناير ويونيو ان يعرف حقيقة كل ما يحدث”.
ولم يستبعد عمران في تصريحه أن “يكون تورط الحكومة التركية في اعمال العنف والارهاب التي شهدتها مصر خلال الفترة الاخيرة وراء القرار المصري”، معتبراً أنه قرار صائب ويمثل بداية لمرحلة قوية للدبلوماسية المصرية في الخارج ضد كل من يقفون ضد ارادة الشعب المصري.
على صعيد آخر كتب الصحافي البريطاني “ديفيد هرست” في صحيفة الغارديان “إن الدعم السعودي للانقلاب في مصر أثر على علاقة الرياض مع لاعب إقليمي مهم وهو تركيا، التي تعد مثالاً حيًّا لنجاح الإسلام السياسي في دولة علمانية. واعتبر الكاتب البريطاني أنّ حزب العدالة والتنمية التركي كان داعمًا لمرسي وتونس، وأنّ القرار السعودي لمحاربة مرسي دفع تركيا في نحو قبضة عدو الرياض، إيران”.
ولا بد لهذا العداء المتنامي الذي توجهه أنقرة ضد الرياض من أن يتعرّض لنوعٍ من “أزمة اليقين” على خلفية الإتفاق النووي الإيراني – الغربي والذي سوف يزيد من التشدد السعودي ضدّ إيران. وسيجد أردوغان نفسه في موقف لا يُحسد عليه بين الجارين اللدودين، الرياض وطهران”، حيث يُتوقع لشخصيته الإستفزازية أن تخلق لبلاده المزيد من المشاكل مع جيرانها على رقعة الشرق الأوسط.، ولا سيما منهم سورية التي ترتفع فيها حظوظ بقاء الأسد الذي ناصبه أردوغان العداء بطريقة بات من العسير معها إعادة بناء أيّ جسور للثقة. لكن هذا، ومن ناحية أخرى، سوف يتيح لإسرائيل فرصة ذهبية لرصف الطريق جيداً مع بعض جيرانها العرب الذين يشاركونها العداء لإيران “الإسلامية والنووية”.
وهذا يجعل من الأشهر الستة المقبلة التي حددها الأسد لتحقيق النصر النهائي على المعارضة المسلّحة، أشهراً حامية على مستوى المنطقة برمتها، ولا سيما في ظلّ تهديدات نتنياهو بشنّ حربه الموعودة على إيران…
وأولى بشائر الآتي هو الاجتماع الخليجي الثلاثي الذي تداعى إلى عقده الصقور الخليجيون غداة إعلان توقيع الإتفاق النووي بين إيران والغرب.
فهل فقدت واشنطن لمستها السحرية فعلاً وباتت عاجزة عن “تطويع” حلفائها في تل أبيب والخليج، أم أن اللعبة تسير في أقنيتها المرسومة سلفاً، بغضّ النظر عما يظهر منها على السطح، أم إن حلقات الغضب المقبلة سوف تجتاح شوارع أنقرة والرياض وتل أبيب؟