فادي عيد / كان لكلا من طهران و انقرة التأثير المباشر بكافة الاحداث بالشرق الاوسط و دائما ما كان هناك لاعبون بالوكالة لكلا الطرفين بكل بلد بالاقليم يخوض الحرب بنيابة عنهم، و بسوريا كان الملعب المفتوح فى مبارة النفس الطويل، و الان و قبل الدخول فى مرحلة جديدة بالاقليم بدئت ساعتها الاولى بعد الاحداث الارهابية الاخيرة سواء بأسقاط طائرة روسية بسيناء او تفجيرات البراجنة بلبنان او تفجيرات باريس و نهاية مراحل الحرب الباردة و الاستعداد للمواجهات المباشرة و أستشعار كلا من طهران و أنقرة بأقتراب تدخلهم المباشر كان علينا أن نلقي نظرة عميقة بالداخل الايراني و التركي و تحركاتهم الاخيرة بالكواليس كي نعرف اين ستتجه بوصلتهم بالفترة القادمة .
بداية و بالداخل الايراني هناك شرخ داخل دائرة الحكم الايرانية نفسها بحكم الاختلافات الشديدة بين فريق المتشددين بزعامة المرشد الاعلى خامئني و فريق الاصلاحيين بزعامة الرئيس حسن روحاني تجاه الانفتاح على الغرب و التعامل المباشر مع الولايات المتحدة و هو الامر الذى تستغله واشنطن بشتى الطرق لتوسيع تلك الفجوة، و على الارض الايرانية نفسها فأزدادت بالفترة الاخيرة التوترات بعد أن شهدت ايران مظاهرات و احتجاجات متتالية للاذريون الايرانيون بعد سخطهم من تعامل الاعلام الرسمي للدولة معهم و برغم ان تلك الاحتجاجات هى الاقوى التى شهدتها ايران منذ احتجاجات 2009م الا انها تبقى بنهاية المطاف كموج البحر الهادئ امام صخور السافاك العاتية .
و بالتزامن مع بدء مناورات ” الى بيت المقدس ” بالعاصمة الدينية قم يوم 20 نوفمبر الجاري بمشاركة 35000 من قوات التعبئة الايرانية و استخدام صواريخ ” عماد الباليستية ” التى تصل الى عمق تل ابيب حسب تصريحات مساعد قائد الحرس الثوري مهدي رباني، و سماح ايران للمصورين و الاعلاميين الاجانب لتغطية تلك المناورات التى كانت تحاكي عملية تحرير مدينة القدس و توجيه رسالة جديدة من طهران وصفها الاعلام الغربي بأنه الاكثر جدية من كل ما سبق، و تنفيذ روسيا لمناورات واسعة لقواتها البحرية و الجوية بشرق البحر المتوسط جاء لقاء الرئيس الروسي بوتين و المرشد الاعلى للثورة الايرانية خامئني خلال انعقاد المنتدى الثالث للدول المصدرة للغاز و هو اللقاء الثاني الذى يجمع بين بوتين و خامئني منذ عام 2007م، و كعادة بوتين فى الزيارات الهامة يضع بوتين العنوان الاول لتلك الزيارات عبر هدية ذو دلالات و هنا جاء اقدم نسخة خطية للقرأن فى روسيا كهدية من بوتين لخامئني خلال لقاء جمعهما استمر لاكثر من ساعة و نصف .
و بتركيا فقد تكون امواج احتجاجات الاكراد اكثر قوة و ارتفاعا من نظيرتها الايرانية و لكن بعد فوز حزب العدالة و التنمية بالاغلبية و احكام قبضة هاكان فيدان مدير الاستخبارات التركية و افكان علاء وزير الداخلية و جلال الدين لكسيز مدير الامن العام بزمام الامور بالشارع التركي فباتت كل الامواج السابقة للاكراد بلا اي فائدة بل بات الاكراد نفسهم تحت مقصلة الحزب الحاكم و حكومته وبرلمانه الجديد حتى تم أصدار حكم بالسجن ست سنوات و 3 شهور للنائب البرلماني عن حزب الشعوب الديمقراطي ليزغين بوتان لانتمائه لمجموعات اتحاد كردستان و الاكثر من ذلك محاولة اغتيال رئيس الحزب نفسه و المعارض الاول لسياسات اردوغان الا و هو صلاح الدين دميرتاش يوم 22 نوفمبر الجاري، و هنا لم تتوقف ديمقراطية العثمانيون الجدد التى طبقتها حركة حماس بقطاع غزة و حركة الاصلاح بالصومال و الحزب الاسلامي مشروع للنهضة بالعراق و حزب العدالة و التنمية بالمغرب عند هذا الحد بل بات الحزب الحاكم هو المتحكم الوحيد فى الاعلام التركي بعد قرار تعسفي بغلق 16 قناة تلفزيونية تابعة لمجموعة قنوات سامان يولو لكي يصبح الحزب الحاكم هو المتحكم الوحيد فى الاعلام بل و الدولة التركية كلها، و هو الامر الذى تجلى بعد فوز نائب حزب العدالة و التنمية عن مدينة اسطنبول اسماعيل كهرمان برئاسة البرلمان التركي و تجاهله لمؤسس الدولة التركية الحديثة و البرلمان التركي كمال اتاتورك أثناء كلمته الاولى باولى جلسات البرلمان الجديد، فيبدو ان اسماعيل كهرمان صاحب الـ 75عاما الذى جلس تحت قبة البرلمان للمرة الاولى عام 1995 عبر حزب الرفاه ثم عام 1999م عبر حزب الفضيلة عاد مجددا للبرلمان عبر بوابة حزب العدالة و التنمية لكي يدق اول المسامير فى نعش ملامح الدولة الاتاتوركية قبل ان يعدل أردوغان الدستور و يتم تغيير نظام الحكم الى رئاسي .
و على الصعيد الخارجي القت تركيا بكل ثقلها على الدوحة و الرياض لاستكمال محور انقرة الدوحة الرياض مسيرته تجاه الملف السوري خاصة بعد ما ارسلت موسكو كل الرسائل السياسية و العسكرية لذلك المحور سواء من مانشيتات الاذرع الاعلامية للكرملين او عبر طائراتها الاستراتيجية بسماء موسكو او طائرات سو-35 من سماء دمشق، أو عبر رسائل مجنحة منطلقة من مياة بحر قزوين او من البحر المتوسط .
فبالفترة الاخيرة لم تتوقف الاتصالات بين تركيا و قطر لاستمرار الدعم اللامشروط للمعارضة السورية و بالتزامن وقع كلا من السعودية و تركيا على العديد من الاتفاقات التى تخدم التعاون العسكري فى خطوة جديدة اكثر تقدما فى العلاقات بين البلدين قبل الاعداد لزيارة اردوغان للرياض لبحث فرص زيادة التعاون الاقتصادي .
و أثناء تلك المشاهد السريعة المتتالية و الرسائل العسكرية المرسلة لهنا و هناك كانت تصريحات الرئيس الروسي بوتين بعد اجتماع بوتين بقادة الجيش الروسي “بأن الغارات الجوية وحدها لاتكفي للقضاء على الارهاب” تطفي شكل جديد على مستقبل الحرب السورية قبل ان تصل نيران صواريخ المقاتلات الروسية و مقاتلات اف 14 توم كات الايرانية للحدود التركية الامر الذى جعل انقرة تستدعي السفير الروسي و ترفع امامه كارت التركمان بعد ان القت بكارت القوات الديمقراطية السورية كبديل للمعارضة بعد ان تم حرق كافة كروت المعارضة سياسيا قبل ان تحرق عسكريا، و قبلها كان بوتين اعلن استخدام المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة فى رسالة تهديد للمتهم الحقيقي بحادثة اسقاط الطائرة الروسية بسيناء و القائه بخمسون مليون دولار كمكافئة لمن يدلي بمعلومات حول مرتكب الجريمة كطعم غالى الثمن لفك حلقات أحد سلاسل داعمون الارهاب بالمنطقة .و على صعيد اخر تبقى حيرة باريس و تردد الاليزيه فى امتثال أي طريق لمحاربة الارهاب مستمرة سواء كان بالتحالف مع روسيا او السير بجانب بيريطانيا التى جعلت قاعدتها العسكرية بقبرص تحت تصرف القيادة الفرنسية، بينما يبقى الاردن الاكثر مرونة مع كافة الاطراف بما فيها روسيا و الاكثر الماما بكافة المسميات الجديدة للتنظيمات العسكرية بالجوار السوري و اخر التطورات على الارض السورية و لذلك كانت غرفة الموك متواجدة كملتقى لاجهزة استخبارات غربية و عربية عديدة و لذلك أيضا جاء التعاون الامني و الاستخبارتي مع روسيا مؤخرا حتى باتت العاصمة الاردنية عمان تشهد اجتماعات مكثفة من الجانبين و هو الامر الذي سيكلل بزيارة بوتين للاردن يوم 24 من الشهر الجاري .
فأذا كان ذلك هو المشهد بكلا من ايران و تركيا حاليا فكيف سيكون بالغد فى ظل تلك التطورات السريعة، و كيف سيكون شكل المنطقة كلها و ليس سوريا فقط فى ظل استنزاف دول اخرى بالمنطقة فى حروب تم تصنيعها خصيصا لاستنزافها قبل ان تأتي لحظة المواجهة، كذلك الوضع بليبيا فلم تعد سوريا فقط هى مسرح الاحداث بل باتت ليبيا التى تستقبل الارهابيين الفارين من سوريا هى الملعب الذى استعد له الجميع منذ فترة و بات الكل ينتظر ساعة الصفر تجاه دولة المصب للارهاب بجانب مراقبة ردود فعل الاعبون الجدد بعد احداث باريس، و كيف ستطرح اخر الفرص السياسية الودية بالملف السوري و انعكاس ذلك فى التعامل مع الملف الليبي برعاية المبعوث الجديد مارتن كوبلر .
فاذا كانت بداية سايكس بيكو الثانية بعام 2011م فبعام 2016م ستكون نهاية الترسيم الثاني للمنطقة و لكن كيف سيكون شكل خطوط الطول و العرض و من سيكون صاحب النفوذ الاقوى بالاقليم، و هل يظل العرب متباطئين فى تشكيل قوة عربية مشتركة تقف ضد اطماع المستمعرون الاقتصاديون و العسكريون الجدد .
الباحث السياسي و المحلل الاستراتيجي