اوكرانيا بين الناتو وروسيا …. بقلم منعم الزهيري
16 يوليو, 2016
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
على ما يبدو ان اوكرانيا وفي الفترة الاخيرة بدأت تفقد الامل من اجل حصولها على الدعم من الغرب المجاور وخصوصاً بعد تعثر اتفاقية ( منسك2 ) والتي اصبحت حبرٌ على ورق وكذلك مقابل الصمت المريب لرباعية النورماندي و زعمائها الاربعة الكبار مما يدل على عجزهم في حل الازمة الاوكرانية بعد فعلوا ما بوسعهم لحلحلة الازمة في اقليم الدونباس الانفصالي . اضافة الى هذا كله التأجيل المستمر من قبل الاتحاد الاوربي عن رفع التاشيرة عن الاوكران والسماح لهم بدخول الفضاء الاوربي ودائما يكون التأجيل بذريعة اخفاق اوكرانيا في تنفيذ الاصلاحات ومحاربة الفساد والتلكؤ في أصلاح النظام السياسي اضافة الى كثرة الازمات السياسة في ضل الصراعات المتفاقمة بين الاحزاب الحاكمة . كل هذا واضافة الى عوامل اخرى جعلت من التقارب الاوكراني تجاه الغرب الاوربي في مرحلة سبات بارد . ولكن على ما يبدو ومع حلول الصيف الجميل في القارة العجوز و تزامناً مع انعقاد قمة حلف وارشو في العاصمة البولندية قد اعاد الامل للاوكران في الحصول على المزيد من الدعم من الغرب . وايضا وحسب المعطيات ان هذا الدعم من الغرب ليس حباً في اوكرانيا ولا دول اوربا الشرقية ولكن جاء بسبب المحاولة لوضع حد للتوسع الروسي على حدود اوربا الشرقية وخصوصا بعد قيام روسيا في ضم القرم الاوكرانيه لها . ولم تفلح كل المحاولات في اعادتها مرة اخرى للسيادة الاوكرانية اضافة الى الحرب في الدونباس والصراع الدائر هناك بين الانفصاليين الموالين والمدعومين من روسيا من جهة .ومن جهة اخرى الحكومة الاوكرانية . فما حصل في اوكرانيا قد دق ناقوس الخطر لدى اوربا الغربية وامريكا وحلفائهم في الناتو وخوفهم من تكرار هذا السيناريو في دول اخرى محاذية لروسيا وخصوصا التي فيها اقليات روسية او ناطقين باللغة الروسية .
اجتماع الناتو هذه المرة كان مختلف عن سابقاتها نتيجة للظروف الساخنة الراهنة . وفي ظل محاولة روسيا العودة مرة اخرى للحرب الباردة وهي ما زالت تعيش على امجاد الاتحاد السوفيتي وما زال الروس يتغنون ويتلذلذون نشوة الانتصار في الحرب العظمى دون مبالاتهم الى الانهيار الحاصل في منظومتهم الاقتصادية وكذلك العزلة التي تعيشها روسيا بعد احداث اوكرانيا .
وبعد اوكرانيا . فتحت روسيا منفذا اخر لها وهي سوريا . وتدخلت بقوة في سوريا وهي داعمة للاسد مما عكر مزاج امريكا وحلفائها . في محاولة من روسيا اعادة التوازن الدولي مرة اخرى وخصوصا بعد انفراد الولايات المتحدة فيه .
تدخل روسيا العلني في سوريا كان رسالة واضحة للناتو . فبعد اوكرانيا ومن ثم سوريا . فمن هو القادم ؟؟
لذلك عقد حلف الناتو قمته في بولندا وكان لهذه القمة طعم خاص . وتأثير كبير واتخذت قرارات مهمة وسريعة .
في العلن وعلى لسان الامين العام لحلف الناتو( ينس ستولتنبرغ )والذي كان يشغل سابقاً رئيس وزراء النرويج ومن خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد انتهاء القمة والذي كان دبلوماسياً وبأمتياز وقد كان اغلب فقرات المؤتمر الصحفي حول افغانستان ووقوات الناتو هناك وكذلك حول نشر قوات اضافية في بعض دول اوربا الشرقية وخصوصا التي لها حدود مع روسيا مثل لتوانيا واستونيا ولاتيفيا وبولندا . ولم يكن للازمة الاوكرانية نصيب كبير من المؤتمر الصحفي ولكن في الخفاء كل المؤشرات تشير انه كان هناك الكثير من اللقاءات والاجتماعات بين كبار قادة الناتو حول اوكرانيا وخصوصا ما دار على الطاولة في العشاء الغير رسمي بين الزعماء …
العشاء الغير رسمي كان بمثابة خارطة طريق لدول الناتو حول كيفية التعامل مع التحرك الروسي في المنطقة وهو الانتقال من حالة اتخاذ الاجراءات الدفاعية لدول الناتو لحماية الحدود الى اتخاذ الاجراءات الهجومية للدفاع عن الحدود الشرقية لدول الناتو وخصوصا الاعضاء من اوربا الشرقية وقد استبقت هذا الشي المستشارة الالمانية ميركل من خلال تصريحها الذي سبق انعقاد المؤتمر . بأن ثقة بعض اعضاء الحلف في اوربا الشرقية قد تزعزت وخصوصا بعد احداث اوكرانيا وفشل الناتو بايقات تصرفات روسيا في اوكرانيا وانهاء الصراع الدائر في الشرق .
ومن جهة اخرى قد اكد هذا التوجه الجديد للناتو الناطق الرسمي للرئيس الروسي بيسكوف حيث قال ان القرارات التي اتخذها الناتو في قمته الاخيرة هي ليست دفاعية كما يقولون بل هي هجومية ومحاولة جر روسيا الى حرب حقيقة جديدة والى احداث تغيرات جيوسياسية في اوربا .
ودعا بيسكوف دول العالم والمنطقة الى الوقوف بوجهه خطوات الناتو الهجومية ( كما وصفها ) والاستفزازية لتجنيب العالم من كارثة اندلاع الحرب .وقد صرح بذلك ايضا ميخائيل غورباتشوف اخر رئيس للاتحاد السوفيتي فقد قال عقب انتهاء قمة وارسو ان الناتو يريد الانتقال من حالة الحرب الباردة الى حالة الحرب الساخنة وحرب حقيقية وقال ان الناتو بدأ بأعداد العدة لحرب حقيقة .
روسيا تحاول ان تعيد قطبية الاتحاد السوفيتي لتحكم قبضتها مرة اخرى على دول اوربا الشرقية وكانت البداية من جورجيا ومحاولة تقسيمها عن طريق الاعتراف بابخازيا و اوسيتا الجنوبية ومن ثم ضم القرم ودعم الانفصاليين في جنوب شرق اوكرانيا والدعم القوي لحليفتها المطيعة بيلاروسيا واضافة الى امور اخرى فهل سوف يصمد الروس لوحدهم امام الحشود والامكانيات الكبيرة للناتو ؟.
ومن جهة اخرى الناتو يحاول ان يعزز تواجدهٌ في دول اوربا الشرقية واعادة الثقة لهم ووضع حدود مانعة للحد من النفوذ الروسي وطمئنة الدول الاعضاء بأن الحلف قد اتخذ اجراءات سريعة تحسباً لاي طاريء وزيادة حجم النفقات الحربية و زيادة عدد قوات الناتو .
وتبقى اوكرانيا اسيرة بين سياسة الطرفين روسيا من جهة والناتو من جهة اخرى . وعسى ان ينطق المثل القائل مصائب قومُ عند قوم فؤائدُ . وفي ظل اصرار اوكرانيا على مسيرتها نحو الغرب والابتعاد عن التبعية الروسية فأن اي تصعيد بين الناتو و روسيا فانه بالتاكيد يصب في مصلة اوكرانيا ( طبعا ليس حباً في اوكرانيا ولكن من اجل حماية مصالح الناتو ) ومن خلال اضطرار الناتو لزيادة الدعم اللوجستي والعسكري والمعنوي لاوكرانيا وكذلك من اجل الحفاظ على بوابة الحدود الشرقية لاوربا من خلال اوكرانيا .
اوكرانيا التي خسرت الكثير وهي تحاول التخلص من الهيمنة الروسية فأنها فقدت جزء مهم من اراضيها وهي شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا . وكذلك فقدت السيطرة على الدونباس والتي خاضت كييف حرب مع الانفصاليين من اجل استعادة الدونباس . اضافة الى ذلك انهيار العملة الاوكرانية الهرفنة وانهيار مريب في الاقتصاد الاوكراني اضافة الى المشاكل السياسية ومشاكل اخرى . فهل سوف تجد اوكرانيا البديل الذي يستحق كل هذه التضحيات والخسائر وعيونها تنظر الى الغرب على امل التقارب معه ومن ثم الانظمام للاتحاد الاوربي ولو بعد حين .
اوكرانيا وشعب اوكرانيا يتأمل أحلال السلام وتحقيق الرغبات ….
منعم الزهيري
محامي وباحث في العلاقات
القانونية الدولية في أوكرانيا والاتحاد الاوربي