في الخامس والعشرين من ديسمبر 1991 اعلن الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشيوف استقالته في كلمة عبر التلفزيون، لتعمر الامبراطورية الشيوعية حوالي 70 عاما ويسجل انهيارها نهاية نظام عالمي يرتكز على الخصومة مع الولايات المتحدة. وحينها قال غورباتشيوف في اعلان وضع حدا لاشهر عدة من احتضار النظام السوفييتي: «نظرا الى الوضع (…) اتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للاتحاد السوفييتي».
وبعد اشهر من تهاوي الاتحاد ومحاولات استعادة زمام الامور (13 قتيلا في فيلنيوس في يناير)، وانقلاب فاشل في اغسطس واعلانات استقلال متسلسلة، اعلن رؤساء ثلاث جمهوريات اساسية ـ بوريس يلتسين رئيس روسيا ونظيراه في اوكرانيا وبيلاروسيا ـ في الثامن من ديسمبر ان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية «لم يعد موجودا».
وبعد رحيل غورباتشيوف نزع العلم الاحمر مع المنجل والمطرقة عن الكرملين.
وهكذا اندثرت الامبراطورية الشيوعية التي لعبت دورا كبيرا في انتصار النازيين وارسلت اول رجل الى الفضاء لكن قادتها قاموا بتصفية الملايين من مواطنيهم بدون رحمة.
وسجل ذلك ايضا نهاية الحرب الباردة ونظام عالمي ثنائي القطب ما جعل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم.
واصبحت معظم الجمهوريات السوفييتية الخمس عشرة مستقلة للمرة الاولى في تاريخها لتواجه تحدي اقامة هوية وطنية واقتصاد متين وهي اهداف لم يتحقق الكثير منها.
وتعاني روسيا من جهتها من خسارة وضعها كقوة عظمى في وجه الولايات المتحدة.
والرجل القوي في البلاد فلاديمير بوتين الذي تولى رئاستها من العام الفين الى 2008 ثم اصبح رئيسا للوزراء واعلن نيته العودة الى الكرملين عبر ترشحه الى الانتخابات الرئاسية المرتقب اجراؤها في مارس 2012، اعلن بصراحة متزايدة حنينه الى الاتحاد السوفييتي.
وقال بوتين الذي كان عميلا في الكي جي بي ان الاتحاد السوفييتي لم يكن شيئا آخر غير «روسيا الكبرى»، مشيدا بقومية الروس فيما يواجه حكمه مع نهاية هذا العام حركة احتجاج غير مسبوقة بعد انتخابات تشريعية تميزت باتهامات بحصول عمليات تزوير مكثفة.
وكان سلفه بوريس يلتسين الذي توفي في 2007، يعتبر من جهته ان تفتت الاتحاد السوفييتي امر محتوم.
واختفى الاتحاد السوفييتي بدون كارثة حقيقية، لكن السنوات التالية سجلت تدهور البنى التحتية وافقار السكان اضافة الى نزاعات محلية اودت بحياة مئات آلاف الاشخاص.
وشهدت طاجيكستان حربا اهلية ضد الاسلاميين. وتواجهت ارمينيا واذربيجان بسبب جيب ناغورني قره باخ الانفصالي. وقامت روسيا بحملتين دمويتين في جمهورية الشيشان الصغيرة المتمردة.
كما حاربت جورجيا الانفصاليين في ابخازيا وفي اوسيتيا الجنوبية.
ولم تتم تسوية اي من هذه النزاعات بصورة نهائية. فالاسلاميون مازالوا يهددون في طاجيكستان وناغورني قره باخ تشهد سلاما هشا فيما انتشرت حركة تمرد اسلامية في كل منطقة القوقاز الروسية.
وللمرة الاولى منذ سقوط النظام السوفييتي ارسلت روسيا دباباتها في اغسطس 2008 الى جمهورية جورجيا التي ارادت استعادة السيطرة على اوسيتيا الجنوبية.
وبعد محاولات للاصلاحات الليبرالية كانت حماسية في البداية ثم فقدت شعبيتها في ظل رئاسة بوريس يلتسين، بدأت روسيا تنظر باتجاه ماضيها بعد وصول فلاديمير بوتين الى الحكم.
فاعاد بوتين النشيد السوفييتي السابق وفرض قيودا على وسائل الاعلام والمسرح السياسي ووضع كل ثقله ليجمع حول روسيا الجمهوريات التي كانت تدور في فلكها.
واتهم بذلك بانه يريد اعادة الاتحاد السوفييتي الذي وصف انهياره في 2005 بأنه «اكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين».
وبعد انفراج واضح في تسعينات القرن الماضي وبالرغم من «انطلاقة جديدة» مع رئاسة باراك اوباما، تبدي موسكو مجددا طموحاتها بان تصبح قوة عظمى، وتعارض بقوة حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة بشأن مشروعهما اقامة منظومة الدرع المضادة للصواريخ في اوروبا.
وتستخدم روسيا التي مازالت تقيم علاقات مميزة مع حلفائها القدامى في الحقبة السوفييتية مثل كوريا الشمالية وايران وكوبا وسورية، حقها في النقض (الفيتو) في مجلس الامن الدولي لتعرقل مع الصين مبادرات غربية خصوصا ضد النظام في دمشق.
لكن بعد عشرين سنة لا يشير اي شيء الى ان اتحادا جديدا امر ممكن حدوثه على اراضي الاتحاد السوفييتي السابق.
فدول البلطيق الثلاث انضمت الى الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي، فيما جورجيا تطمح للقيام بالمثل، واوكرانيا التي يغويها سلوك الطريق نفسه، تنفر ايضا من الخضوع لموسكو.
ومازالت النتائج الاجتماعية والاقتصادية لسقوط الاتحاد السوفييتي مستمرة في المنطقة.
فمولدافيا وطاجيكستان، عند اقصى طرفي الامبراطورية السابقة، تعانيان من الفقر اذ يتراوح اجمالي الناتج الداخلي للفرد بين 800 و8001 دولار على التوالي بحسب معطيات البنك العالمي.