د. عادل محمد عايش الأسطل / بعكس الاستفتاءات التي تسبق انتخابات جامعة بيرزيت، التي عادةً ما تتم بشأنها، باعتبارها واحدة من أكبر المؤسسات التعليمية على مستوى الضفة الغربية، ويمكن القياس على نتائجها، والتي توقّعت فوز الشبيبة الفتحاوية (كتلة الشهيد ياسر عرفات) في انتخابات الجامعة، حيث أخفقت الشبيبة في كسب تلك الانتخابات التي جرت أواخر الأسبوع الماضي، لحساب كتلة الوفاء الإسلامية (الذراع الطلابي لحركة حماس)، الأمر الذي أحدث زلزلة سياسية واجتماعية أخرى داخل السلطة الفلسطينية وحركة فتح على نحوٍ خاص، وفي ضوء أن هذه الزلزلة جاءت بعد هزّة الانتخابات السابقة 2015، والتي أخفقت الشبيبة في كسبها أيضاً.
لدى خبراء وسياسيين فلسطينيين، فإن نجاح كتلة الوفاء في تحقيق الفوز وللمرة الثانية، إنّما يُشير إلى انقلاب تاريخي آخر، بحيث أن صداه لن يقف عند هذا الحدّ، بل سيتجاوز مسألة الفوز، ليصل إلى خلق واقع مُختلف، داخل المنظومة السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وبالنظر إلى أن حماس تحتفظ بأجندة مُختلفة تماماً، عن تلك التي تحتفظ بها السلطة الفلسطينية، والتي تنال اعترافات إقليمية ودولية بسببها، وهم لا يشككون في استشعارهم، بأن مخاوف عميقة ستظهر على الحركة، ترتيباً على فوز الكتلة، باعتباره كان على حساب قاعدتها الشعبية، التي من المفترض الارتكاز عليها في أية انتخابات مُقبلة.
كما أن في إسرائيل، بدا الكثير من عدم الارتياح لفوز الكتلة، خاصة وأنها وبغض النظر عن الانخفاض الذي طرأ على حجم العمليات التي يقوم بها فلسطينيون ضد الإسرائيليين في القدس وأنحاء أخرى متفرقة، كونه يعبّد المزيد من الطرق لاستكمال عملية استقطاب واسعة لشرائح فلسطينية مختلفة، الى جهة أيديولوجيتها المُفعمة بالتشدد.
إلى جانب اعتباره عملية جذب فاعلة لجهات إقليمية ودولية، لبدء التعامل معها بناءً على قوة تواجدها السياسي على الساحة الفلسطينية، وفي ذات الوقت فهي تخشى من أن يكون هذا الفوز حافزاً لحصولها على تأييدات فلسطينية أكبر تحو التصعيد في الضفة الغربية، وفي ضوء أن معلومات استخبارية إسرائيلية تقول، بأن حماس لها القدرة في التصعيد، حتى برغم ظروفها الصعبة، وسواء على الصّعُد السياسيّة أو العسكريّة أو الماليّة.
كانت انتخابات 2015، صادمة بالنسبة لحركة فتح، باعتبار نتيجتها غير متوقعة، الأمر الذي جعلها تشعر بأن هناك خلل ما، داخل الحركة ويجب تداركه، وبأن هناك تيار حمساوي يجب وقفه، وقد تم العمل على هذين الأمرين، منذ ذلك الحين وحتى موعد هذه الانتخابات، وبناءً عليه، فلا يُمكن نُكران، أن الحركة قد حققت تقدماً.
صحيح، أن فوز الكتلة يُعنبر فوزاً حقيقياً، ويجيء في أوقات سياسية واجتماعية صاخبة وأكثر حساسية من أي وقت مضى (هبّة القدس، المؤتمر الدولي للسلام، سخونة الأوضاع التي يشكلها الحصار)، لكنه لا يُعتبر انتصاراً حاسماً، كونه ترك الباب واسعاً لحركة فتح، يسمح لها بمداومة الفخر، عن أنها موجودة بقوّة، وأن جهودها قد حققت تقدّماً لا جدال عليه، ويساعد في ذلك أنها فازت لتوها بمجالس أربع جامعات أخرى (بوليتكنك فلسطين، بيت لحم، خضوري، جامعة القدس)، وهي نجاحات مُعتبرة، برغم أنها أقل صخباً من بير زيت.
ويمكن إيضاح ذلك التقدّم، في اكتساب الشبيبة مقعدين آخرين عن الانتخابات السابقة من (19-21) مقعداً، وذلك على حساب الكتلة الإسلامية، التي تأخّرت مقعداً واحداً من (26- 25)، وهو من شأنه أن يحول دون أن تتمكن الكتلة من تشكيل مجلس الجامعة بمفردها، لعدم تمكنها من حيازة نسبة الحسم، وربما يكون وارداً من أن تُخفق في تشكيل ائتلافمع الشبيبة، أو مع القطب الطلابي – الجبهة الشعبية، الذي يحوز 5 مقاعد، ليكون أمام الشبيبة فرصة القيام بتشكيل المجلس بدلاً عنها.
على أي حال، وإذا ما أردنا استنباط نظرتي كل من الحركتين حتى هذه اللحظة، بشأن تلك النتيجة، سنجد أن نظرة حماس النهائيّة، تكوّنت بصورةٍ رئيسة، على أساس أنها حققت انتصاراً مُهمّاً والذي يُعبّر بوضوح، عن مبايعة جديدة لخيار المقاومة، ورسالة دعم وإسناد لانتفاضة القدس الجارية، ودليل على قوة الحركة، رغم كل التحدّيات التي تتعرض لها، وسواء القادمة من السلطة الفلسطينية أو من إسرائيل.
ومن ناحيةٍ أخرى، فهو يُعبّر عن مواصلة رفض الفلسطينيين لسياسة السلطة الفلسطينية (ككل)، وسواء المتعلّقة بالإجراءات الداخلية المتفرّدة، أو لخطابها الموجّه للمجتمع الإسرائيلي والاستمرار بتطبيقات أوسلو على حساب الثّوابت الفلسطينيّة.
وعلى خلاف النظرة الفائتة، فإن نظرة حركة فتح إلى هذه النتيجة، باعتبارها ليست سيئة، ولا تعني الخسارة بمعناها العملي، وأن الرصيد الذي حصلت عليه خلال الانتخابات، يُعبّر بوضوح، عن فوزٍ حقيقي ومُتقدّم، ما يعني أن جملة السياسات التي تتبعها القيادة الفلسطينية، ممثلةً بالرئيس “أبومازن”،وسواء الداخلية أو المستعملة باتجاه إسرائيل،لا تزال تحصد تأييداً كبيراً لدى المزاج العام الفلسطيني.