%D8%B9%D8%B5%D8%A7%D9%85 %D9%8A%D8%AD%D9%8A أوكرانيا

امتزاج الدروب أو توحدها .. كلاهما جحيم

عصام يحيي / الثورة حد فاصل ما بين لحظات ماضية تسكنها عقول ساكنة ولحظات استشراف للمستقبل تملأها عقول متطلعة إلى النور

عصام يحي أوكرانيابهذه الكلمات اقتطع العجوز صمت الشاب الثائر الواقف فى منتصف كوبرى قصر النيل بينما كان الشاب اليافع غارقاً فى تأمل المياه الراكدة ، وبدون أن ينطق حرفاً واحداً أشار إلى العجوز بالنظر إلى مياه النيل ثم قال ها أنا هنا بالنظر إلى النيل أدرك ما قطعت به صمتى .. أنظر إلى المياه الآن كيف هى راكدة ساكنة !

العجوز : نعم يا بنى هى ساكنة .

الشاب : هذا ما وصفت أنت به الحال قبل الثورة .. قلت ؛ لحظات ماضية تسكنها عقول ساكنة .. انتظر برهات ولترى جملتك الحكيمة قد اكتملت أمامك كاملة مرئية .

مرت دقائق قليلة وإذا بظهور قارب أتٍ من ناحية كوبرى الجامعة فقال الشاب الهادئ :

لاحظ أيها الحكيم توابع مرور هذا القارب من هنا .. لقد أثار مروره زعر الركود النيلى ، وهذا هو الحد الفاصل الثورى أيها الحكيم .

لا تطلق نظرك بعيداً ..  لم ينتهى المشهد بعد .. انظر كيف أن مرور القارب فجًّر طاقة المياه فكونت أمواج ثائرة متجهه نحو شاطئى النيل (النور)

العجوز : تبدو تائهاً فى درب الحياة يا بنى .. أخبرنى أمرك ..

الشاب : لست تائهاً أيها العجوز لست تائهاً أبداً لكنى استبصره أكثر من اللازم .. قل غارقاً .

العجوز : إذن ثورة داخل ذاتك حدثت أو ..

قطعه الشاب : نعم .. لقد مررت بكل مراحل الثورة يا سيدى .. ذاتى كانت ساكنة لكنها الآن ثائرة .. ثائرة على الثوابت .. لقد أسقطت كل شئ .

العجوز : وماذا كان الحد الفاصل الذى أحدث الثورة .. أقصد القارب الذى فجر الطاقة الساكنة داخل ذاتك ؟

الشاب : الحد الفاصل مجهول يا سيدى .. شيئاً ما لا ألمسه الآن أيقظنى من سباتى .. وحينما نهضت برز أمامى ممر طويل .. يمتد إلى الأعالى ( الله ) .. كانت روحى فى حاجة إليه .. وعندئذ بدأ هذا الممر فى الانحناء والهبوط بروية .. إلى أن هبط .. أنها اللحظة الفاصلة لحظة انهيار الواصل معه .. بعدئذ بدأ قلقى تجاه الأسطورة غير المكتشفة .. وأمسى حد الجنون يغرينى .. بات هذا القلق فى قلبى .. وفى دمى .. يحاصرنى باستمرار .

العجوز بلهجة ملتوية : هل أسقطت قناعاتك الدينية ؟!

الشاب بلهجة قاسية : لم يكن أبداً لى قناعات دينية .. إنها ثوابت فى المجتمع لا يمكن الاقتراب منها .. ولدت ووجدتها هكذا ولم يكن لى حيالها رأى .. لا نفى ولا قناعة بها .

العجوز : وماذا بعد ؟! ماذا بعد انهيار ثوابت المجتمع التى تكونت خلال عشرات القرون ؟

أنت الآن تائهاً .. قلت لكَ وأنكرت .

الشاب مستنكراً : أتظن اللهث وراء الشقوق الحجرية القديمة والمخطوطات الورقية العتيقة لهو من قبيل الحكمة ؟

الآن أنا وحدى مقتدياً بلا أحد .. وقد تحولت إلى هواء يطوف كل المناطق غير المطروقة .

العجوز مشفقاً : الهواء يتحرك فى كل ثانية فى اتجاهات مختلفة .. هذا يعنى يا بنى أنك لا تؤمن بحقائق بعد الآن .. كما نعت نفسك .. بالهواء .. هكذا الهواء .. أولست صائباً ؟!

الشاب : أى حقائق يا عجوز .. قل لى : لما لم يعد أحد من القبور ليعيد سرد الحقائق المختفية فوق السماء !

العجوز : أولم أقل أنك تائه فى درب الحياة

الشاب : أنا تائه داخل دائرة العبث أيها العجوز .. كلّ منا لديه فى فضائه الخاص حلم .. لكنه حلم متعلق على الدوام بلا شئ ..

لماذا أيها العجوز تتعلق الحياة بلا شئ

لماذا أيها العجوز تتعلق الحياة بلا شئ

لماذا أيها العجوز تتعلق الحياة بلا شئ

رددها الشاب مبتعداً عن العجوز رويداً رويداً إلى أن اختفى عن مرمى بصره .. عاد إلى دربه الخاص  متقوقعاً فيه وحيداً .. أو إن صح التعبير إلى كابوسه.

شاهد أيضاً

ثمن

ثمن الحرية: لماذا لا ترغب أوكرانيا في إطالة أمد الحرب؟

أوكرانيا اليوم / كييف / لقد تغير العالم في 24 فبراير 2022. في ذلك اليوم …