حسن خبيز / اعتبر السيد ابراهيم الأمين ان حصار الجيش النظامي السوري لمخيم اليرموك هو نتيجة فلسطينية بحتة. بصرف النظر عن الأوضاع السياسية للمخيم والعناصر الموجودة داخله سواء كانوا من تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام ” او تنظيمات مشابهة اخرى، او “الجيش السوري الحر” الا ان هذا لا ينكر الحقيقة المرة التي يعانيها المخيم، انهم يموتون جوعا.
يفرض الجيش السوري النظامي حصارا مطبقا على المخيم منذ ما يقارب السنة مانعا اي مورد من موارد السلاح او حتى الغذاء، الذي اصبح بنظر البعض سلاحا، حتى اصبح المخيم اشبه بصحراء تعج بأصحاب البطون الخاوية.
ان ما اغفله السيد “الأمين” في مقاله عن ان “اليرموك مسؤةلية فلسطينية ” ان هناك ما يزيد عن اربعين طفلا ماتوا من الجوع. هؤلاء الأطفال ،الذين لم يفجروا انفسهم و لم يذهبوا الى الجهاد او الى القتال ، اعلنوا جهارة ان مطلبهم الأساسي يقتصر على الطعام. هذا المطلب الذي لا يغتفر بنظر الجيش السوري كونه يغذي الارهاب في مخيم اليرموك.
كما اعتبر “الأمين” ان السبب الرئيسي للحصار الذي يفرض على المخيم انه نتيجة “الثورة ” التي قام بها اهل المخيم حيث منعوا الجيش السوري النظامي من الدخول الى المخيم و دعموا “الجيش الحر” و “داعش” في قضيتهم . و برر انطلاقا من هنا قصف الجيش السوري للمخيم حيث اوقع اسفا اصابات في صفوف المدنيين في سبيل القضية الأعظم “قتل المسلحين”.
لا يعنينا هذا التبرير و هذا العنف المستخدم في اليرموك، كما لا يعنينا اطراف النزاع في سوريا. تسقط كل هذه الحسابات امام مشاهد الأطفال التي تموت جوعا لأي سبب من الأسباب . هذا الحصار الذي يفرض على اليرموك هو حصار مبرر؟ و هل يعد المأكل والمشرب مساعدة في الاسهام بزيادة نفوذ الثورة السورية مما يحتم على السلطة قطعه مخافة السقوط؟
تكاد لا تختلف الصورة اليوم في اليرموك عن الصورة التي التقطها كيفن كارتر لطفلة سودانية جائعة تحاول الوصول الى مخيم الاغاثة الذي يبعد ميلا واحدا عنها ، و على مقربة منها هناك نسر قمام يحضر لبدأ وليمته على عظام الطفلة الخائرة القوى. هذه الطفلة التي كانت السبب في انتحار “كارتر” ادت الى كسب التعاطف الدولي مع القضية السودانية و مع مشاهد الجوع والفقر في العالم اجمع. في اليرموك اطفال كثر يموتون جوعا بدون قضية فالمشاهد التي بثت على شبكات التواصل الاجتماعي تكفي للقضاء على اي ضمير حي و على اي فرصة للدفاع عن سوريا و عن “الجيش النظامي” او عن “الثوار”. كما تكفي لانتحار الالاف من “كارتر”.
صورة واحدة في السودان كانت اكثر من كفيلة لاحداث ضجة عالمية حول الأطفال الذين يموتون دون طائل. هذه الصورة التي قتلت “كارتر” لم تقتل احدا في اليرموك. كما انها لم تحرك اي من الاحاسيس العامة التي تحركت في قضية السودان.
قد يكون السبب الرئيسي المبرر لعدم الحراك يكمن في فظاعة الاعلام، هذا الاعلام الذي بث اشنع و افظع الصور انطلاقا من صور الذين ماتوا جراء البراميل المتفجرة او الذين ماتوا جراء قطع الرؤوس مباشرة على الهواء جعل التعاطف مع هذه القضية اصعب. فقد تعود الرأي العام على مشاهد العنف في سوريا بأسوأ اشكاله ، ما جعل صورة الأطفال الذين يموتون جوعا تعد رحمة لأعين المشاهد.
لذا فالمسؤولية الأساسية لا تقع حصرا على الفلسطينين بل تقع و بشكل اساسي على التطرف في بث الصور المفجعة من قبل فريقي الأزمة في سوريا مما جعل صور كهذه اقل وقعا من صور الرؤوس المقطوعة او اكل القلوب او البراميل المتفجرة.