%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A71 أوكرانيا

الوجع الاسلاموي يقلق روسيا

الكاتب والاعلامي اللبناني يوسف مرتضى / ولّد سقوط الشيوعية في العام 1991 بروز خطر كبير يقلق روسيا1 أوكرانياالسلطة والمواطن الروسيين على السواء، ألا وهو، الإسلام السياسي المتطرف.

للروس معاناتهم الكبيرة مع المجاهدين الإسلاميين نتيجة ما تكبدوه من خسائر مادية وبشرية فادحة على مدى سنوات الثمانينات من القرن الماضي في حربهم في أفغانستان. تلك الحرب التي شكلت نتائجها أحد أهم أسباب انهيار الدولة السوفياتية.
ما إن اندمل جرح الروس الأفغاني حتى انفتح جرح جديد في الجسد الروسي نفسه، في الشيشان بشمال القوقاز، وهو جرح راح يتوسع منذ تسعينات القرن الماضي وما زال منفتحاً حتى يومنا هذا ليصيب بعدواه معظم مواضع الوجود الإسلامي في جغرافية روسيا الإتحادية.
وما كان من الحملة العسكرية القاسية التي قادها الرئيس بوتين وشارك فيها بنفسه إلا أن حركت القوى الإسلامية السنية تحديداً ضد روسيا على امتداد العالمين العربي والإسلامي… ومنذ انفجار الربيع العربي واندلاع الحرب الأهلية في سوريا يخيم على السياسة الروسية الخوف والقلق من نهوض وتمدد الإسلام الراديكالي.
ويسود اعتقاد قوي لدى القيادة الروسية اليوم بأن سقوط نظام الأسد في دمشق سيكون من نتائجه المباشرة حتماً تصاعد دور الحركات الإسلامية المتطرفة في بلدان آسيا الوسطى (السوفياتية سابقاً) وتالياً في جمهوريات روسيا الإسلامية نفسها.
ويعود مصدر الهواجس المقلقة للروس أيضاً إلى ما شهدته روسيا خلال العقدين الأخيرين من تصاعد عمليات المجابهة بين القوى الأمنية الروسية من جهة والمجموعات الإسلامية المتطرفة من جهة أخرى، في أكثر من مدينة وبلدة روسية.
وبسبب كل تلك التراكمات، يكشف الواقع الروسي عن اختمار حالة العداء بين الأعراق والأديان المكونة للمجتمع الروسي، كما يكشف عن تنامي كراهية الروس للأجانب. ففي العام 2012، ووفقاً لمعهد علم الاجتماع التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، فإن ما بين 10 و15 في المئة من المواطنين الروس يؤيدون شعار “روسيا للروس”، وحوالى 30 في المئة يعتقدون بوجوب تمتع العرق الروسي بحقوق وميزات أسمى من تلك التي تتمتع بها الأعراق الأخرى.
إن الخطاب الروسي بشكل عام بات يتسم بالسلبية تجاه صورة معينة من المسلمين الروس، وخاصة مسلمي شمال القوقاز. فوفقاً لاستطلاع أجراه مركز “ليفادا” في كانون الثاني من العام 2011 حول قضية الهجوم الإرهابي في مطار “ديميد يدوفو” بموسكو، تبين أن 24 في المئة من المشاركين في الاستطلاع يفضلون فرض حظر على دخول وإقامة سكان القوقاز في الأجزاء الوسطى من روسيا، و19 في المئة من الذين شملهم الإستطلاع أيدوا إغلاق الحدود الإدارية بين جمهوريات شمال القوقاز وروسيا.
وتظهر نتائج هذا الاستطلاع أن الدعاية القومية المركزة على مبدأ المسؤولية الجماعية لشعوب شمال القوقاز، أصبحت أكثر تجذراً في وعي المواطن الروسي. وبدون أدنى شك، فإن حصول عمليات ارهابية على أراضي روسيا وخارجها يتهم بها إسلاميون مترافقة مع سياسة تصادمية للقيادة الروسية مع تيارات إسلامية في الداخل والخارج، لا بد من أن يزيد تأجيج الرأي العام الروسي بمكوناته المختلفة الإسلامية والمسيحية.
وبعد أثنين وعشرين عاماً على انهيار الأمبراطورية السوفياتية لم تعالج مسألة الخدمة العسكرية للمجندين في شمال القوقاز ذي الغالبية المسلمة في الجيش الروسي.
من هذه الخلفية تثار بقوة الصراعات العرقية داخل ثكنات الجيش. وفي محاولة لإحتواء حالة التنافر العرقي مثلاً، أقدمت القيادة الروسية في العام 2000 على نقل حوالى 20 جندياً شيشانياً إلى فوج بالقرب من موسكو، غير أن وجودهم قد أثار الصرعات داخل الثكنة، ما دفع السلطات الروسية إلى اعتبار هذه التجربة فاشلة. وفي العام 2012 سحب 150 شيشانياً من الكتيبة 249 الخاصة بالمحركات، التابع لأحد الأفواج المتمركزة بشكل دائم في الشيشان، خوفاً من تمردهم .
لقد شهدت روسيا بين نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين مرحلة النهضة الروحانية الجديدة بما في ذلك الإسلام. فاستعادت الكنيسة الأرثوذكسية دورها كحاضن للسلطة الروسية وأحد مرتكزاتها الأساسية، في حين غاب أي دور للمسلمين في تركيبة السلطة الروسية المركزية والذي ترافق مع عمليات المواجهة العنفية في الشيشان وداغستان واتساع العمليات الإرهابية ضد بعض المرجعيات الدينينة المسلمة المؤيدة للسلطة في استراخان وقازان وبشكيرستان…
في أعوام التسعينات من القرن الماضي واستكمالاً لحربهم ضد الروس في أفغانستان، تسلل العديد من الأئمة المسلمين المتطرفين مع أموال ضخمة إلى منطقة شمال القوقاز وراحوا يبنون المساجد ويسيطرون عليها ويغزون أناس تلك المنطقة تحديداً في الشيشان وداغستان بأدبيات الإسلام المتطرف، كما انتقلوا بعد ذلك إلى تتارستان في محاولة للسيطرة على عقول حوالى خمسة ملايين مسلم من التتار بعدما تمكنوا من تعميم ثقافتهم على أكثر من مليوني مسلم قوقازي.
لقد بدأت حركة إعادة ترميم المراكز الثقافية الدينية وتشييد المساجد الجديدة في روسيا في العام 1985 مع وصول غورباتشيوف إلى السلطة وإطلاقه عملية “البريسترويكا”.
وحتى العام 2000 بلغ عدد المساجد التي بنيت وأعيد بناؤها نصف ما كانت عليه قبل الثورة البلشفية. فحتى ذلك التاريخ تم تسجل 4750 مسجداً رسمياً ولكن في الواقع بلغ العدد الفعلي للمساجد حوالى 7000 في العام 2000.
وسؤال الديموغرافيا بدأ يقلق بقوة القيادة الروسية، حيث أن عدد الروس الأرثوذكس يتناقص سنوياً بحدود سبعة آلاف نسمة تقريباً، وأن نسبة الخصوبة عند الروس الأرثوذكس لا تزيد عن 1.3% بينما يزداد عدد الروس المسلمين باضطراد حيث أن نسبة الخصوبة عندهم تزيد عن 3% وهذا يعني أن عدد الروس المسلمين سيتساوى مع عدد الروس الأرثوذكس في العام 2050. من هنا دعوة بعض القوميين الروس إلى المطالبة بقانون يحد من النسل في القوقاز وبعض المناطق الروسية الإسلامية الأخرى، وفي مقدم هؤلاء رئيس الحزب الديموقراطي الليبرالي جيرينوفسكي.
وقد وجدت السلطة الروسية في المذهب الصوفي خياراً معتدلاً لللإسلام راحت تشجع أصحابه وتدعمهم لمواجهة الإسلام المتطرف الذي تعاني منه جمهورية داغستان والجمهوريات ذات الحكم الذاتي في شمال القوقاز.
إن أحداثاً مؤلمة تجتاح داغستان منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث تتوسع يوماً بعد يوم عمليات الاغتيال لرجال الشرطة، وتفجير مقار السلطات المحلية الموالية لموسكو، واغتيال رجال الدين الموالين أيضاً، ولا توفر هذه العمليات المرجعيات الدينية المعتدلة . وتعود اسباب العمليات الإجرامية في جزء كبير منها إلى خلفيات إثنية وأحقادٍ تاريخية، واعمال قرصنة سببها الفقر المدقع وانتشار البطالة بشكل واسع في هذا الاقليم.
وفي مواجهة تلك المجموعات المتطرفة والممولة من دول خارجية، قررت السلطات الروسية دعم ومساعدة رجال الدين وقيادت الحركات الاسلامية المعتدلة في سبع جامعات إسلامية. موسكو وتتارستان وباشكيرستان وفي الجمهويات القوقازية الأربع بما في ذلك داغستان. وفي السياق نفسه اختار الكرملين سياسة التقارب مع المسلمين الشيعة أكان في الشيشان من خلال دعمه لكاديروف أو في دعمه سوريا بقيادتها العلوية أو دعمه لإيران.
أمام هذا الواقع يثار التساؤل الموضوعي:
– إلى أي مدى ستجد صدىً سياسة الإغواء والإحتواء التي يحاول بوتين إغراء مسلمي روسيا بها للحد من قلقهم على مستقبلهم في ظل تنامي الجهد لدى القيادة الروسية لإعادة إحياء روسيا القيصرية الأرثوذكسية؟ وفي ظل اشتداد القبضة الحديد على أمور السلطة في البلاد وطغيان دور سلطة الأجهزة على دور السلطات المفترض أنها منتخبة ديموقراطياً، وفي ظل استشراء حالة الفساد في البلاد، والتهميش الاقتصادي للأطراف وتحديداً شمال القوقاز؟
– والى أي حد ستمنع منظومة الأمن الجماعي التي شكلها بوتين وتشمل خمس دول بالإضافة إلى روسيا (أرمينيا، قيرقيزستان، كازاخستان، روسيا البيضاء، وطاجيكستان)، نهوض حركات التغيير في عدد من تلك البلدان، الآسيوية منها بالتحديد، مع اندفاعة الربيع العربي ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية في تلك البلدان واستشراء حالة الفساد وامساك الأجهزة الأمنية بالسلطة فيها.

المقالات التي تنشر تعبر عن آراء أصحابها

شاهد أيضاً

غزو

أول غزو لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية

أوكرانيا اليوم / كييف / في تقرير ” بلومبرج”، تم تسمية الاختراق الأوكراني للحدود الروسية …